الأحزاب التونسية في مهبّ صراع العمالقة على طريق قرطاج

13 ديسمبر 2014
لم يستثن الصراع على الرئاسة أي حزب (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -
لا يبدو التنافس بين المرشحين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية التونسية، بعد أسبوع من الآن، مجرّد تسابق بين مرشحين اثنين أو بين حزبين، بل هو صراع بين مشروعين كبيرين، وبدأ يُلقي بظلاله على الساحة السياسية بأكملها.

ولم يستثن هذا الصراع في طريقه الى قرطاج حزباً صغيراً أو كبيراً، على اليمين واليسار أو الوسط، كما لم ينجُ من ناره الحارقة، إلاّ قليلون تسابقوا للنأي بأنفسهم وأحزابهم عن هذه المعركة السياسية العاصفة.

 وإذا كانت العديد من الأحزاب قد أجّلت مساندتها أحد الطرفين إلى ما بعد خسارة الآخر، فإنّ أحزاباً عديدة أخرى بدأت تدفع فاتورة اختلافاتها باكراً حتى قبل انعقاد الدور الثاني.

واللافت أنّ أكبر الانقسامات تشهدها أحزاب تسمى في تونس بالكبرى، وأوّلها حركة "النهضة"، التي حاولت بكل الوسائل أن تحافظ على تماسكها أمام الرأي العام، وأن تسيطر على الاختلاف الحقيقي الموجود بين قواعدها وبعض قياداتها في خصوص موقفها من دعم أحد المرشحيْن، غير أنّ استقالة حمادي الجبالي، أمينها العام السابق وأحد أبرز قياداتها التاريخيين، وما تضمنته من إشارات مباشرة الى هذه الاختلافات داخل الحركة، جاءت لتكشف عمق هذه الاختلافات ومدى تأثرها بالسباق الرئاسي.

وأعلن الجبالي عشية الخميس عن استقالته من حركة "النهضة"، بعدما كان قد أعلن عن استقالته من منصب الأمين العام منذ فترة. وجاء في بيان الاستقالة انتقاداً واضحاً لما يحصل داخل الحركة من "خيارات تسييرية وتنظيمية وسياسية"، وقال إن هناك خيارين: "إما مواصلة النضال لإنجاز حلقات هذه الثورة السلمية، وإما تخاذل واستسلام يفضي الى انتكاسة، والعودة بشعبنا الى منظومة الاستبداد والفساد".

ويتأكّد أنّ الموقف من الرئاسية هو السبب الرئيسي، الذي يقف وراء هذه الاستقالة، خصوصاً بالعودة الى بيانين سابقين للجبالي تزامناً مع انطلاق الدور الأول والثاني للانتخابات الرئاسية، أعلن فيهما بوضوح عن دعمه لترشح المرزوقي، داعياً أبناء "النهضة" إلى السير على خطاه.


ولم تكن حركة "النهضة" الوحيدة التي "اكتوت" بنار الرئاسيات، فقد وصلت شظاياها الى "الجبهة الشعبية" اليسارية، التي تضم 9 أحزاب، أبرزها "العمال" و"الوحدويون الديمقراطيون" و"الموحد" و"التيار الشعبي". وبرزت الخلافات كبيرة وسط هذه المكوّنات، بين من يدعو إلى مساندة السبسي، ومن يدعو إلى التزام الحياد. وجاء في بيانها، الذي تأجّل عدّة مرّات بسبب هذه الخلافات، التي لم تعد خافية، الدعوة الى عدم التصويت للاثنين معاً.

وأشار البيان إلى دعوة "مختلف الأحزاب الديمقراطية والتقدّمية والقوى المدنية والاجتماعية إلى الالتقاء مع (الجبهة الشعبية) حول فضاء يؤمّن قطع الطريق أمام عودة المشروع (الإخواني) الرجعي إلى الحكم، والتهيؤ منذ الآن للتصدّي لأية إمكانية لعودة الاستبداد والفساد، أو قيام أي استقطاب ثنائي يستهدف إجهاض الثورة والالتفاف على مطالب الشعب التونسي في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتقدّم". وجاء البيان، على الرغم من دعوة عدد من قيادات الوحدويين الديمقراطيين، إلى دعم السبسي.

وبالإضافة إلى "النهضة" و"الجبهة"، فقد عصفت الخلافات الرئاسية أيضاً بتيار "المحبة"، الذي يتزعمه الهاشمي الحامدي، المترشح أيضاً في الدور الأول. وأكّدت مصادر من التيار لـ"العربي الجديد" أنّ القيادات والقواعد مختلفة حول دعم أحد المرشحيْن، وهو ما جعل موقفها من الدور الثاني متردّداً ومتأرجحاً بين الحياد أو دعم أحدهما، في ضوء حديث عن خلافات قوية قد تؤدي إلى خروج بعض قياداتها من التيار وانضمامها الى أحزاب أخرى.

بموازاة ذلك، أعلن محمد بنور عن استقالته كمتحدث رسمي باسم التكتل "لأنه يرفــض التصريح بمواقف لا يتبناها"، ومن هذه المواقف عدم تبنيه لموقف الحزب من الباجي قائد السبسي، مشيراً الى أن "التكتل دخل في إئتلاف حكومي مع حركة (النهضة) رغم الصعوبات"، وأن "كلا من الجبهة الشعبية وحركة النهضة فتحا باب الحوار مع الندائيين (نداء تونس) إلا حزب التكتل".

ويأتي هذا الموقف مخالفًا لموقف الحزب، الذي أعلن صراحة أنه يقف ضد السبسي لمنع عودة الاستبداد ورموز النظام القديم، مما يعني ضمنياً دعم المرزوقي في الدور الثاني. ويتضح جلياً أن التنافس بين المرشحيْن هو في الواقع صراع بين معسكرين لا ينفع معه الهروب إلى الحياد، على الرغم من تكلفة الانضمام إلى أحدهما.