في تسوية جديدة بين بغداد وأربيل، قبل أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، عادت الأحزاب والقوى السياسية الكردية إلى المدن والبلدات المتنازع على إدارتها مع بغداد، بعد نحو 4 سنوات على خروجها، إثر تداعيات استفتاء الانفصال الذي نظمه إقليم كردستان العراق، في 25 سبتمبر/أيلول 2017، ردت عليه حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بحملة عسكرية ضخمة، طردت البشمركة من كركوك ومدن وبلدات أخرى حدودية مع إقليم كردستان، وفرضت كامل سلطتها عليها.
وأكدت مصادر سياسية في بغداد وأربيل عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان بزعامة مسعود البارزاني، إلى مدينة مخمور جنوب شرقي الموصل، إذ أعيد افتتاح المقر الرئيس للحزب، إلى جانب مقرين آخرين كان يتواجد فيهما، وذلك بعد أيام على عودة الأحزاب الكردية إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط شمال بغداد، وتنظيم حملات انتخابية واسعة في مناطق شمال وشرق المدينة التي تتركز فيها الأحياء الكردية.
ريبين سلام: عودة الأحزاب الكردية لا بد أن يليها تفاهم بشأن الإدارة المشتركة للمناطق المتنازع عليها
عودة القوى السياسية الكردية للعمل في المناطق المتنازع عليها، وصفها مسؤول في بغداد، بأنها تصحيح لخطأ سابق تسببت به الحكومة في بغداد وسلطات إقليم كردستان. وأكد وجود تسوية كاملة لعودة القوى الحزبية الكردية للمناطق التي يتواجد فيها عراقيون من القومية الكردية لغرض ممارسة أنشطتهم السياسية، وأن بغداد طالبت أربيل بفصل مسألة عودة البشمركة إلى تلك المناطق وعدم ربطها بعودة الأحزاب والقوى الكردية لممارسة نشاطها السياسي. وكشف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بلدات أخرى، مثل طوزخورماتو في صلاح الدين، وخانقين في ديالى، ستشهد أيضاً عودة للقوى والأحزاب السياسية الكردية، دون أن يكون لتلك العودة أي علاقة بقوات البشمركة، إذ ستظل القوات العراقية الممسك الوحيد بملف الأمن في تلك المناطق".
وبعد أيام من تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق، شمل مدينة كركوك و6 بلدات أخرى متنازع عليها في 2017، أطلقت السلطات في بغداد حملة عسكرية ضخمة بمشاركة قوات وتشكيلات مختلفة، بما فيها "الحشد الشعبي"، أدت لاستعادتها السيطرة على كركوك ومدن أخرى، وأجبرت البشمركة، بعد معارك غير متكافئة من ناحية العدد والقوة، على التراجع إلى خلف الخط الأخضر، وهي الحدود الإدارية الرسمية للإقليم، والتي كانت تتواجد فيها قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003. وبلغ مجموع مساحة المناطق التي استعادتها بغداد أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع، شملت كركوك وطوزخورماتو ومخمور وزمار وربيعة وسنجار ومناطق في سهل نينوى، وخانقين، وألتون كوبري، وبلدات أخرى. وتضم تلك المناطق ستة من أكبر حقول النفط في الجزء الشمالي من العراق، إلى جانب حقلي غاز ومصافٍ ومنشآت نفطية كبيرة كانت تسيطر عليها البشمركة.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، كرمانج عبد الله، في تصريحات صحافية، أمس الأربعاء، إن "الحزب الديمقراطي الكردستاني عاد إلى مقراته في مدينة مخمور"، دون الكشف عن أي تفاصيل أخرى.
وقال مسؤول في حكومة إقليم كردستان، مقرب من أسرة البارزاني، لـ"العربي الجديد"، إن "الحزبين التقليديين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) يتواجدان حالياً في المدن الرئيسية التي انسحبا منها في 2017، وهناك أحزاب أخرى ستعود أيضاً، مثل الجماعة الإسلامية الكردستانية وحزب التغيير". وبين أن "قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني رأت أن الوقت قد حان لعودة العمل السياسي في هذه المناطق، بعد تفاهمات حصلت بين حكومة مصطفى الكاظمي وبعض القادة السياسيين وآخرين من الحشد الشعبي على عودة مقرات الأحزاب الكردية للعمل، حيث كانت هناك اعتراضات منهم على هذه الخطوة، وخاصة قادة الفصائل الحليفة لإيران".
أحمد الشريفي: معظم القرارات الحكومية تسقط أو تذوب مع الحاجات السياسية في كل مرحلة
أما عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام فأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "عودة الأحزاب الكردية للمناطق المتنازع عليها لا بد أن تليها عودة التفاهم بشأن الإدارة المشتركة لتلك المناطق، وفتح باب الحوار بهذا الخصوص بين أربيل وبغداد، وعودة التنسيق على المستويات السياسية والعسكرية، خصوصاً أن معظم هذه المناطق تشهد توتراً أمنياً، بفعل الهجمات التي يشنها تنظيم داعش".
لكن عضو ائتلاف "دولة القانون" محمد الصيهود تحفظ، في حديث مع "العربي الجديد"، على هذه العودة، معتبراً أنها قد تمهد لإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل 2017 من سيطرة كردية كاملة عليها. وقال: "من المفترض أن تتدارك الحكومة العراقية (هذا الأمر)، وتمنع هذا التوجه الذي لا تقبل به معظم الأحزاب والكيانات السياسية العراقية. ونخشى أن تكون هناك فعلاً تفاهمات بين أربيل وبغداد من أجل تثبيت إبقاء الحكومة الحالية لولاية أخرى"، في إشارة إلى حكومة الكاظمي. وشدد على أن "القرارات الحكومية في العراق، لا سيما المدعومة برلمانياً وقانونياً، لا تسقط بالتقادم، وقد تكون عودة الأحزاب الكردية، وقبلها قوات البشمركة إلى أطراف كركوك، بداية لفرض واقع لا ينسجم مع رغبة الأهالي في تلك المناطق من جهة، ولا مع القوى السياسية الوطنية".
بدوره، لفت المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "معظم القرارات التي تتخذها الحكومات العراقية منذ العام 2005 ولغاية الآن، تسقط أو تذوب مع الحاجات السياسية في كل مرحلة. وبالتالي فإن قرارات حيدر العبادي بإبعاد البشمركة والأحزاب الكردية عن المناطق المتنازع عليها وتحويل إدارتها مباشرة إلى بغداد، قد تراجعت قبل الانتخابات المقبلة، ربما لحاجة المسؤولين في بغداد لبعض المباركات المبدئية لتعيينات هامة في الحكومة المقبلة. وبالتالي فإن التوافقات السياسية هي السائدة حتى على حساب القوانين". وأوضح أن "عودة الأحزاب الكردية يقابلها صمت في بغداد، ما يعني أن هناك اتفاقات جرت بين الجانبين".