الأزمة السودانية... تعدد أسباب تعثّر مسار جدة

23 ابريل 2024
لاجئون سودانيون في مخيم بتشاد، إبريل الحالي (جوريس بولومي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- كان من المقرر استئناف المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السعودية لإنهاء النزاع، لكن تأخر الإعلان عن استئنافها يعكس صعوبات المسار، مع تأكيد أمريكي على استضافة السعودية لجولة جديدة قريبًا.
- الحكومة السودانية ومجلس السيادة الانتقالي يرفضان دور الإمارات كوسيط بسبب دعمها للمتمردين، بينما تنفي الإمارات الاتهامات، مما يعقد الوساطة الإقليمية.
- مصر ترحب بجهود الوساطة لوقف إطلاق النار وتؤكد على ضرورة استبعاد وسطاء يدعمون عسكريًا الأطراف المتحاربة، في ظل تناقض مواقف الدول الثلاث (مصر، السعودية، والإمارات) حول الأزمة.

بعدما كان المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو قد أعلن أن بلاده تتطلع لاستئناف المفاوضات السودانية في السعودية في 18 إبريل/نيسان الحالي، فإن هذا اليوم انقضى من دون أن يعلن رسمياً عن عودة طرفي الصراع (الجيش وقوات الدعم السريع) إلى منبر جدة، قبل أن تعود الخارجية الأميركية لتعلن الأسبوع الماضي أن السعودية ستستضيف "خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة" مفاوضات جديدة لوضع حد للنزاع في السودان. وتعكس المهلة المفتوحة التي وضعتها الخارجية الأميركية لاحتمال عودة المفاوضات حجم الصعوبات التي تفضي إلى تعثّر هذا المسار.

وفي السياق، تحدث دبلوماسي سوداني بارز في بعثة بلاده في الأمم المتحدة، لـ"العربي الجديد" عن أسباب تعطّل استئناف اجتماعات منبر جدة، لكنه طلب عدم ذكر اسمه. ووفقاً للدبلوماسي نفسه فإنّ "الحكومة السودانية ومجلس السيادة الانتقالي تمسكا بعدم وجود أي دور لدولة الإمارات كوسيط، وذلك بعدما بدا أن هناك اتجاهاً لإشراك أطراف إقليمية في المحادثات، بعضها متورط في دعم المتمردين"، على حد وصفه. وبرأيه فإنه "ليس من المنطقي أن توجَد الإمارات على طاولة تفاوض كوسيط، ونحن قد تقدمنا بطلب لمجلس الأمن الدولي، لإدانتها وتسميتها كطرف مسؤول عن استمرار الأزمة بسبب دعمها المتواصل للمتمردين".

دبلوماسي سوداني: الحكومة السودانية ومجلس السيادة الانتقالي تمسكا بعدم وجود أي دور لدولة الإمارات كوسيط

وحصلت "العربي الجديد" على نسخة من بيان السودان للرد على إحاطة مجلس الأمن، في 19 إبريل/نيسان الحالي، والذي جاء في 13 صفحة. واستعرض البيان الذي قدمه مندوب الخرطوم لدى مجلس الأمن السفير إدريس الحارث ما سمّاه "الوضعية بعد مرور عام"، قائلاً إن "ما كان كل ذلك ليحدث لولا أن دولة الإمارات، الراعي الإقليمي لخطة العدوان المسلح، استمرت في تقديم الدعم العسكري واللوجستي، لدعم التمرد وحلفائه من المليشيات، بجانب الإسناد السياسي والإعلامي والدعائي". وأشار البيان السوداني إلى شكوى تقدّمت بها الخرطوم أخيراً ضد دولة الإمارات، معززة بتقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المنبثقة عن القرار 1951 (2005). ودعا البيان إلى "دعم منبر جدة"، بوصفه "الوحيد الأمثل، مقارنة بغيره من المنابر"، مشدداً على "التمسك بالتعهدات التي تم التوصل إليها في منبر جدة في الحادي عشر من مايو/أيار 2023".

في المقابل، رفضت الإمارات في رسالة لمجلس الأمن الدولي، نُشرت أمس على حساب البعثة على منصة إكس، ما سمّتها "الادعاءات التي أدلى بها المندوب الدائم للسودان، والتي لا أساس لها من الصحة"، قائلة إن كافة "الادعاءات حول تورط الإمارات في أي شكل من أشكال العدوان أو زعزعة الاستقرار في السودان، أو تقديمها لأي دعم عسكري أو لوجستي أو مالي أو سياسي لأي فصيل في السودان، هي ادعاءات زائفة وتفتقر إلى أي أدلة موثوق بها لدعمها".

من جهته، قال مصدر دبلوماسي مصري سابق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن بلاده "ترحب بأي مسعى للوساطة يؤدي إلى وقف إطلاق النار في السودان، وإنهاء الأزمة بما يضمن سيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان، لكنها لا تقبل بإشراك وسطاء يقدمون الدعم العسكري للأطراف المتحاربة". وأضاف المصدر أن القاهرة "تتفهم موقف المجلس السيادي الانتقالي الحاكم في السودان، وتحفّظه على إشراك أي طرف قدّم الدعم لمليشيات الدعم السريع". وقال المصدر إنه "بخصوص مساعي الوساطة التي تقوم بها السعودية والولايات المتحدة، فإن الأخيرة حاولت الضغط في الأيام القليلة الماضية من أجل العودة إلى مسار جدة، لكن هناك بعض الصعوبات التي تواجه ذلك، أبرزها تحفّظ الحكومة السودانية على عدم التزام الطرف الآخر بمخرجات الجولة الأولى من منبر جدة"، مضيفاً أن "القاهرة على تنسيق كامل مع الحكومة السودانية".

في موازاة ذلك، قال مصدر مصري رفيع المستوى لـ"العربي الجديد" إن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان "قد يزور مصر قريباً لمتابعة ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل شهر في القاهرة"، لافتاً إلى أن "قرار العودة إلى مفاوضات السعودية من جانب البرهان، لم يتم حسمه بعد".

وفي السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مواقف الدول الثلاث (مصر والسعودية والإمارات)، من الأزمة السودانية، متناقضة، ولولا دخول هذه الدول على خط الأزمة، لكان من الممكن أن تخمد الفتنة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)". وأضاف الأشعل: "لا أتوقع مطلقاً من مصر ولا السعودية ولا الإمارات أن تحل المشكلة، على الرغم من أن الضرر واقع أساساً على مصر، المكتوية بأزمات السودان وليبيا وسورية وفلسطين، ويبدو أن الإدارة المصرية لا تشعر بحجم الخطر وحزام الأزمات الذي يحيط بها".

وحول مسار المفاوضات الخاصة بالأزمة، قال السفير السوداني السابق في واشنطن الخضر هارون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تعويل الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع يبدو أنه ينصبّ فقط على الحسم الميداني العسكري، وما سوى ذلك من تحركات تُستخدم من قبل الطرفين لتحقيق ذلك الحسم، بإعطاء الانطباع بأن الطرفين يرغبان في التسوية واستغلال انتظار الجهات الداعمة والمنظمة للمفاوضات للنتائج طالما أن جلسات التفاوض قائمة، في وقت إن انعقادها مجرد فرصة للمتحاربين لالتقاط الأنفاس وجلب العتاد العسكري والمرتزقة بالنسبة للمليشيات".

هارون: يبدو أن تعويل الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع ينصبّ فقط على الحسم الميداني العسكري

وأوضح الدبلوماسي السوداني أن "زيارات البرهان إلى الرياض والقاهرة تتيح له التوضيح للبلدين بأن الوقائع على الأرض، وما أصاب المواطنين من تنكيل من قبل المليشيا (الدعم السريع)، تجعل الإبقاء على صيغة الاتفاق الإطاري القائمة أمراً مستحيلاً". ولفت إلى أن "إقناع مصر والسعودية يعد خطوة لإقناع الأميركيين، وربما يساعد مسعاه في إقناع الدولتين بأن الجيش السوداني محترف ويتحرك بمقتضى مسؤولياته الوطنية في الحفاظ على كيان الدولة، وأنه ليس مطية للإسلاميين إلى الحكم، فضلاً عن أن التأكيد على منبر جدة كمنبر وحيد للتفاوض يبعد فرصة أن يؤول الملف إلى الاتحاد الأفريقي وإيغاد، وهما جهتان لم تعودا تحظيان بثقة السودان". وتابع: "كما أن التأكيد على منبر جدة فيه اعتراف بدور السعودية في الحل، بحكم ثقلها الإقليمي". وشدد على أن "العودة لمنبر جدة تُعد فرصة لمصر من أجل دعمه، وهي التي تحتضن مئات الآلاف من السودانيين، وتحقيق مخرجاته يشجع اللاجئين السودانيين على العودة إلى وطنهم واستئناف حياتهم هناك".

لكن الكاتب والأكاديمي السوداني محمد خليفة رأى أن "السعودية ظلت مواقفها ضبابية، وتضع الجيش في كفة واحدة مع الدعم السريع"، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد" إن "هذا أمر يضر بمنبر جدة، وقد يجعل مستقبله غامضاً، كما هو الآن، ما لم تحدث تغييرات هيكلية في المنبر، وتأكيدات بأنه يصل إلى حلول واقعية، لأن ما توصل إليه منبر جدة في السابق لم يتم تنفيذه، فلماذا العودة إليه؟". ولا يتوقع أن يزور البرهان السعودية قريباً، "لأن زياراته السابقة لم تكن إلى الرياض بل كانت إلى عدد من الدول التي يرى أنها مهمة للسودان في تلك المرحلة، ولم تكن السعودية واحدة منها"، مضيفاً أن "منبر جدة في غرفة الإنعاش". وأشار خليفة إلى أن "أولوية البرهان الآن، وحسب التصريحات الأخيرة، هي حسم المعركة مع قوات الدعم السريع وإنهاء وجودها في السودان، وبعد ذلك يكون هناك حديث عن التفاوض".

وأضاف خليفة أن "ميزان القوة على الأرض يسير لصالح الجيش السوداني، ولذلك، ربما لن يلجأ قائده عبد الفتاح البرهان إلى منبر جدة في الوقت الحالي، وسيحتكم إلى السلاح وسيذهب إلى الدول التي تدعم السودان لتقوية ترسانته العسكرية حتى يحسم المعركة مع الدعم السريع". وبرأيه، فإن "السعودية تمتلك من القدرة على أن تضغط على قوات الدعم السريع وداعميها لتنفيذ مخرجات جدة".

المساهمون