الأزمة الليبية: انقسامات حول دعوة باتيلي "الخمسة الكبار" للحوار

26 نوفمبر 2023
يرى متابعون أن مبادرة باتيلي لا تختلف عن سابقاتها (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

تنتظر الأوساط السياسية في ليبيا، وضوح مواقف القادة الخمسة الأساسيين في البلاد، حيال دعوة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، للاجتماع حول طاولة حوار سياسي للتوافق على حلول للعقبات والخلافات التي تواجهها العملية الانتخابية.

ودعا باتيلي، بحسب ما ذكرت البعثة الأممية إلى ليبيا في بيان الخميس الماضي، ممثلي من وصفهم بـ"الخمسة الكبار"، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وقائد معسكر شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلى عقد اجتماع تحضيري "لتحديد موعد اجتماع رؤساء مؤسساتهم ومكان انعقاده وجدول أعماله والمسائل العالقة التي يجب حلّها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانوني الانتخابات الصادرين عن مجلس النواب".

وقالت البعثة إن باتيلي "وجّه دعوات إلى الأطراف المؤسسية الرئيسة في ليبيا للمشاركة في اجتماع سيُعقد في الفترة المقبلة بغية التوصل إلى تسوية سياسية حول القضايا مثار الخلاف السياسي والمرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية". ووفق البيان، اعتبر باتيلي أنه "للمرة الأولى منذ تعثر إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، أصبح لدى ليبيا الآن إطار دستوري وقانوني منظم للانتخابات"، مناشداً الأطراف الرئيسية الفاعلة "للانتقال بحُسن نية إلى المرحلة التالية من الجهود الرامية لتحقيق الهدف المشترك المنشود، ألا وهو إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة وشاملة للجميع تلبي تطلعات الشعب الليبي".

خلافات مجلسي الدولة والنواب

وجاءت دعوة باتيلي على خلفية تعقد الخلافات بين مجلسي النواب والدولة بشأن مخرجات لجنة 6+6 المشكّلة من المجلسين لإعداد قوانين للانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولا سيما بعد اعتماد مجلس النواب، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نسخة معدلة من القوانين الانتخابية، وتمسك مجلس الدولة بالنسخة غير المعدلة للقوانين التي أنجزتها اللجنة مطلع يونيو/حزيران الماضي.

رفض مجلس النواب عدم دعوة الحكومة المكلفة منه للحوار

واعترض طريقَ إعداد الأطر القانونية الخاصة بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تنهي فترات الانتقال السياسي في البلاد، خلافٌ بين الأطراف الليبية على ترشح العسكريين وحملة الجنسيات الأجنبية للانتخابات. وعجز المجلسان عن تجاوز هاتين العقدتين في كلّ الحوارات التي احتضنتها القاهرة بينهما منتصف عام 2021، وشكل هذا العجز سبباً من أسباب تعثر إجراء الانتخابات نهاية ذلك العام. كما أن تضمين شرط جديد يتعلق بضرورة تشكيل حكومة موحدة تشرف على إجراء الانتخابات (المادة الـ86 من الفصل الـ13 المتعلق بالأحكام الختامية من قانون انتخاب رئيس الدولة الذي أقرّه مجلس النواب) لتجاوز الانقسام الحكومي الحالي، أضاف عقبة جديدة في طريق الانتخابات.

وللتوافق على صيغ لحل الخلاف، شكّل مجلسا النواب والدولة لجنة مشتركة مؤلفة من 6 أعضاء عن كل طرف، عقدت اجتماعات في بوزنيقة المغربية طوال شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، قبل أن ينتهي أعضاء اللجنة في الأول من يونيو الماضي، إلى التوافق على السماح للعسكريين بالترشح، باستقالة اعتبارية من مناصبهم حال ترشحهم، وكذلك اشتراط تقديم مزدوجي الجنسية ما يفيد تنازلهم عن جنسياتهم الأجنبية حال انخراطهم في المرحلة الثانية من السباق الانتخابي. ويقول البند الثالث من المادة الـ15 من قانون انتخاب رئيس الدولة (شروط الترشح للانتخابات الرئاسية) الذي أقرّه مجلس النواب، إنه يشترط في من يترشح لمنصب الرئيس ألّا يحمل جنسية أي دولة أخرى إذا ما ترشح للدورة الثانية من الانتخابات، وهذا النص رفضه مجلس الدولة وطالب بضرورة تنازل مزدوج الجنسية عن جنسيته قبل الجولة الأولى للانتخابات. 

ويقول البند الـ5 من المادة الـ17 من قانون الانتخاب الخاص بانتخاب رئيس الدولة، الذي أقرّه مجلس النواب، إن المرشح للانتخابات الرئاسية، سواء أكان مدنياً أم عسكرياً، يعدّ مستقيلاً من وظيفته بقوة القانون بعد قبول ترشحه، وفي حال عدم فوزه في الانتخابات، يعود إلى سابق وظيفته. ويأتي ذلك علماً أن البند التاسع من المادة الـ15 من قانون انتخاب رئيس الدولة يفرض على المرشح أن يقدم استقالته من منصبه طبقاً للقانون.

وعلى الرغم من تجاوز القوانين الانتخابية الخلاف بشأن ترشّح العسكريين وحملة الجنسيات المزدوجة، بتوافق ممثلي المجلسين في لجنة 6+6، إلا أن نقاشاً دار بين المجلسين ومفوضية الانتخابات حول تفاصيل فنية أخرى تتعلق بضمان تنازل مزدوج الجنسية عن جنسيته في حال فوزه في الانتخابات، على خلفية طول فترة إجراءات تنازلهم عن جنسيته الأجنبية، وكذلك عدم العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية وتركز أكثرها في غرب البلاد، ما دفع البعثة الأممية إلى المطالبة بتضمين تعديلات على تلك التفاصيل في القوانين الانتخابية لتكون قابلة للتطبيق.

كما أنه في ما خصّ انتخابات مجلس الشيوخ في قوانين الانتخابات المقرّة من مجلس النواب، يأتي في البند 2 من المادة 12 أنّ انتخابات مجلس الشيوخ تجرى بالتزامن مع الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فيما تجرى انتخابات مجلس النواب مع الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهو نصّ اعترض عليه مجلس الدولة، معتبراً أنّه فخ يريد منه مجلس النواب إقصاء مجلس الدولة (مجلس الشيوخ في الانتخابات المقبلة) إذا فشلت الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، بينما يبقى مجلس النواب في المشهد باعتبار أن انتخاباته لم تجر بالتزامن مع الجولة الأولى. 

وإثر إدخال لجنة 6+6 التعديلات المطلوبة على التفاصيل الفنية، أعلن مجلس النواب اعتمادها مطلع أكتوبر الماضي، ثم إصدارها في الجريدة الرسمية مطلع نوفمبر الحالي، فيما أبدى مجلس الدولة اعتراضه وتمسكه بالنسخة غير المعدلة التي أنجزتها اللجنة في الأول من يونيو، مبرراً موقفه بأن مخرجات اللجنة ملزمة ونهائية وغير قابلة للتعديل وفقاً للتعديل الدستوري الذي تشكلت اللجنة على أساسه.

وبالتزامن، شكّل البند المتعلق بتشكيل حكومة جديدة تشرف على إجراء الانتخابات، عقبة جديدة، حيث اعتبر مراقبون أن تحفظ مجلس الدولة على إصدار مجلس النواب للقوانين الانتخابية، يقف وراءه التحالف بين رئيس المجلس محمد تكالة، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، المتمسك بمنصبه، والذي يتصلب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في موقفه من ضرورة إقصائه من المشهد.

وتقول المادة الـ86 من الفصل الـ13 المتعلق بالأحكام الختامية، في التعديلات القانونية الانتخابية التي نشرها مجلس النواب، إنه "تجرى الانتخابات العامة في ظلّ حكومة جديدة تضمن نزاهة العملية الانتخابية ولا يحق لرئيسها وأعضائها الترشح للانتخابات الرئاسية". وهذه المادة تعدّ جدلية باعتبار أن الدبيبة أعلن في أكثر من مناسبة أنه لن يسلم السلطة إلا لسلطة منتخبة أي بعد إجراء الانتخابات. 

ومنذ دخول القوانين الانتخابية مرحلة جديدة من الخلافات، كثّف باتيلي لقاءاته بممثلي الأطراف السياسية والمجتمعية لمناقشة مستجدات ملف الانتخابات والوضع السياسي، وركّز لقاءاته أخيراً مع القادة الخمسة، كذلك أجرى لقاءات موازية أخرى شملت شخصيات من الشرائح القبلية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، لمناقشة دور هذه الشرائح في تعزيز المصالحة لإقامة "مؤسسات شرعية تنتجها انتخابات حرّة ونزيهة".

مواقف متباينة من دعوة الحوار

وقوبلت دعوة باتيلي القادة الخمسة للجلوس حول طاولة حوار جديدة بمواقف محتفظة وأخرى تحمل القبول الضمني. فقد استبق أعضاء مجلسي الدولة والنواب عن المنطقة الجنوبية دعوة باتيلي بإصدار بيان مشترك، الأربعاء الماضي، أعربوا فيه عن رفضهم حصر باتيلي الحل السياسي في القادة الخمسة الذين لا يوجد بينهم من يمثل الجنوب الليبي.

اعترض أعضاء مجلسي الدولة والنواب عن الجنوب لعدم تمثيلهم

كذلك أعربت حكومة مجلس النواب عن استغرابها "إقحام حكومة منتهية الولاية"، في إشارة إلى حكومة الوحدة، في الحوار السياسي و"إقصاء حكومة معينة من مجلس النواب"، معلنة رفضها إشراك المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية في الاجتماع.

وأيّد مجلس النواب موقف الحكومة المكلفة منه، مؤكداً رفضه المشاركة في أي حوار سياسي "لا يحترم الإرادة الليبية والمؤسسات الشرعية المنتخبة من الشعب الليبي، وما انبثق منها من مؤسسات تنفيذية". وقال المجلس في بيان، ليل أول من أمس الجمعة، إنه يتحفظ على "عدم احترام البعثة الأممية مخرجات مجلس النواب المتعلقة بالتعديل الدستوري الـ13، وقرار منح الثقة للحكومة الليبية، وعدم دعوتها للاجتماع، رغم أنها الحكومة الشرعية التي منحها المجلس ثقته عقب انتهاء المدة القانونية لحكومة الوحدة".

في المقابل، وفي خطوة تحمل قبولاً ضمنياً لدعوة باتيلي، اجتمع تكالة والدبيبة مع عضوي المجلس الرئاسي، موسى الكوني وعبد الله اللافي، الأربعاء الماضي، لمناقشة "العمل على معالجة الانسداد السياسي من خلال آلية مشتركة تضم الأطراف السياسية بهدف الوصول إلى إجراء الانتخابات"، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.

وإن لم يعلن باتيلي حتى الآن تفاصيل مبادرته الجديدة، إلا أن مضمونها يتوافق مع ما كشفت عنه مصادر ليبية مقربة من مجلسي النواب والدولة في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، بشأن عزمه على دعوة القادة الليبيين الخمسة، وسط اتصالات دبلوماسية كثيفة تجريها عواصم غربية لإقناع هؤلاء بقبول الدعوة.

وفي جديد كواليس مساعي البعثة الأممية، كشفت المصادر عن اختلاف في مواقف قادة معسكر شرق ليبيا: ففي مقابل تحفظ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لم يبد حفتر أي موقف حتى الآن. وفي غرب البلاد، توافقت معلومات المصادر على توافق الدبيبة وتكالة على قبول دعوة باتيلي، فيما قال أحد المصادر، وهو مقرب من مجلس الدولة، إن رئيس المجلس محمد المنفي يسعى للحصول على موقع إشرافي إلى جانب البعثة الأممية على طاولة الحوار، ويرفض أن يكون طرفاً في الخلاف السياسي.

وفيما كشفت المصادر عن اختيار البعثة الأممية للمغرب مكاناً للقاء ممثلي القادة الخمسة لعقد اجتماعهم التحضيري، أكدت أن البعثة لا تزال في اتصالات لإقناع القادة الخمسة بتسمية ممثليهم، وسط اعتراض جهات ليبية أخرى على صلة بملف الانتخابات، ومنها المفوضية العليا للانتخابات التي أبدت تحفظها على "طريقة معالجة باتيلي لمشاكل القوانين الانتخابية وحصرها في خلافات السياسيين الأساسيين دون توسيع طاولة الحوار، ولا سيما مع غياب أي تمثيل للمفوضية".

ووفق قراءته لمبادرة باتيلي، يرى الباحث السياسي عيسى همومه، أن سياق تحركات المبعوث الأممي ودعوته لا يشيران إلى تغير في خططه، موضحاً أن دعوة القادة الخمسة لا تختلف عن دعوات باتيلي السابقة لتشكيل لجنة رفيعة المستوى، ثم دعوته لإطلاق مسار تفاوضي شامل.

ويوضح همومه، لـ"العربي الجديد"، أن "طاولة الحوار ستجمع القادة الخمسة، لكن المبعوث الأممي سيعمل بالتوازي مع ممثلي القبائل والأحزاب والمجتمع المدني، وأيضاً التشكيلات المسلحة في خطوط متوازية بهدف تثبيت أي اتفاق ينتج من الحوار الجديد". وفيما يرى همومه أن الطرح الجديد "لا يختلف إلا في شكله"، ولذا "سيصطدم بالمواقف نفسها، لأن الإشكالات لم تتغير، ولجنة 6+6 لم تحدث أي تغيير"، لفت إلى أن التعقيد في طريق الانتخابات أصبح أكثر صعوبة "وأهم الصعوبات الجديدة هي التوافق حول الوضع الحكومي".

لكن في المقابل، يرى رئيس المكتب السياسي لحزب اتحاد الوفاق الليبي، مفتاح شادي، أن باتيلي لن يكرر مبادراته السابقة، موضحاً أن دعوته الجديدة "تهدف إلى تحديد موقع الخلاف وحصره في القادة الخمسة المحليين، ومثل هذا الاتجاه القوي لا يمكن أن يحدث دون دعم دولي قوي، وبيان الدول الخمس الكبرى (الخميس الماضي) دليل على ذلك". وعقب دعوة باتيلي، أعلنت بعثات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، في بيان مشترك، ترحيبها "بحرارة" بدعوة باتيلي الأطراف الرئيسية للاجتماع من أجل مناقشة القضايا السياسية التي تعرقل إجراء الانتخابات.

ويعتبر شادي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الرفض والتحفظ الحالي من مجلس النواب مؤقت، وقد تعوّدنا ذلك في عديد المناسبات، وكذلك ما تحمله حقيبة باتيلي لن يكون بمستوى آمال الدبيبة وتكالة والمنفي، فمن الواضح أن المجتمع الدولي قال كلمته بشأن إزاحة كل هذه الطبقة السياسية، وقريباً سنرى العواصم الإقليمية تنضم إلى دعم ضرورة نصب طاولة حوار تلزم الجميع بمخرجاتها".

المساهمون