الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعتقل العشرات بعد مشاركتهم بمسيرات غاضبة على اغتيال هنية

11 اغسطس 2024
أعلام حماس خلال مسيرة منددة باغتيال إسماعيل هنية في رام الله، 31 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد الاعتقالات السياسية في نابلس**: شهدت نابلس اعتقالات سياسية مكثفة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد مسيرات احتجاجية على اغتيال إسماعيل هنية، مما يزيد التوترات في ظل استمرار العنف الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية.

- **استهداف المقاومين وملاحقتهم**: تعرض المقاوم إسماعيل عوكل لإطلاق النار من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مما أدى إلى إصابته. تأتي هذه الحادثة ضمن سلسلة ملاحقات تستهدف المقاومين لمساومتهم على تسليم أنفسهم وتفكيك العبوات الناسفة.

- **تفكيك الخلايا وإفشال عمليات المقاومة**: تمارس الأجهزة الأمنية ضغوطًا على المقاومين لتسليم أنفسهم مقابل وعود بوقف الملاحقة وعفو إسرائيلي، وتفشل العديد من عمليات المقاومة عبر اعتقال المخططين وتفجير العبوات الناسفة.

صعدت الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال الأيام الماضية، الاعتقالات السياسية خاصة في نابلس شمالي الضفة الغربية، واعتقلت العشرات بعد مشاركتهم بمسيرات غاضبة على اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.

ورغم استمرار حرب الابادة التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وعمليات القتل والتهويد في الضفة الغربية، تستمر سياسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية بملاحقة المعارضين وشن حملات الاعتقال السياسي والاستدعاءات إلى مقراتها، لكن الأخطر هو ملاحقة المقاومين وإطلاق النار عليهم واعتقالهم، كما جرى مع أحدهم في مدينة نابلس قبل يومين، ومساومة المسلحين على تسليم أنفسهم وتفكيك العبوات الناسفة التي تزرعها المجموعات المقاومة في طريق آليات الاحتلال التي تقتحم المناطق الفلسطينية.

ووفق المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد"، فقد أصيب المطارد من قبل قوات الاحتلال إسماعيل عوكل بالرصاص الذي أطلقته عليه الأجهزة الأمنية الفلسطينية في البلدة القديمة في مدينة نابلس الخميس الماضي، وأظهرت صور بقعا من الدماء متناثرة على مسافات متباعدة خلال عملية جر المصاب على الأرض، وفق شهود عيان رفضوا الإعلان عن هويتهم.

ويقول أحدهم لـ"العربي الجديد": إن "عوكل شك باقتراب أشخاص مسلحين منه يرتدون الزي المدني، حيث اعتقد للوهلة الأولى أنهم (مستعربون) يتبعون قوات الاحتلال، غير أن أحدهم أطلق عليه الرصاص من مسافة قصيرة، قبل أن يحيطوا به ويجروه على الأرض وهو ينزف، ومن خلال حديثهم تبين لنا أنهم يتبعون لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني".

وعوكل (28 عاما)، أسير محرر مقرب من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اعتقل عدة مرات، أولها وهو قاصر عام 2010، وأمضى 20 شهرا وأُطلق سراحه بـ"صفقة وفاء الأحرار"، وأُعيد اعتقاله خلال عام 2012، وأمضى 15 شهرا، وتم اعتقاله مرة ثالثة في عام 2014، ليقضي محكومية لمدة 28 شهرا، وأعيد اعتقاله بتاريخ 6/10/2021 وأمضى نحو عامين في سجون الاحتلال.

ويعاني عوكل من وضع صحي صعب، فهو بحاجة لرعاية خاصة لحالته، كونه لا يرى بعينه اليسرى، ولديه شُعر بالجمجمة وقد سبق وزُرع له "بلاتين" في رجليه، كما يعاني من ضعف عام في عضلة القلب إثر دهسه من جيب عسكري إسرائيلي أثناء طفولته.
وحاليا يخضع للعلاج في أحد مستشفيات مدينة نابلس تحت حراسة مشددة جدا، ووصفت جراحه بالمتوسطة، وقد قرر القضاء الفلسطيني توقيفه 48 ساعة، قابلة للتجديد على ذمة التحقيق.

وفي نابلس أيضا، جرى خلال الأسبوع الماضي، اعتقال واستدعاء أكثر من خمسين فلسطينيا، عقب المسيرة الضخمة التي نظمتها حركة حماس للتنديد بجريمة اغتيال إسماعيل هنية في الـ31 من الشهر الماضي، في العاصمة الايرانية طهران، فيما تبقى عشرة داخل السجون والبقية تم الإفراج عنهم.

ويقول مصدر -طلب عدم كشف اسمه- في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتقالات تمت عقب المسيرة التي رفعت فيها أعلام حركة حماس لأول مرة في المدينة منذ سنوات طويلة، حيث تمت ملاحقة من تعتقد الأجهزة الامنية أنهم من كوادر الحركة الذين أشرفوا على تنظيم تلك المسيرة، ومن الناشطين الذين برزوا خلالها، سواء بالهتاف أو رفع الرايات الخضراء".

وأضاف المصدر: "لدينا قائمة مكونة من عشرة أشخاص اعتقلوا لدى جهاز الأمن الوقائي تحديدا، وجرى عرضهم على النيابة العامة وتم تمديد اعتقالهم لفترات متفاوتة، ووجهت لهم للأسف التهم المعتادة، مثل الانضمام لتنظيم محظور، أو إثارة النعرات الطائفية، لكن التحقيق الذي خضعوا له كان يتركز على مشاركتهم الفعالة بمسيرة التنديد باغتيال إسماعيل هنية واتهامهم بالوقوف وراء الدعوة لها وتنظيمها".

ويشير المصدر إلى أن كل فعل موجه ضد الاحتلال سواء كان مقاومة عسكرية أو دعوة للانتفاض والخروج في مسيرات، أو غيرها، مدعاة للاعتقال والملاحقة من الأمن الفلسطيني.

اعتقالات الأجهزة الأمنية الفلسطينية دون سند قانوني

ويقول المحامي إبراهيم العامر لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتقالات السياسية منذ اندلاع العدوان على غزة لم تتوقف، وأعداد الموقوفين ومن جرى استدعاؤهم كبيرة في الآونة الأخيرة". ويلفت إلى أن بعض الملفات تُصنف أنها "أمنية"، وبالتالي حتى قرارات القضاء بالإفراج عنهم لا تنفذ دون أي مبرر قانوني أو حكم قضائي، وفي بعض الأحيان يتم إلغاء قرارات الإفراج دون مسوغات حقيقية أو مبررات قانونية سليمة كما جرى ويجري مع العديد من المعتقلين السياسيين بشكل مستمر وبدون توقف.

ويشير العامر إلى ما جرى مع المعتقل السياسي عبد الكريم منى من نابلس، حيث صدر قرار بإطلاق سراحه ولم يتم تنفيذه على الإطلاق، ثم تم إلغاء قرار الإفراج بعد ثلاثة أيام، وتمديد اعتقاله من جديد دون أي تبرير أو مساءلة قانونية لمخالفة الجهاز الأمني أو النيابة العامة بعدم تنفيذهما لقرار الافراج، والإبقاء عليه رهن التوقيف، ثم تمديد اعتقاله.
ويقول العامر إن "تحديد السبب الفعلي للاعتقال ليس سهلا، فالتحقيق يدور حول قضايا سياسية معينة بشكل أساسي، ولكن في المحكمة والقضاء توجه لهم تهم مغايرة تأخذ الطابع القانوني دون أي أدلة حقيقية تقدم للقضاء تثبت ولو بشكل مبدئي إدانة المعتقل السياسي بالتهم المسندة إليه".

ويضيف العامر: "ذلك أن الغاية من التوقيف هي فقط إدامة منظومة الاعتقال السياسي بصرف النظر عن الآلية القانونية المتبعة لذلك، وما يرافقها من انتهاك لأحكام القضاء أو أي ممارسات للتعذيب وإساءة المعاملة". ويشير إلى صعوبة التواصل مع المعتقلين السياسيين أثناء اعتقالهم أو الانفراد بزيارتهم من طرفه للاستماع لشهاداتهم، حيث يكون موجودا في الغرفة ذاتها محققون من الجهاز الأمني، ما يخلق خوفا لدى المعتقلين من الحديث عن حقيقة ما جرى معهم من تعذيب أو ممارسات غير قانونية.

تفكيك الخلايا

سلوك أخر، تنتهجه الأجهزة الأمنية الفلسطينية يتمثل في الضغط على الشبان المنتمين لمجموعات المقاومة العسكرية لإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم لها، مقابل وعود بوقف ملاحقتهم والحصول على "عفو"، من طرف الاحتلال الإسرائيلي. وقد نجحت تلك المحاولات في إقناع بعضهم بذلك، في حين رفضت الغالبية العظمى، ما جعلها تواجه قوات الاحتلال التي قتلتها أو اعتقلتها.

ولا تتوانى الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن تقديم هذا العرض على كافة المسلحين، من كافة الأذرع العسكرية.

يقول مصدر مقرب من إحدى مجموعات المقاومة فضل عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الضغط يمارسه ضباط كبار في جهازي الأمن الوقائي والمخابرات العامة، ويتمثل بالاتصال بالمقاوم واتباع أساليب مختلفة معه، بالترغيب والترهيب، وكذلك بالاتصال مع ذويه من الدرجة الأولى والطلب منهم إقناعه بالعرض المقدم له، وإلا فإن المصير سيكون الموت على يد الاحتلال".

ويضيف المصدر: "هذا يتكرر في كل مكان فيه مجموعات مقاومة من جنين إلى نابلس وطولكرم وأريحا وطوباس وقلقيلية، وفي المخيمات مثل بلاطة والعين في نابلس وطولكرم ونور شمس وفي مخيم جنين والفارعة في طوباس، وغيرها".

لكن الأخطر كما يؤكد المصدر، هو اخضاع المقاوم الذي يقبل بالعرض للتحقيق القاسي، وبالتالي قد يعترف على أماكن وجود الأسلحة أو مواقع زرع العبوات الناسفة، ما يدفع تلك الأجهزة لمداهمة تلك الأماكن وضبط تلك العبوات ومصادرتها ومن ثم تفجيرها، كما جرى مؤخرا في مخيم العين غرب نابلس، من ضبط عدد كبير من العبوات الناسفة محلية الصنع التي كانت معدة لمواجهة اقتحامات الاحتلال الإسرائيلي.

إفشال عمليات المقاومة

وتزايدت في الأونة الأخيرة ظاهرة إفشال الأجهزة الأمنية وإحباطها للعديد من العمليات التي تخطط لها المقاومة في الضفة الغربية، ومن خلال وسائل مختلفة، أبرزها اعتقال المخططين أو المنفذين لتلك العمليات، كما جرى مع عوكل وقبله العشرات. كما تمكنت تلك الأجهزة من انتزاع اعترافات بأماكن زرع العبوات الناسفة محلية الصنع التي يضعها مقاومون لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وإرسال فرق متخصصة من وحدة الهندسة والمتفجرات في الأمن الفلسطيني لانتشال العبوات وإبطال مفعولها، ومن ثم العمل على تفجيرها في أراضٍ فارغة.