بدأت الأحزاب السياسية في الجزائر أولى خطواتها التقنية والتنظيمية والتحضيرات الهيكلية للانتخابات الرئاسية المقررة في غضون الثلث الأخير من العام الجاري 2024.
وشرعت القوى الحزبية في تركيز هيئاتها الانتخابية وصياغة خطط الدعاية والبرامج، وتنشيط تحالفات سياسية مبكرة، قبل سبعة أشهر من الانتخابات. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو متأخرا، إلا أنه يجد تفسيراته في الطبيعة غير التنافسية التي تكتنف الانتخابات الرئاسية في الجزائر والتي تحسم مبكرا في حال وجود مرشح السلطة.
وعقدت الهيئة الوطنية الدائمة للانتخابات، التابعة لحركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية والمعارضة في البلاد، أول اجتماع لها مساء السبت الماضي، لتحضير خطتها لإدارة العملية الانتخابية مركزيا ومحليا.
وعرضت الهيئة التي يديرها رئيس الكتلة النيابية للحزب أحمد صادوق تصوراتها الأولية لخطة عملها خلال الانتخابات الرئاسية والصياغة المبكرة للبرامج تحضيرا للاستحقاق "بما يحقق أهداف الحركة المسطرة وطموحها"، بحسب بيان لها.
وتؤشر هذه الخطوة على وجود توجه لدى الحركة لمشاركة ايجابية في الانتخابات، عبر تقديم مرشح للرئاسة، للمرة الأولى منذ انتخابات عام 1995.
من جهتها، نظمت حركة البناء الوطني التي كان رئيسها عبد القادر بن قرينة قد حل ثانيا في انتخابات الرئاسة عام 2019، ندوة، الاثنين، لبحث "المناخات المختلفة للبيئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي ستجري فيها الانتخابات، وكذا بحث الرهانات الداخلية والتحديات الخارجية التي ستؤثر عليها، والسياقات القانونية في ظل دستور 2020 والتشريعات الناظمة".
وقال رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة، خلال الندوة، إن "الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون أول انتخابات تجرى في كنف وظروف هادئة، من دون أن يكون هناك استقطاب كبير"، مضيفا أنه سبق أن شُكّلت ورشات في أقسام الشباب والنساء داخل الحركة لمناقشة ملف الرئاسيات.
وفي نفس السياق، عقدت مجموعة أحزاب سياسية فتية، مساء السبت الماضي، لقاء مشتركا ضم قيادات التحالف الوطني الجمهوري، وحزب التجديد والتنمية والاتحاد من أجل التجمع الوطني والحزب الأخضر للتنمية والحركة الوطنية للعمال الجزائريين، تم خلاله تنصيب لجنة تنسيق ومتابعة "استعدادا للاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة"، ومناقشة إمكانية عمل مشترك في هذا الإطار.
وقال رئيس حزب التجديد والتنمية أسير طيبي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا اللقاء خطوة لمناقشة آليات تفعيل العمل السياسي في أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة، مشيراً إلى نقاش متقدم بشأن امكانية التوافق على مرشح مشترك، قد يكون مساعد وزير الخارجية السابق المكلف بالجالية ورئيس حزب التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي.
من جانبه، أعلن حزب التحالف الجمهوري تشكيل "لجنة التفكير الاستراتيجي على مستوى قيادة الحزب"، بهدف "الشروع في إعداد تصور أوّلي للمقترحات والبدائل التي من شأنها أن تمثّل الأرضية للبرنامج الانتخابي الذي سيقدّمه أو يدعمه الحزب، مع إشراك الكفاءات والنخب داخل وخارج الحزب".
كما أعلن حزب جيل جديد (تقدمي) عن "تكليف المجلس السياسي المجلس العلمي، لإطلاق ورشة البرنامج الوطني للحزب الذي يعود تاريخه إلى عام 2021، في ضوء التطورات الأخيرة في القطاعات المختلفة"، قبيل الموعد الانتخابي المقبل.
وقبل سبعة أشهر من الانتخابات، الذي يتوجه الرئيس عبد المجيد تبون نحو الترشح فيها لولاية رئاسية ثانية، يعتبر مراقبون أن الخطوات الجديدة المعلنة من قبل الأحزاب السياسية، متأخرة قياسا بالزمن السياسي والانتخابي، لكنها مفهومة لاعتبارات تخص الطبيعة غير تنافسية للانتخابات الرئاسية في الجزائر، والتي تحسم مبكرا في حال وجود مرشح السلطة.
وقال المحلل السياسي عادل برابح في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "على الرغم من أهمية انتقال الأحزاب السياسية في الجزائر إلى مرحلة ما بعد النقاشات التمهيدية للانتخابات، والشروع في اتخاذ بعض الخطوات العملية والتنظيمية، إلا أن ذلك يبقى ضمن مرحلة النوايا السياسية، وغير كاف للسماح بتشكل ملامح خريطة المرشحين المحتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولمعرفة أطراف المشهد الانتخابي كصورة ليس أكثر"، مضيفا أن "الانتخابات الرئاسية هي انتخابات على شخصيات أكثر منها ذات إطار حزبي، ولم تظهر بعد وجوه مرشحة يمكن أن تلعب دورا تنافسيا في الرئاسيات المقبلة، وهي متأخرة عن الظهور، كما أنه وبخلاف كبرى أحزاب الموالاة التي ستدعم ترشح الرئيس تبون، فإن أحزابا أخرى على غرار جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال ما زالت في مرحلة مناقشة ظروف الانتخابات في حد ذاتها".