اعتداءات بغداد الدامية: عشرات الضحايا ومخاوف من العودة لصفحة العنف قبيل الانتخابات

21 يناير 2021
تفجير مزدوج وسط سوق شعبي(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

في اعتداءات دامية، أعادت إلى الأذهان سنوات الانهيار الأمني الذي شهدته العاصمة العراقية بغداد بين 2005 و2009، نفذ، اليوم الخميس، انتحاريان بواسطة حزامين ناسفين هجومين بفارق زمني لا يتعدى الدقيقتين في منطقة الباب الشرقي، وسط بغداد، قرب سوق لبيع الملابس المستعملة والأجهزة الكهربائية والمنزلية، ما أدى إلى قتل 28 عراقياً على الأقل، وجرح أكثر من 70 آخرين، في حصيلة ما زالت أولية وقابلة للزيادة، بسبب خطورة حالات الجرحى الذين تم توزيعهم على أكثر من مستشفى.
وحول تفاصيل اعتداءات اليوم، قال مسؤول عسكري في قيادة عمليات بغداد، إن "الانفجار الأول وقع وسط شارع يحتشد باعة جائلون ومتبضعون على جانبيه، حيث تباع هناك المواد المستعملة من ملابس ولعب أطفال وأجهزة كهربائية، وعادة لا تقصده إلا الطبقة الفقيرة".
وأضاف أنه "بعد الانفجار الأول واحتشاد الناس لإسعاف الناس الذين سقطوا بالتفجير بنحو دقيقتين، وقع انفجار آخر وسط تجمع مماثل للمواطنين كانوا يهرعون لمكان الانفجار الأول وعلى بعد نحو 40 متراً".


ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن الضحايا تم توزيعهم على ثلاثة مستشفيات قريبة بسبب عددهم المتزايد واجتهاد المواطنين في نقل قسم منهم قبل وصول سيارات الإسعاف، لكن العدد قد يصل إلى 100 شهيد وجريح في النهاية، من بينهم عدة أطفال دون الرابعة عشرة ونساء.
وأغلقت قوات الجيش العراقي منطقة الباب الشرقي، وسط بغداد، لا سيما ساحتي غرناطة والطيران، ومنعت التجول أو مرور السيارات، بينما شوهد انتشار مكثف للأمن عند مداخل المنطقة الخضراء وقطع لجسر الجمهورية الرابط بين جانبي الكرخ والرصافة.
ونقل مراسل "العربي الجديد" عن مصادر أمنية قولها إنه تم إصدار أوامر بتوقيف ضباط الأمن المسؤولين عن المنطقة التي حصلت فيها تفجيرات بغداد، من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

عودة صفحة العنف
والمنطقة التي وقع فيها التفجيران تعتبر من المناطق المحصنة أمنياً، بسبب تاريخ من التفجيرات الدموية في تلك المنطقة خلال السنوات الأولى من الاحتلال الأميركي للعراق بعد عام 2004، وكونها ذات زخم كبير للمواطنين وعقدة مواصلات مهمة وقريبة من المنطقة الخضراء وساحة التحرير، معقل الاحتجاجات الرئيس في بغداد.
وتوجد نحو 4 نقاط وحواجز أمنية، يتوجب المرور بها قبل الدخول إلى المنطقة، وهو ما يضع عدة علامات استفهام حول كيفية تمكن الانتحاريين من الدخول للمنطقة.
وتأتي تفجيرات اليوم بعد يوم واحد من الإعلان عن تحديد الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات المبكرة في البلاد، وهو ما يثير المخاوف من صفحة عنف جديدة في البلاد.

خلية إرهابية
واعتبر الخبير بالشأن الأمني العراقي أحمد النعيمي، أن التفجيرات الجديدة دليل على وجود خلية إرهابية نشطة تمكنت من التسلل إلى العاصمة والعمل فيها على غفلة من قيادة عمليات بغداد.
وأضاف النعيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاعتداءات تثير مخاوف من أن صفحة عنف إرهابية جديدة لن يستفيد منها غير الخطاب الطائفي الذي تتبناه المليشيات والأحزاب بما يصب في صالحها بالانتخابات المقبلة، واصفاً الأوضاع في بغداد بأنها ستكون أمام تحدي فرض الأمن قبل موعد الانتخابات المحدد في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
في السياق ذاته، حذرت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، الخميس، من وقوع انفجارات أخرى بالعاصمة بغداد.
وقال عضو اللجنة عبد الخالق العزاوي، إنه "ومنذ ثلاث سنوات لم يحدث أي انفجار في بغداد والمحافظات الأخرى بهذا الشكل"، مبينا إن "انفجار باب الشرقي خلفه خلايا نائمة للتنظيمات الإرهابية أو أجندات سياسية. وفي الحالتين إرهاب يستهدف المواطنين الأبرياء".
وأضاف، في إيجاز صحافي، أن "المعركة اليوم معركة استخبارات، فالواجب على الاستخبارات الداخلية والعسكرية والأمن الوطني الحصول على المعلومة للقبض على الخلايا النائمة لداعش والمجاميع الإرهابية التي تستهدف المواطنين"، مشيراً إلى إنه "بعد انفجار باب الشرقي نحذر من وقوع انفجارات أخرى في بغداد والمحافظات".
وتابع العزاوي أن "لجنة الأمن والدفاع النيابية ستستضيف قائد عمليات بغداد والمسؤولين في وزارتي الداخلية والدفاع لمعرفة التحقيقات وكيفية وصول الانتحاريين إلى موقع الانفجار".
من جهته، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، في بيان مقتضب، إن "التفجيرات مؤشر لعودة الإرهاب من جديد باستهداف مركز العاصمة بعد أن كان يستهدف المناطق النائية والهشة أمنياً، وهو بكل تأكيد مؤشر ضعف المؤسسات الأمنية من جديد".
وأضاف البياتي أن "‏الجهات الرسمية أكدت أن ملاحقة للانتحاريين كانت تجري قبل تفجير نفسيهما حسب معلومات استخبارية"، مبيناً أن "الجهد الاستخباري يتملمنع وصول الانتحاري إلى المواطن وليس ملاحقته قرب المنطقة الشعبية".

الضحايا فقراء
وتواصل "العربي الجديد" مع قريب لأحد الضحايا، ويدعى أحمد علي، والذي كان يعمل بائعاً لأكياس النايلون للمتبضعين حيث قضى بالانفجار، متحدثاً عن أنه كان يعيل أمه وإخوته وابن شقيقه الذي توفي بالسرطان قبل سنوات.
وأضاف من داخل مستشفى الكندي ببغداد: "جميع الضحايا لهم قصص موجعة لكنها متشابهة، فقراء خرجوا لطلب الرزق والتكسب، ومن فشل في حمايتهم هو نفسه من فشل في توفير حياة كريمة لهم"، في إشارة إلى السلطات العراقية.
المواطن محمد فاضل، قال إن "المشاهد أعادت إلى الذاكرة سنوات الموت بالجملة، والجميع يخشى عودتها الآن بشكل فعلي".
وأضاف، متحدثا لـ"العربي الجديد": "داعش أو غير داعش كلهم يتغذون على الفساد والتناحر والتنافس وفوضى السلاح، والفقراء هم ضحية دوما لهذا الصراع"، وفقاً لقوله.