خلال كلمته عن المشير الراحل محمد حسين طنطاوي اليوم الثلاثاء عقب وفاته، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن طنطاوي بريء من كل الدماء التي أُريقت في الأحداث التي شهدت بالفعل مصادمات بين المتظاهرين والشرطة والجيش، ومنها أحداث محمد محمود وماسبيرو والمجمع العلمي وكذلك أحداث بورسعيد.
واستطرد: "والله والله وهذه شهادة مني كأحد المسؤولين، المشير طنطاوي بريء من أي دم في تلك الأحداث"، واصفاً إياها بأنها "مؤامرات لإسقاط مصر".
وألمح السيسي إلى مسؤولية الإخوان عن تلك الأحداث: "شفتوا اللي حصل للأشرار والمجرمين اللي عملوا الأحداث دي، لأن كل من هو مخلص وشريف وحريص على الناس يجب أن يطمئن، وكل من هو غير ذلك مهما كانت مهارته في التخطيط والتآمر والقتل مش هيكسب أبدا".
وحرص السيسي أيضاً على تبرئة جميع المسؤولين عن حكم مصر في ذلك الوقت أيضاً، قائلاً إنهم جميعاً ليسوا مسؤولين عن الدماء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ونقل السيسي على لسان طنطاوي أنه كان يقول "أنا ماسك بإيدي جمرة ومش قادر أسيبها"، مدعياً أنه كان يعلم مبكراً أن انتخابات الرئاسة سيفوز بها "فصيل معين"، يقصد الإخوان المسلمين، وأن طنطاوي كان متألماً بشدة لأنه سيسلم حكم مصر للإخوان "كان يقول لي بقى التاريخ يقول عني سلمتهم الحكم!".
وتبدو الفجوة شاسعة بين تصريحات السيسي والوقائع التي حدثت بالفعل وعاشها المصريون، إذ قامت سياسات طنطاوي والمجلس العسكري على التفرقة وإشعال الخلافات بين رفقاء الميدان، بداية من الزج بهم في أتون خلاف سياسي عاجل حول التعديلات الدستورية وعدم تطبيق روح تلك التعديلات بأمانة، ثم عقد اجتماعات متفرقة مع كل منهم واتبع أساليب الترغيب والترهيب والتقريب والإبعاد، والتي كان من مهندسيها تلميذه السيسي وصهره اللواء محمود حجازي، اللذان تركا مهمة الظهور الإعلامي "المهادن للثورة" لشخصيات أخرى اختفت أو تقلص دورها لاحقاً، مثل اللواء محسن الفنجري واللواء محمد العصار.
وبعد تصاعد المطالبات الشعبية بمحاكمة رموز مبارك والتهديد باستمرار الاعتصام في الميدان، في صيف عام الثورة، رضخ طنطاوي وأمر بمثول مبارك ونجليه أمام القضاء، على خلفية قضية أعدت على عجالة وبصورة مليئة بالثغرات والعيوب التي استُغلت لاحقاً لتبرئتهم، فضلاً عن تغييب طنطاوي عمداً للإرادة السياسية لمحاكمة أركان النظام على جرائمهم السياسية والاقتصادية، واستعادة أموالهم المهربة للخارج.
وعند تصاعد الحديث عن ضرورة إجراء انتخابات رئاسية، حاول طنطاوي جس نبض الشعب تجاهه، حينما ظهر للمرة الأولى مرتدياً زياً مدنياً وتجوّل في شوارع منطقة وسط البلد في 26 سبتمبر/ أيلول 2011، وهي الخطة التي قابلها شباب الثورة والسياسيون بهجوم حاد وعنيف وتصعيد المطالبة بتشكيل برلمان حر.
وخلال الأشهر اللاحقة، تلوّثت يد طنطاوي بدماء المئات من شباب الثورة في عدد من الأحداث التي شهدتها الثورة، بدءاً من موقعة ماسبيرو التي قتلت فيها قوات الجيش 27 من الأقباط المتظاهرين أمام مبنى التلفزيون في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، ثم جاءت بعد ذلك مذبحة أحداث مجلس الوزراء، ومحمد محمود الأولى، وراح ضحيتها نحو 41 من شباب الثورة على يد العسكر، ثم شهدت مدينة بورسعيد مذبحة كبيرة راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي "أولتراس أهلاوي"، ووقتها أدلى طنطاوي بتصريحه الشهير في محطة السكة الحديد "الشعب سايب دول ليه مش يتحرك" والذي اعتُبر تحريضاً على العنف الأهلي.
وفي مايو/ أيار 2012، رفع طنطاوي عصا الجيش الغليظة ضد الشباب الإسلاميين، والذين كانت قياداتهم قد وضعت أيديها في يد طنطاوي بعد الثورة قبل أن تكتشف حقيقته، إذ قتلت قوات الجيش عدداً من شباب حركة "حازمون" الذين كانوا قد نظموا اعتصاماً في محيط وزارة الدفاع للضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة، ليكون الصدام الأول بين المجلس العسكري والإسلاميين.
سياسياً؛ مارس طنطاوي كل الألعاب السياسية ليبقى المجلس العسكري قابضاً على السلطتين التنفيذية والتشريعية، فحتى بعد انتخاب مجلس الشعب جاء التهديد الصريح بحله إذا خاض الإخوان انتخابات الرئاسة، كما روى رئيس المجلس الأسبق سعد الكتاتني وغيره من المصادر، وما إن أصبح الإخوان على بعد أمتار من دخول قصر الاتحادية الرئاسي، جاءت الضربة التي هدد بها طنطاوي مزدوجة، فصدر الحكم الشهير من المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، وكان المجلس العسكري يحضر بالفعل خطوة للقفز على السلطة التشريعية ليبقى مزاحماً للإخوان في السلطة، رغم تسليمه للسلطة التنفيذية.
وأصدر طنطاوي الإعلان الدستوري سيئ السمعة في 17 يونيو/حزيران 2012 الذي يمكن وصفه بانقلاب صريح على الثورة، بتنصيب المجلس العسكري حائزاً للسلطة التشريعية، وشريكاً في التنفيذية، ورقيباً على الجمعية التأسيسية للدستور الجديد.
وقد ظهر المجلس العسكري في هذه المحطة راغباً بقوة في الاستمرار بالحكم وتكبيل سلطات رئيس الجمهورية والتضييق عليه فور انتخابه، علماً بأن المؤشرات الحقيقية في دوائر السلطة كانت تكشف بوضوح عن فوز مرسي وخسارة منافسه أحمد شفيق ممثل نظام مبارك، والذي حاول المجلس العسكري تقديم خدمات عديدة له خلال العملية الانتخابية مثل تمديد التصويت في بعض اللجان وإثارة القلاقل في دوائر ذات أغلبية مسيحية.
وبعدما أدى التحية العسكرية - على مضض وعجالة - لمرسي خلال حفل تسليم السلطة في 30 يونيو/ حزيران، والذي ازدان بلافتات تحمل عنواناً مهادناً للثورة "جيش مصر حماة الشرعية" بدأ الصدام بعدما حاول مرسي استرداد سلطة التشريع، عندما دعا مجلس الشعب المنحل للانعقاد، وهنا طفت الخلافات الحقيقية على السطح بعد أيام من الاحتفالات والخطب الودية، لتصل إلى ذروتها عندما أبلغ طنطاوي الرئيس المنتخب بصعوبة تأمينه خلال حضور جنازة جنود مجزرة رفح، ووقوف الشرطة العسكرية لتشاهد من دون تدخل بعض الأهالي وهم يهاجمون رئيس الوزراء هشام قنديل خلال الجنازة.
وساهم هذا الحدث، خاصة مع انهيار شعبية طنطاوي وزيادة الانتقادات الإعلامية والشعبية له، في اتخاذ مرسي خطوة كانت منتظرة بإصدار إعلان دستوري جديد يلغي إعلان المجلس العسكري، ويعزل طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان، ويعين السيسي الذي كان مدير المخابرات الحربية وزيراً للدفاع.