تتجه الأوضاع السياسية في الصومال من سيئ إلى أسوأ، بعد بروز خلافات سياسية جديدة بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس الحكومة الفيدرالية محمد حسين روبلي، وتبادلهما التهم بـ"التقصير" وعرقلة الانتخابات.
وهو ما عكس تطوراً جديداً في انهيار الوفاق بين الرجلين، بعد أقل من شهرين على إعلانهما التوصل لاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ينهي خلافات استمرت أشهراً، بعد اختفاء ضابطة في جهاز المخابرات، في قضية أثارت جدلاً واسعاً في البلاد.
وتفاقمت الأزمة السياسية إثر إعلان الرئيس الصومالي، فجر أمس الإثنين، توقيف رئيس الوزراء وقائد القوات البحرية عبد الحميد محمد درير عن العمل، بتهمة التورط في ملفات فساد واستغلال السلطة في نهب أراضي تابعة للدولة، وفقاً لبيان نشره حساب الرئاسة الصومالية في موقع "فيسبوك".
وأوضح البيان أن أعضاء الحكومة الصومالية سيؤدون واجباتهم، وفقاً للقوانين ودستور البلاد، داعياً في الوقت نفسه مسؤولي المؤسسات الرسمية إلى تجنب سوء استغلال السلطة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يمس بالممتلكات العامة، واحترام القوانين واللوائح الدستورية. واتهمت رئاسة الوزراء فرماجو بمحاولة السيطرة على مكتبها "بقوة السلاح".
كما قال نائب وزير الإعلام عبد الرحمن يوسف عمر، إن انتشار قوات الأمن حول مكتب روبلي لن يمنعه من أداء مهامه، مشيراً في منشور له على موقع "فيسبوك" إلى أن "ما جرى هو انقلاب غير مباشر لكنه لن ينتصر (فرماجو)".
وكان رئيس الوزراء الصومالي، قد أجرى تعديلاً وزارياً، أول من أمس الأحد، شمل تبادل حقيبتي العدالة والدفاع. وذكر مكتب رئيس الوزراء في بيان، أن روبلي عيّن عبد القادر محمد نور، الذي كان يشغل منصب وزير العدل، وزيراً للدفاع، فيما أسند حقيبة العدالة إلى حسن حسين حاج، الذي كان يتولى حقيبة الدفاع. كما أمر أمس، جميع قوات الأمن بتلقي الأوامر منه مباشرة.
الخلافات حول الانتخابات الصومالية
ويأتي ذلك التطور كتصعيد لأزمة الخلافات السياسية حول الانتخابات والتي تدور رحاها بين كبار مسؤولي الدولة، بعد أن اتهم روبلي رئيس البلاد بعرقلة سير عملية تنظيم الانتخابات البرلمانية، والسعي للعودة إلى الحكم من جديد عبر تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية مزوّرة، فضلاً عن محاولات الرئيس الصومالي وضع عراقيل أمام اللجان الانتخابية الفيدرالية، لإفشال جهود الحكومة الرامية لتنظيم انتخابات عادلة ونزيهة.
ويحذر خبراء أمنيون من أن يتطور النزاع السياسي في البلاد إلى أزمة أمنية بين القوات الصومالية في العاصمة مقديشو، في حال استمرار الخلافات السياسية واللجوء إلى لغة الرصاص لتسوية النزاع، بدلاً من الحوار والمفاوضات.
وهو ما ينذر بدخول فصائل مسلحة إلى العاصمة، في تهديد أمني يمكن أن ينال من المكاسب الأمنية والاقتصادية التي حققتها البلاد في الفترة الأخيرة، هذا إلى جانب تأثيراتها المزدوجة على مستقبل تنظيم الانتخابات وإجرائها في العام المقبل.
واتهم اتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية، أول من أمس الأحد، في مؤتمر صحافي له بمقديشو الرئيس الصومالي المنتهية ولايته بعرقلة الانتخابات، وأن قراراته الأخيرة غير حكيمة، ولا تخدم مصلحة البلاد، بل تدفعها نحو الهاوية. واعتبر الاتحاد أن المصلحة تقتضي دعم جهود رئيس الحكومة الفيدرالية في تصحيح مسار الانتخابات عبر مؤتمر تشاوري حول الانتخابات.
توقعات بحصول تنازلات بين الطرفين إذا نجحت الوساطة المحلية أو الدولية لفض النزاع
ويرى قانونيون أن رئيس البلاد لا يحق له إصدار قرارات من شأنها تعليق عمل رئيس الحكومة الفيدرالية، وأن البرلمان المكون من 275 عضواً يحق له فقط سحب الثقة من رئيس الوزراء الصومالي، في حال اكتمل النصاب القانوني (50+1)، بعد تقديم مشروع طرده أكثر من 20 نائباً في البرلمان.
وهذه الطريقة القانونية الوحيدة التي يمكن أن تعطل عمل رئيس الحكومة، فيما لا تتضمن صلاحيات رئيس الجمهورية بنوداً يمكن من خلالها توقيف عمله، كما أن مدة صلاحيات رئيس البلاد تقتصر فقط على فترة رئاسته وهي أربع سنوات، وهي التي انقضت في فبراير/شباط الماضي.
وفي السياق، قال المحامي الصومالي محمود محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأزمة الحالية بين الرئيسين (رئيس الحكومة ورئيس البلاد) منبعها سياسي بالدرجة الأولى، وهو صراع بين الطبقات العليا في النظام.
وأشار إلى أن مهام التشكيلة الحكومية راهناً هي مجرد حكومة تصريف الأعمال، لأن فترة عمل الحكومة انتهى مع انتهاء فترة البرلمان والرئاسية مطلع العام الحالي، لكن حتى تتوفر حكومة بديلة وبرلمان ورئيس منتخبان، تبقى مهمة الحكومة الفيدرالية برئاسة رئيس الوزراء، قيادة المؤسسات الرسمية في البلاد.
ولفت محمد إلى أن الدستور الصومالي يمنح صلاحيات أوسع لرئيس الحكومة في مقابل صلاحيات رئيس البلاد، إذ لا يستطيع رئيس الجمهورية إقالة عضو من الحكومة، ما لم يتلق مقترحاً أو موافقة من رئيس الوزراء، ناهيك عن توقيف عمل رئيس الحكومة.
وتحصل هذه التطورات في ظل غياب دور المحكمة الدستورية لفض النزاع والخلافات بين القيادات السياسية في البلاد، سواء بين الرئيسين، أو لجهة فصل الخلافات بين المركز والأطراف، والنزاعات التي تنشب أحياناً بين الولايات الفيدرالية، خصوصاً في توزيع الثروات وتقاسم موارد الدولة.
اختلاف الرؤى حول آلية إجراء الانتخابات الصومالية
من جهته، قال مدير تحرير موقع "مقديشو برس" عبد القادر عثمان، إن الخلافات بين الرجلين سببها اختلاف الرؤى في آلية إجراء الانتخابات، خصوصاً عقب الخطوات الأخيرة التي تبناها رئيس الحكومة الفيدرالية الأسبوع الماضي، والتي تمثلت في إقالة أعضاء في لجنة الانتخابات الفيدرالية بتهمة فقدانها الثقة والانخراط في السياسة.
وأشار عثمان في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن هذه الخلافات الجديدة ستؤثر سلباً على العملية الانتخابية بالبلاد، كما أنها تعمق الانقسام السياسي بين رؤساء الولايات الفيدرالية بين مؤيد لرئيس الحكومة أو متحالف مع رئيس الجمهورية.
وأضاف عثمان أن هناك تصعيداً مستمراً من قبل روبلي، وذلك بعد اتخاذه سلسلة قرارات صارمة بحق أعضاء اللجنة الفيدرالية المنظمة للانتخابات، إلى جانب إجرائه تعديلاً وزارياً جزئياً بين وزارتي العدل والدفاع. وهو ما يفتح الباب لقرارات أخرى في الأيام المقبلة، ما لم يكن هناك تدخل دولي أو إقليمي لوضع حدٍ للخلافات بين رؤساء السلطات التنفيذية في البلاد.
وتوقع عثمان أن تكون هناك تنازلات بين الطرفين إذا نجحت الوساطة المحلية أو الدولية لفض النزاع بين الرجلين، وذلك حرصاً على إجراء انتخابات برلمانية، ويمكن أن تأتي هذه الوساطة من أطراف عربية والدول الصديقة مع الصومال، لرأب الصدع بين الرئيسين في نهاية المطاف.
وفي هذا السياق، قال مدير مركز المستقبل للحوار والدراسات (مركز صومالي) آدم حسين في حديث مع "العربي الجديد"، إن الخلافات السياسية بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء من المتوقع أن تولِّد حركة استقطابات حادة داخل الحكومة، إذا استمر الوضع على هذا المنوال. ورأى أن رئيس الجمهورية يحاول استخدام كل أوراقه لكسر شوكة رئيس الوزراء.
مخاوف من تمدّد الأزمة إلى صفوف القوى الأمنية الصومالية
وأشار حسين إلى أن الأزمة ربما ستمتد فصولها إلى الأجهزة الأمنية في البلاد (الشرطة والجيش)، لكن من الضروري ألا تستعجل هذه الأجهزة التدخل بالخلافات السياسية، فكلما كانت محايدة ومنحازة للشرعية التي أساسها تشجيع الانتقال السلس للسلطة عبر إقامة انتخابات حرة، كان ذلك لصالح بقائها وسلامتها من التدخلات والتأثر بموجة الخلافات الراهنة، التي سينجم عنها مزيد من الخلاف على الأطر المنظمة للانتخابات والمعايير المتفقة عليها.
وهو الأمر الذي من شأنه أن ينال من نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وربما سيعجل سيناريو التصدع الحكومي، ما يمكن أن يقوِّض مشروعية السلطات التنفيذية الموجودة حالياً لسد الفراغ الدستوري في البلاد.
رئيس الجمهورية يحاول استخدام كل أوراقه لكسر شوكة رئيس الوزراء
ومع التأجيل الذي رافق عملية تنظيم الانتخابات البرلمانية منذ شهر مايو/أيار الماضي برزت مخاوف من عدم إمكانية تحقيق تداول سلمي للسلطة في البلاد، وفشلت الحكومة الفيدرالية في تحقيق تقدم يذكر لدفع البلاد نحو تنظيم الانتخابات البرلمانية في موعدها (24 ديسمبر/كانون الأول الحالي).
وهو ما شكل أزمة سياسية ودستورية في البلاد، حول أهلية الحكومة في مواصلة عملها كحكومة تصريف الأعمال، وشرعية بقاء الرئيس الحالي في الحكم.
وفي السياق، قال حسين إن حلم تحقيق تحول ديمقراطي في الصومال في المرحلة الراهنة صار على المحك، لطول فترة الاستحقاق الانتخابي وحالة اللايقين التي تعيش فيها البلاد، واللافت أن السلطة الحالية لا ترغب في إقامة انتخابات نزيهة، ولهذا تلجأ تارة للتمديد وأخرى لوضع العراقيل أمام سير الانتخابات.
وحول فرص حدوث تسوية سياسية جديدة لإنهاء النزاع بين الرئيسين، رأى أن الرئاسة الصومالية إذا بادرت بتخفيض التصعيد، وحاولت قبول مقترحات رئاسة الحكومة، ربما ستتجه الأمور نحو التسوية والتفاهمات.
لكن إذا استمرت على منحى التصعيد، لن تكون الأمور لصالح رئيس البلاد، بدليل أن المجتمع المحلي وغالبية رؤساء الولايات قد أبدوا دعمهم لمبادرة رئيس الوزراء في تصحيح مسار الانتخابات ومعالجة الخروقات الانتخابية، ففرص التسوية ما زالت متاحة ولكنها تتضاءل، خصوصاً كلما تقدمنا نحو الأمام، ما لم يكن هنالك إطار مشترك ومنطلقات موحدة لردم الفجوة بين الرئيس ورئيس حكومته.
من جهتها، حثّت السفارة الأميركية في مقديشو، في تغريدة على "تويتر" قادة الصومال على "اتخاذ خطوات فورية لنزع فتيل التوترات في العاصمة والامتناع عن الأعمال الاستفزازية وتجنب العنف".
بدورها، كتبت السفيرة البريطانية لدى مقديشو، كيت فوستر، تغريدة عبر "تويتر" دعت فيها "قادة الصومال إلى اتخاذ خطوات فورية لنزع فتيل التوترات في العاصمة، لأن العنف غير مقبول".