يتوجه أكثر من 35 مليون أرجنتيني، اليوم الأحد، مرة جديدة، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس البلاد المقبل، في دورة ثانية من الانتخابات الرئاسية تشهد منافسة حادة بين مرشح الكتلة الحكومية وزير الاقتصاد سيرجيو ماسا، والخبير الاقتصادي الليبرالي خافيير ميلي (تحالف الحرية تتقدم)، الذي يتصدر نتائج استطلاعات الرأي. ورغم أن ميلي كان متصدراً أيضاً لنتائج الاستطلاعات قبل الدورة الأولى من الانتخابات، التي أجريت في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن ماسا تقدم عليه بشكل مفاجئ من دون تمكنه من انتزاع الرئاسة، ما استوجب جولة الإعادة المقررة اليوم، والتي ستلعب عوامل عدة دورها فيها لحسم السباق، وعلى رأسها الاقتصاد.
وإذ يصعب التكهن بهوية الفائز مبكراً، إلا أن الجدل الذي رافق ترشح ميلي، الذي يشبّهه كثيرون بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، لجهة خطابه الشعبوي، وانتقاده الحاد للمنظومة البيرونية الحاكمة منذ عقود (نسبة إلى مدرسة الرئيس الأسبق الراحل خوان بيرون)، قد يستمر إلى ما بعد جولة الإعادة، لا سيما إذا ما خسر السباق، وسط تنامي الأصوات داخل المعسكر المؤيد له التي ترى حصول تزوير في الدورة الأولى.
انتخابات الأرجنتين: أولوية الناخبين إنقاذ الاقتصاد
وبكل الأحوال، فإن الأرجنتينيين سيصوتون اليوم، وعلى رأس أولوياتهم اختيار الشخصية المناسبة لإنقاذ اقتصاد البلاد المتراجع بحدة، في الدولة التي تعدّ ثالث اقتصادات أميركا اللاتينية، ولكن تعاني من ارتفاع معدل الفقر فيها، وارتفاع نسبة التضخم إلى حدود 143 في المائة خلال عام، وهي واحدة من أعلى معدلات التضخم في العالم حالياً، فيما قيمة العملة الوطنية (بيزو) مستمرة في الانخفاض. كذلك، تكافح الأرجنتين من أجل سداد قرض بقيمة 44 مليار دولار حصلت عليه في عام 2018 من صندوق النقد الدولي بسبب التراجع الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي.
دعا ميلي إلى دولرة الاقتصاد ونسف البنك المركزي
ويرى المعارضون لوزير الاقتصاد في حكومة الرئيس المنتهية ولايته وغير الشعبي، ألبرتو فرنانديس، إن سياسة ماسا ستكون امتداداً لمعالجاته التقليدية السابقة للأزمة، والتي أثبتت فشلها، فيما يعتبر مؤيدوه أنه أكثر ضمانة من منافسه، الجديد على عالم السياسة والذي يناصب الطبقة السياسية العداء، والداعي أيضاً بصفته اقتصادياً ليبرالياً إلى دولرة الاقتصاد و"نسف البنك المركزي".
فضلاً عن ذلك، فإن 3 كتلات انتخابية قد تحسم المعركة اليوم لصالح أحد المرشحين، إذا ما كانت النتائج متقاربة، لتشكل واحدة منها أو أكثر بيضة القبان الانتخابية. فمن جهة، أعلنت مرشحة يمين الوسط التي حلّت ثالثة في الدورة الأولى باتريسيا بولريتش دعمها لميلي، بعدما حصلت على 24 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى، وكذلك فعل الرئيس السابق موريسيو ماكري. وتحفظت بولريتش رغم هذا الدعم على مسألة استبدال البيزو بالدولار، وقد يكسب منها ميلي جزءاً من أصوات الطبقة الوسطى، ولكن ليس كلّها.
في المقابل، من الممكن أن يكون خوان شياريتي، من ائتلاف الوسط، وهو بيروني مثل ماسا، بيضة القبان، مع حصوله على 7 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى، رغم إبداء الكثير من الانتقاد لوزير الاقتصاد المنتهية ولايته، كما أن كتلة المترددين، التي تبلغ 10 في المائة، بحسب وكالة "فرانس برس" أول من أمس، قد تكون حاسمة أيضاً في تحديد النتيجة.
ويحظر القانون الأرجنتيني نشر نتائج الاستطلاعات قبل 8 أيام من الاقتراع، ولكن نتائجها الأخيرة، خلال أسبوعين قبل ذلك، أظهرت تنافساً حاداً بين المرشحين، وبعضها أعطى أفضلية بسيطة لميلي، كما كانت الحال قبل الدورة الأولى.
حملة ميلي: عداء شديد للمنظومة البيرونية
وقامت حملة ميلي طوال الوقت، بشكل رئيسي، على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعقد الأخير إلا لقاء واحداً كبيراً بين جولتَي التصويت، كان الخميس الماضي في قرطبة، ثاني كبرى مدن البلاد، خلال اختتام حملته. وقال المحلل في وحدة "إيكونومست إنتليجنس يونيت" للبحوث التابعة لمجموعة "إيكونومست" البريطانية نيكولاس سالدياس، في حديث لـ"فرانس برس"، أول من أمس، إن "الوضع يتّسم بدرجة عالية من عدم اليقين، والعديد من الناخبين سيتخذون قرارهم في اليوم الأخير أو في الساعات الأخيرة وحتى في مراكز التصويت".
يرى مراقبون أن ميلي لا يملك القوة اللازمة مثل ترامب وبولسونارو للانقلاب على نتائج الانتخابات بحال خسارته
وكان ماسا استطاع الفوز في الجولة الأولى بحصوله على 37 في المائة من الأصوات، مقابل 30 في المائة لميلي الذي شكّكت حملته بصدقية النتائج، وتحدثت عن حصول تزوير في بعض مراكز الاقتراع، من دون تقديم أي شكوى رغم ذلك. لكن ميلي خفّف، منذ انتهاء الدورة الأولى، من حدّة تصريحاته المثيرة للجدل، والتي قد تكون انقلبت ضدّه في صناديق الاقتراع، مثل معارضته الإجهاض، وقوله إنه يريد تسهيل شراء الأسلحة وبيع الأعضاء البشرية. رغم ذلك، فإن ماسا أحرج ميلي في بعض مقترحات الأخير المتطرفة خلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة بينهما.
بالإضافة إلى ذلك، رأى تقرير لوكالة "أسوشييتد برس"، نشر أمس، أن شبكة ميلي الانتخابية أضعف بكثير من الشبكة البيرونية المتجذرة التي تقف خلف منافسه، والتي تضم أطيافاً من اليمين واليسار، وظلّت القوة المهيمنة في البلاد لعقود. وينسحب ذلك على أسطول المراقبين من فريق ماسا للعملية الانتخابية، مقابل مجموعة قليلة عملت مع ميلي، لم تتمكن من تغطية كل مراكز الاقتراع في الدورة الأولى، واختفى بعضها في يوم الاقتراع.
وبحسب آنا إيباراغير، الشريكة في إدارة مركز "جي بي آي أو للاستراتيجيات"، المتخصص في إجراء الاستطلاعات، كما رأت في حديث لـ"أسوشييتد برس"، فإن ميلي ركّز قبل الانتخابات على مسألة "تحشيد الناس، ومنح قاعدته سبباً للقتال، وجعلهم يشعرون أنه يُستهزأ بهم، ولا يُلتفت إلى مطالبهم، وأن البيرونية تحاول فرض مشيئتها على كل المواطنين".
ورغم المخاوف من رفض ميلي نتائج الانتخابات إذا ما خسر أمام ماسا، فإن مراقبين يعتقدون أنه لا يملك القوة اللازمة مثل ترامب وبولسونارو، اللذين انقلبا كل على طريقته على نتائج الانتخابات الرئاسية التي لم تشهد التجديد لهما، لإحداث أي "انقلاب". وكان ميلي نفسه قد أكد الخميس أنه سيكون "ضاراً جداً" السير على خطى الرئيسين الأميركي والبرازيلي السابقين في رفض نتائج الانتخابات.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)