اقتتال عشائري في رأس العين: فوضى الشمال السوري بلا حلول

26 مايو 2022
تدريبات لـ"فرقة الحمزة" برأس العين، ديسمبر الماضي (هشام حاج عمر/الأناضول)
+ الخط -

استفاق أهالي بلدة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي في سورية، على وقع اشتباكات بالأسلحة المتوسطة بين مجموعات عشائرية مسلحة، ما استدعى تدخلاً من الجيش التركي لتطويق هذا الاقتتال للحيلولة دون انتقاله إلى مناطق أخرى، واقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة في شمال سورية.

وبدأ الاحتراب فجر أمس الأربعاء، بعد اغتيال شخص من عشيرة العقيدات على يد شخص من قبيلة الموالي، ينتمي إلى فصيل "فرقة الحمزة"، لأسباب ثأرية.

وفجّرت الجريمة اشتباكات بين العشيرتين، استُخدمت فيها مجموعات مسلحة أسلحة متوسطة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات. واحتجزت مجموعات من قبيلة العقيدات العشرات من قبيلة الموالي، وسيطرت على معسكرات تابعة لـ"الجيش الوطني"، الذي يضمّ فصائل المعارضة في الشمال السوري.

وتدخل الجانب التركي لفض الاشتباك بين المجموعات المتقاتلة، كما دخل رأس العين قياديون من "حركة البناء والتحرير" و"هيئة ثائرون"، اللتين تضمان العديد من الفصائل وتنضويان تحت جناح "الجيش الوطني".

مخاوف من توسع الاقتتال العشائري برأس العين

ويسود التوجس في رأس العين خشية من اتساع رقعة الاشتباكات، وهو ما سيؤدي إلى مقتل مزيد من أبناء القبيلتين "وهو ما سيؤسس لحالات ثأرية جديدة يمكن أن تتفجر في أي لحظة"، وفق إبراهيم خ. وهو من سكان البلدة.

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": ما دامت البنادق تملأ المدن والقرى لن يكون هناك استقرار أمني على الإطلاق. وتساءل: ماذا يفعل هؤلاء المقاتلون بكل هذه الأسلحة في شوارع المدن والبلدات والقرى؟ مكان هؤلاء الجبهات وليس مكانا آخر.


وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة وقيادة الجيش الوطني، تبدو عاجزة

وأشار ابن البلدة إلى أن "وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة وقيادة الجيش الوطني، تبدو عاجزة تماماً أمام هذه المجموعات الخارجة عن كل قانون حتى الأعراف القبلية".

واعتبر أن "من لا يمكنه القيام بعمله عليه الاستقالة". وشدد على أنه "يجب أن تُجرى عمليات إعادة تموضع للفصائل في كل المناطق التي تسيطر عليها هذه الفصائل".

وأشار إلى أن "إخراج هذه الفصائل من المدن وكف يدها عن التدخل بحياة الناس أولوية ملحة. الفوضى تقود إلى فوضى وتدفع من بقي في البلاد للخروج منها".

ولطالما شهدت منطقة رأس العين الواقعة في شرق الفرات اقتتالاً داخلياً بين فصائل المعارضة السورية، والتي لم تستطع حتى اللحظة تجاوز الحالة الفصائلية على الرغم من ظهور العديد من التكتلات العسكرية، والتي كانت الغاية منها الحدّ من أخطار هذه الحالة.

وفي السياق، دعا محمود الطيب وهو أحد النازحين إلى منطقة رأس العين، الجانب التركي إلى "ضبط السلاح في الشمال السوري"، مطالباً في حديث مع "العربي الجديد" الجيش التركي بالعمل على "تحقيق الاستقرار الأمني في كل المناطق الخاضعة للفصائل التابعة لهذا الجيش".

وأبدى اعتقاده بأن "أولى الخطوات من أجل إعادة لاجئين سوريين في تركيا، كما تخطط الحكومة التركية إلى الشمال السوري، هي القضاء على فوضى السلاح وردع المجموعات المنفلتة وتطبيق القانون وتفعيل القضاء، وتأسيس مجالس محلية منتخبة مباشرة من الناس".

ورأى أنه "من دون ذلك لا عودة طوعية للسوريين سواء في تركيا أو في بلدان أخرى". ودعا الطيب إلى تفكيك كل الفصائل والمجموعات التي "نشأت على أساس مناطقي أو قبلي مشوه". ولفت إلى أنّ "هذه العصبيات لا تؤسس على الإطلاق لحالة وطنية نبحث عنها".

أطراف القتال العشائري في رأس العين

وفي السياق، قال مصدر من "اتحاد شباب الحسكة"، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد" إن الاشتباكات "تجري بين مجموعات عسكرية منفلتة قادمة من خارج منطقة رأس العين"، مشيراً إلى أنه "لا يوجد في رأس العين وجود لقبيلتي الموالي والعقيدات".

وأضاف: هذه مجموعات نازحة من حمص (الموالي)، ومن ريف دير الزور (العقيدات). وبيّن أن عشائر منطقة رأس العين "لم يسبق لها أن اقتتلت على الإطلاق بين بعضها"، مشدّداً على أن هناك انسجاماً بين كل عشائر المنطقة الأصلية وهي عشائر العدوان، حرب، بقارة، وشرابين.

وكشف المصدر أن انتشار "مجموعات وفصائل غير متجانسة في المنطقة يجعلها بحالة من عدم الاستقرار، خصوصاً أن هناك صراعاً على النفوذ بين هذه الفصائل في المنطقة الغنية بالثروات الزراعية".

وكانت فصائل المعارضة السورية سيطرت على منطقة رأس العين في أواخر عام 2019 بعملية عسكرية واسعة النطاق قام بها الجيش التركي.

وكانت رأس العين تضم خليطاً سكانياً من عرب وأكراد قبل العملية العسكرية، والتي دفعت العدد الأكبر من الأكراد لترك منطقتهم والنزوح إلى مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) خشية من عمليات انتقامية.


الاشتباكات تجري بين مجموعات عسكرية منفلتة قادمة من خارج منطقة رأس العين

من جانبه، أوضح الصحافي عبد العزيز الخليفة (وهو من أبناء منطقة رأس العين) في حديث مع "العربي الجديد" أن العديد من الفصائل والمجموعات المسلحة تنتشر في المنطقة، مضيفاً: هذه المجموعات تتحزب على أساس مناطقي وعشائري.

وأشار إلى أن أي خلاف عادي بين شخصين يمكن أن يتطور إلى اقتتال مسلح بسبب الفوضى الأمنية التي تعم أغلب مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في الشمال.

وكشف أن أغلب المشاكل التي تحدث "تُحل من الأعلى من دون القضاء على أسبابها، وهو ما يؤدي إلى ظهورها بين وقت وآخر"، معتبراً أنه ليس هناك محاسبة على أسس قانونية واضحة.

إلى ذلك، اتخذ "الجيش الوطني" إجراءات لقطع الطريق أمام محاولات نقل التوتر من منطقة رأس العين إلى منطقتي غصن الزيتون في عفرين وريفها، ودرع الفرات في ريف حلب الشمالي، حيث تنتشر فيها فصائل تنتمي إليها المجموعات المتقاتلة.

وذكر المتحدث باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الشرطة العسكرية في الجيش الوطني تحركت صباح أمس الأربعاء وأزالت الحواجز التي وضعتها عشائر بين مدينة عفرين وبلدة جنديرس"، مشيراً إلى أن "الاتصالات مستمرة للسيطرة على الموقف ومنع تطور الاقتتال".