اعتقالات شرقي الفرات: وأد للحوار الكردي

19 يوليو 2021
يهيمن "الاتحاد الديمقراطي" على قوات "قسد" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

شنّت قوى الأمن الداخلي التابعة لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، في شمال شرقي سورية، أول من أمس السبت، حملة اعتقالات طاولت أعضاء بارزين في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، أبرز مكونات "المجلس الوطني الكردي"، في خطوة قد تنسف الحوار ما بين المجلس وأحزاب "الإدارة الذاتية"، والذي تحاول الولايات المتحدة إنعاشه.

وذكرت مصادر في "المجلس الوطني الكردي" أن قوى الأمن الداخلي التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، والمعروفة بـ"الأسايش"، شنت حملة اعتقالات طاولت قياديين من الحزب "الديمقراطي الكردستاني" في سورية، هم: عضو المجلس الفرعي لـ"المجلس الوطني الكردي" في القامشلي، عزالدين الملا، وعضو المجلس المناطقي لـ"الديمقراطي الكردستاني- سوريا" في منطقة الجوادية في محافظة الحسكة، محمد صالح، وعضو الهيئة الاستشارية للحزب "الديمقراطي الكردستاني"، محمد أيو، وجميعهم اعتقلوا من قبل عناصر ملثمة. كما اعتقلت "الأسايش" الصحافي برزان لياني، مراسل قناة "آرك تي في" وعضو اتحاد كتّاب كردستان ورابطة الصحافيين السوريين، من منزله في بلدة معبدة في ريف الحسكة، بـ"طريقة وحشية"، على حدّ تعبير عائلته.

يرتبط "المجلس الوطني الكردي" بعلاقات مميزة مع أربيل

ووصف المكتب السياسي لـ"الديمقراطي الكردستاني - سوريا"، في بيان أصدره أمس الأحد، حملة الاعتقالات بـ"الممارسات الترهيبية وسياسة كمّ الأفواه"، مؤكداً أنها "لا تنم إلا عن الفشل الذريع الذي وصلت إليه هذه الإدارة". واتهم البيان "الإدارة الذاتية" بـ"البحث عن أي حجة لقمع الرأي المخالف وفرض سلطة الأمر الواقع بقوة السلاح، وسط معاناة الناس من جميع النواحي الخدمية والمعيشية". وعبّر الحزب عن إدانته لهذه الاعتقالات "التي تتعارض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان والحريات ولا تخدم مستقبل شعبنا وقضيته، كما تحد من الجهود لإنجاح المفاوضات الكردية".

وذكرت مصادر مطلعة في شمال شرقي سورية، لـ"العربي الجديد"، أن "الاعتقالات التي نفذتها الإدارة الذاتية جاءت للضغط على إقليم كردستان العراق، لإطلاق سراح قياديين اثنين من حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز أحزاب هذه الإدارة". وكان آلدار خليل، وهو قيادي بارز في "الاتحاد الديمقراطي"، طالب منذ أيام، بإطلاق سراح ممثل "الإدارة الذاتية" في الإقليم وأحد أعضاء العلاقات في "الاتحاد الديمقراطي"، والمعتقلين في أربيل منذ 10 يونيو/حزيران الماضي.

ويرتبط "المجلس الوطني الكردي" بعلاقات تُوصف بـ"المميزة" مع قيادة إقليم كردستان التي كانت قد رعت عام 2014 حواراً بين المجلس و"الاتحاد الديمقراطي" تمخض عنه اتفاق سياسي لم يُنفّذ منذ ذلك الحين. ونصّ الاتفاق على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل "حركة المجتمع الديمقراطي" (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية، وعلى رأسها الاتحاد الديمقراطي) فيها، 40 في المائة، و"المجلس الوطني الكردي" 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.

وهذه ليست المرة الأولى التي يضيّق فيها "الاتحاد الديمقراطي" الذي يهيمن على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، من خلال جناحه العسكري (وحدات حماية الشعب)، على أحزاب "المجلس الوطني الكردي" في شمال شرقي سورية، حيث لم تنقطع حملات الاعتقال بحق أعضاء المجلس منذ سنوات. كما تعرضت مقرات أحزاب "المجلس الوطني" أواخر العام الماضي لاعتداءات من قبل مجهولين، من المرجح أنهم تابعون لـ"الاتحاد الديمقراطي" الذي يُنظر إليه باعتباره نسخة سورية من "العمال الكردستاني". ويلاحظ أن حملة الاعتقالات الأخيرة تتزامن مع محاولات إعلامية من "الإدارة الذاتية" للحصول على اعتراف سياسي بها من المجتمع الدولي. كما تتزامن مع ذكرى سيطرة الوحدات الكردية على مناطق في الشمال الشرقي من سورية في منتصف 2012 بالتواطؤ مع النظام السوري الذي سمح لها بالتمدد داخل المناطق الكردية.

تتزامن حملة الاعتقالات مع محاولات "الإدارة الذاتية" الحصول على اعتراف سياسي بها من المجتمع الدولي

واعتبر سكرتير حزب "اليسار الديمقراطي"، والقيادي في "المجلس الوطني الكردي"، شلال كدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اختطاف كوادر وقيادات أحزاب المجلس الوطني الكردي ليس جديداً في مناطق الإدارة الذاتية"، مضيفا أن "الإدارة اعتقلت المئات من أعضاء المجلس عبر سنوات سيطرتها على المنطقة، وحرقت مكاتب الأحزاب، ومنعت التظاهر، وقيدت حرية العمل السياسي". ورأى أنه "ليس منطقياً ربط اختطاف أعضاء في أحزاب المجلس مع اعتقال اثنين من حزب الاتحاد الديمقراطي في أربيل"، مشيراً إلى أن الربط "يهدف إلى تعقيد المشهد الكردي في سورية". وشدّد كدو على أن عمليات الخطف التي جرت من الإدارة الذاتية "تهدف إلى تسميم الأجواء السياسية ومناخ الحوار الكردي الكردي، والالتفاف على المبادرة الأميركية الرامية إلى إبرام اتفاق بين الإدارة والمجلس". ولفت إلى أن الحملة "تأتي في ظل الحرمان الذي يعاني منه سكان الشمال الشرقي من سورية، والتي كانت لفترة قريبة سلّة غذاء سورية".

ويُرجح أن تكون لحملة الاعتقالات تداعيات سلبية على مجمل المشهد السياسي الكردي في شرقي نهر الفرات، خصوصاً لجهة الحوار بين المجلس الوطني الكردي في سورية و"الأحزاب الوطنية الكردية"، التي تشكل "الإدارة الذاتية". وتحاول وزارة الخارجية الأميركية إنعاش هذا الحوار المتوقف منذ أواخر العام الماضي. وبعد جولات حوار عدة، اصطدم المجلس برفض "الاتحاد الديمقراطي" فكّ الارتباط مع "العمال الكردستاني"، المصنف لدى العديد من الدول تنظيماً إرهابياً. كما رفض "الاتحاد" إلغاء التجنيد الإجباري المعمول به في مناطق سيطرة "قسد" ودخول "البشمركة السورية" المتمركزة في شمال العراق إلى الشمال الشرقي من سورية.

المساهمون