تتشابه المطالب التي رفعها الحراك المدني والأحزاب الناشئة إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي، إلى حدٍّ كبير مع مطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، التي تتلخص بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة مع منع القوى السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة من المشاركة فيها، إلا أن معظم بوادر التحالف بين الطرفين تبدو بعيدة، جرّاء الخلاف الكبير بين المتظاهرين المدنيين والتيار الصدري، فضلاً عن المخاوف من احتمال تراجع الصدر عن مواقفه الحالية، كما يقول ناشطون.
وتتواصل اعتصامات الصدريين للأسبوع الثالث على التوالي، وسط تزايد الدعم العشائري والشعبي، الذي حجّم من فرص "الإطار التنسيقي" القريب من إيران، في تشكيل الحكومة الجديدة، ما دفعه إلى استخدام ورقة الشارع، التي قد تكون الورقة الأخيرة في هذه الأزمة، حيث عمل أنصار "الإطار" على نصب خيمهم، وتوفير كل مستلزمات الاعتصام، الذي قد يستمر إلى وقت غير معلوم، فيما انسحب المتظاهرون المدنيون من ساحة الفردوس في بغداد، بعد ساعات من تظاهراتٍ رفع فيها المحتجون صور قتلى "احتجاجات تشرين"، مساء أمس الأول الجمعة.
وقالت القوى المدنية، في بيان عقب التظاهرة، إن "هذا النظام برمته بحاجةٍ ماسّة إلى إصلاحاتٍ حقيقيّة، لكنّ أحداً من القوى المُتنفذة لم يستجب، وإنّ المحاصصة والتجاوز على الدستور وخرق القوانين والاصطفاف الطائفي والعنصري سيؤدي إلى انهيار البلد على كل المستويات، وسيَلِدُ صراعاتٍ تتفاقم بين القوى السياسية الذي بدوره سينعكس سلباً على حياة المواطن".
وأكدت القوى المدنية، قائلة: "لسنا مع طرفٍ ضدّ طرف، ونُحَمّلُ كلّ القوى السياسيّة المُهيمنة على السلطة من كل المكونات دون أيّ استثناء، نُحمّلها المسؤوليةَ الكاملة عمّا جرى ويجري، لترضخَ لإرادة الشعب في التغيير، وأن تُقدمَ فاسديها ومتهميها إلى القضاء، فهذه فرصتها الأخيرة في النجاة".
في السياق، قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إن "مطالب قوى التغيير، ربما تتشابه مع مطالب التيار الصدري، وقد تنضم قوى سياسية أخرى لرفع هذه المطالب، لكن في الحقيقة التيارات المدنية والوطنية كانت قد رفعت هذه المطالب أول مرة في انتفاضة (تشرين)، حين طالبت بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لكن الأحزاب المتنفذة جميعها حرفت هذه المطالب عن مسارها الوطني".
وأكد في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "التحالف مع التيارات أو الأحزاب السياسية المتنفذة غير ممكن في الوقت الحالي، لكن أبوابنا مفتوحة لمد جسور التواصل مع بقية الحركات المدنية والشعبية الوطنية"، مؤكداً أن "البرلمان الذي أوجدته الانتخابات الأخيرة، لا يمثل العراقيين، لذلك نعمل حالياً على تصحيح المسار السياسي من خلال توحيد القوى المدنية والوطنية".
من جهته، أشار رئيس حراك البيت العراقي، محيي الأنصاري، إلى أن "القوى السياسية التقليدية تستخدم معظم شعارات القوى المدنية لتكسب بها خطاباً جماهيرياً يناغم حاجة الشارع، بالتالي فإن التيارات الدينية والسياسية هي التي استخدمت مطالب المدنيين وليس العكس، وبالتالي فإن مطالبنا بإجراء انتخابات مبكرة مطلب مدني قبل أن تكون مطلباً صدرياً". وبشأن التحالف مع الصدريين، بيَّن الأنصاري لـ"العربي الجديد"، أنه "قد ينتج في مراحل متقدمة تحالف، وهذا الأمر غير مستبعد".
من جانبه، عضو التيار الصدري عصام حسين، لفت قائلاً: "هناك دعم كبير من قبل القوى المدنية والسياسية الجديدة، والناشطين والمتظاهرين سواء من الحركات الشعبية أو التشرينيين، لكن لم يحدث أن جرى الحديث بخصوص التوصل إلى تحالف حقيقي، والمعروف عن الصدر أنه يحتوي دائماً القوى المدنية، وقد حدث بالفعل في الأعوام السابقة، لكن حدثت بعض المشاكل، بالتالي إن عودة التحالفات عائدة إلى القوى المدنية، وإن أبواب الصدر والحنانة (بلدة في النجف) مفتوحة".
وأكمل حسين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "تظاهرات التيار الصدري لن تتراجع حتى تحقيق المطالب، ونحن نثق بالقوى المدنية التي تطالب بنفس ما يطالب به الصدريون، لذلك من المفترض أن تستغل القوى المدنية والناشطين وجود الصدريين الحالي من أجل زيادة الزخم والاستمرار من أجل التغيير"، معتبراً أن "تظاهرات قوى الإطار التنسيقي قد تتراجع في أي لحظة، لأنها لا تنطلق من روح جماهيرية، بل من إرادة سياسية لقوى سياسية متهمة بالفساد".
بدوره، رأى الناشط السياسي أيهم رشاد، أن "القوى المدنية التي اجتمعت تحت مسمى "قوى التغيير" لم تناقش في كل اجتماعاتها فرص التحالف مع الصدريين، لأسباب منها عدم الثقة بالصدر من جهة، وعدم توحد الأحزاب المدنية لحد الآن، وما يجري الحديث عنه بخصوص التحالف المدني، هو شبه تحالف، بالتالي فإن التيار الصدري لا يستطيع التعامل مع هذه الجهات التي لم تتفق على أي شيء لحد الآن عدا المطالب".
واستكمل رشاد، حديثه مع "العربي الجديد"، قائلاً: "هناك حديث يجري بين القوى المدنية والحركات السياسية الجديدة، عن اللجوء إلى الاعتصام في ساحة الفردوس ببغداد، بعد مناقشة هذا الأمر مع المتظاهرين في الناصرية والبصرة والكوت وبابل"، مؤكداً أن "لجوء المدنيين إلى الاعتصام سيؤدي إلى انسداد سياسي جديد، قد يعمق الأزمة، لأن هدفه سيكون منع الإطار التنسيقي والتيار الصدري من مواصلة تسخير الشارع للمشاريع الحزبية والشخصية".
يجري ذلك في وقت وصل فيه التأزم السياسي بالعراق إلى حد اللاعودة واللاحل، بعد أن حدد زعيم التيار الصدري مهلة للسلطة القضائية، حتى نهاية الأسبوع الجاري، لاتخاذ قرار بحل البرلمان، ملوّحاً بـ"إجراءات أخرى" بخلاف ذلك، وهو ما يقطع الطريق بشكل نهائي أمام "الإطار التنسيقي" الذي يعد نفسه "الكتلة الكبرى" برلمانياً، ويأمل تشكيل الحكومة الجديدة.