الأردن... استهداف أبعد من المخدرات

27 مايو 2022
جنديان أردنيان خلال دورية على حدود سورية (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

تزايد قلق الأردن أخيراً من وصول مليشيات إيران إلى حدوده الشمالية مع الجنوب السوري. ويبدو أن مخاوف عمّان ليست فقط لإصرار البعض على تحويل الدولة الأردنية إلى معبر ومستقر للمخدرات. فالنفي الرسمي من قبل النظام السوري لوجود كارتيلات تصنيع الكبتاغون وتصديره، تكذبه تقارير أمنية غربية متخصصة، ومصادرة شحنات ضخمة، عربياً وأوروبياً. فتلك لم تعد مجرد أعمال مهربين يحشون الفاكهة بالمخدرات نحو الخليج وغيره، بل إن كارتيلات التصنيع، بات ارتباطها بنظام دمشق، الذي يعيش على أوكسجين إيراني-روسي، وعجز رسمي عربي، أعمق من مجرد تخمين وتكهن، على الأقل منذ 2018.

المعضلة الأردنية غير منفصلة عن معضلة دول عربية أخرى، راقبت ثبات توسّع مليشيات إيران، حتى بعد المراهنة على تدخّل روسيا منذ 2015. 

فمنذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، لم يكن التدخل الإيراني سرياً، وعلى الرغم من ذلك بقيت السياسات العربية تتغاضى، وتقرأ ثورة السوريين باعتبارها "الأخطر". والنتائج باتت واضحة، وتتجه نحو كوارث أخرى في قلب المجتمعات العربية.

فعودة المراهنة الأردنية على روسيا هي السياسة ذاتها التي انتُهجت من البعض الخليجي، على أمل تقليم أظافر الحرس الثوري الإيراني في سورية. مع العلم أن ما قدمته سياسة موسكو، بالتعاون الوثيق مع أذرع طهران، أنتج الوقائع الكارثية، بتغيير ديمغرافي-طائفي، واستغلال بشع لفقر البشر وجوعهم، بعد تدمير المدن ومقومات البقاء، وتعزيز وجود منظومة حكم مهلل وتابع للطرفين، بإذلال ومهانة.

عوض مواجهة العرب للعبث الإيراني بدم ومستقبل السوريين، وغيرهم في المنطقة، توهّم البعض بصيغة "إعادة تأهيل بشار الأسد". وبدل المراهنة على الشعب السوري، أنتجت سياسة العداء لمطالب التغيير والحرية هذا الواقع المأساوي، الذي تأسس على سياسة الهمس والخشية من ارتفاع الصوت السياسي والدبلوماسي، بحجة عدم الوقوع في محظورات التوصيف الطائفي، على الرغم من أن من أطلق شعار السيطرة على عواصم عربية لم يخجل من إعلانه ومن طبيعة القوى المسيطرة.

الوقائع تتحدث عن نفسها، من صنعاء إلى بغداد ودمشق وبيروت. فاستمرار السماح بالعبث يُبشّر للأسف بمزيد من كوارث تفكيك الدول إلى كيانات تابعة، وليس من خلال "مشروع كونداليزا رايس" (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة)، بل بانتشار أذرع طهران لزرع الفوضى عبر الحدود العربية.

ببساطة، ما يكشف عنه الأردن اليوم، والبعض في الخليج العربي، اكتشفه بسطاء السوريين والعراقيين منذ سنوات طويلة. والتعويل على عوامل خارجية للتغيير يعني تأجيل مواجهة الحقائق، الأشد وطأة مستقبلاً.

المساهمون