اشتباكات الغرب الليبي: الصراعات السياسية تغذي الفوضى

25 يوليو 2022
عناصر من اللواء 444 في عين زاره بطرابلس، الجمعة (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

تشهد مدن الغرب الليبي تسارعاً في الأحداث هذه الأيام، يتجلى في مظهرين، أمني وسياسي. وشهدت العاصمة طرابلس اشتباكات ليل الخميس - الجمعة الماضيين، وتجددت الجمعة، بين قوة جهاز الردع، وجهاز الحرس الرئاسي. ومع أن سبب الاشتباك أمني، إلا أن اصطفاف وتكتل المجموعات المسلحة وكتائب معينة ضد أخرى في العاصمة لا تنقصه نكهة السياسة.

كما عاشت مدينة مصراتة أول من أمس السبت توتراً أمنياً (في منطقة زريق)، على خلفية إقدام "القوة المشتركة" الموالية لرئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة في مصراتة على محاولة الاقتراب من منزل رئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، الذي كان قد وصل إلى مصراتة مساء الأربعاء الماضي، وذلك في محاولة لإرغامه على مغادرة المدينة. لكن حلفاء باشاغا أفشلوا المحاولة، قبل أن يردوا باعتراض عدد من سيارات "القوة المشتركة" وإطلاق الرصاص عليها بشكل عشوائي.

وجاءت هذه التطورات في الوقت الذي كان فيه الحديث يتركز أخيراً حول التقارب المستجد بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وقائد المليشيات خليفة حفتر، وهو ما ترجم تحديداً في ملف التعيينات في مؤسسة النفط الليبية وزيارة عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان التابع لخليفة حفتر، العاصمة طرابلس، للمرة الأولى، وذلك برفقة ممثلي حفتر في اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، حيث تم بحث مسألة توحيد الجيش الليبي.

مواجهات العاصمة الليبية وبصمة باشاغا

وبدأت المواجهات في طرابلس، بعدما قامت قوة جهاز الحرس الرئاسي بالقبض على ضابط تابع لقوة الردع، انتقاماً أو في محاولة مساومة مع قوة الردع، التي كانت قبضت سابقاً على أحد أفراد الحرس الرئاسي. إثر ذلك، هاجمت قوات الردع ليلاً مقرات للحرس الرئاسي في أحياء مختلفة من المدينة، وشرع الطرفان في تبادل إطلاق النار من أسلحة متوسطة وخفيفة حتى مساء اليوم التالي، حين انتهى القتال بتسوية غير معلنة، مخلفاً 16 قتيلاً، و52 جريحاً. وكان من بين الضحايا مدنيون بعضهم أطفال، كما أدى إلى احتجاز آلاف المواطنين، في منازلهم أو في بعض المحلات وصالات الأفراح، ومساكن الطلاب.

باشاغا بدأ يكسب شعبية بغرب ليبيا ونجح في دخول مصراتة

وتمكنت قوة الردع من السيطرة على مقرات عدة للحرس الرئاسي. وبحسب إفادة أحد سكان منطقة الاشتباكات، والذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن سيارات تابعة لقوة الردع لا تزال تسيطر على تلك المقرات أو تنتشر فيها منذ مساء الجمعة.

وتعليقاً على هذه الأحداث، يرى الناشط المدني والسياسي أحمد الصيد أنه "حتى وإن لم تظهر بصمة باشاغا وراء هذه الاشتباكات، فإنه يظل هو المستفيد الأكبر منها، كما أن جهاز الردع الذي بدأ بإطلاق النار ليس موالياً للدبيبة، ويُعتبر قريباً من قوة النواصي التي أشرفت على محاولة باشاغا الأخيرة دخول طرابلس، والتي فشل فيها (مايو/ أيار الماضي)".

ويضيف الصيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذه القوات تعمل الآن تحت إمرة حكومة الوحدة المتحكمة مالياً، وبالعاصمة، لكن ولاءات المجموعات المسلحة بشكل عام غير مضمونة".

ويفترض الصيد أن تأثير مثل هذه الأحداث يكمن في سيطرة كل طرف على أكبر قدر ممكن من المسلحين والسلاح والمقرات، مع البحث عن مكسب شعبي. ووفق رأيه، فإن "هذا تماماً ما يفعله باشاغا، ولكن بهدوء هذه المرة".

ويشرح الناشط أن "باشاغا اعتمد كثيراً في البداية على خطاب شرعية مجلس النواب ووحدة البلاد والانتخابات، ولم يستفد شيئاً"، معرباً عن اعتقاده بأن الأخير "أدرك الحاجة للصبر، وهذا ما يفعله الآن، وقد أثمرت خطته بعض النجاحات".

وبرأيه، فإن باشاغا "بدأ بكسب الشعبية في الغرب الليبي، وهو مرحب به الآن في اثنتين من أقوى مدنه: الزاوية والزنتان، وهو لا يزال يحرك الأحداث ويستفيد من خلط الأوراق الحاصل في طرابلس، فيما تمكن من دخول مصراتة والإقامة هناك منذ يوم الأربعاء الماضي، بعدما حشد مؤيدين له فيها وفي المدن المحيطة بها، مع أن وجوده سبّب قلاقل أمنية هناك، والوضع مفتوح للتطور".

في موازاة ذلك، يعرب الناشط المدني والسياسي عن اعتقاده بأن "اشتباكات طرابلس من حيث قوتها وتأثيرها مع الاصطفافات التي خلقتها أو كشفت عنها لا تخدم أبداً رئيس حكومة الوحدة، وقد أظهرت أنه لا يسيطر (على الأرض): ففي الوقت الذي كان فيه الناس يقتلون (بالرصاص) في الشوارع، صمتت حكومة الدبيبة قرابة يوم كامل، وكل ما قامت به بعد ذلك هو إقالة وزير الداخلية (خالد مازن) وتكليف آخر (بدر الدين التومي)، مع تسوية تتم غالباً بتسييل الأموال للمليشيات وتقوية شوكتها وشراهتها للمزيد".

من جهته، يرى الأكاديمي والخبير الأمني الصيد عبد الحفيظ أن "ما حدث هو جزء من طبيعة المجموعات المسلحة التي ظلت تتقاتل طيلة 11 عاماً، وستستمر طالما لا توجد قوة أكبر منها تستطيع إنهاء وجودها وبناء مؤسسة عسكرية حقيقية، وطالما استمر السياسيون في استغلالها لتحقيق مكاسبهم"، معرباً عن اعتقاده بأن "نشاط المجموعات المسلحة لا يحدّد موقفهم من أي طرف سياسي إلا بعد مخاض طويل".

معركة التوازنات بدأت خارج طرابلس، وتحددها مليشيات صامتة

وفيما يوافق على أن الاشتباكات الأخيرة أضعفت مكانة الدبيبة في طرابلس، إلا أنه يرى أن حظوظ باشاغا قليلة أيضاً. وبرأيه، فإن معركة التوازنات بدأت خارج العاصمة حالياً، وتحديداً في مدينة مصراتة، لكن حسمها لا يزال بعيداً.

مصراتة ونفوذ المجموعات المسلحة

وفيما تراجعت حدة التوترات في مصراتة، إلا أن عبد الحفيظ يرى أن هذه المدينة التي حافظت على وحدتها السياسية والعسكرية طيلة الفترة الماضية، ودخلت في حالة صراع سياسي مكتوم منذ تكليف باشاغا برئاسة حكومة جديدة، "انفرجت فيها الأوضاع (بعد الثورة) ولا يمكن وأدها بسهولة، لأن أغلب مجاميعها المسلحة ممتدة في مدن أخرى، خصوصا في طرابلس".

ويوضح عبد الحفيظ أن أنصار الدبيبة يعملون تحت مسمى "القوة المشتركة"، وهو مسمى أمني تابع لوزارة الدفاع التي يترأسها الدبيبة نفسه. وتتبع هذه الوزارة مجاميع مسلحة، بعضها يتحدر من مصراتة كـ"الكتيبة 303" المتمركزة جنوبي طرابلس.

ويلفت عبد الحفيظ إلى أن تمركز "الكتيبة 303" في مناطق جنوبي طرابلس، المتاخمة للمناطق التي يسيطر عليها اللواء أسامة الجويلي، الذي بات موالياً لباشاغا، وسيطرة قوات جهاز دعم الاستقرار في طرابلس، الموالي للدبيبة، على مناطق متاخمة لسيطرة لواء النواصي الموالي لباشاغا، يجعل حالة التوتر المرجحة للارتفاع، تمتد من مصراتة إلى طرابلس.

ويشرح الخبير الأمني أن "هذه الكتائب بجميع مسمياتها نسبتها قليلة، إلى جانب مجموعة كل الكتائب المنتشرة في مصراتة وطرابلس، وبالتالي فإن الكتائب الأخرى التي لا تزال تلزم الصمت ولم تدخل في أي ولاء لأي من الدبيبة أو باشاغا، هي من سيحسم الأمر لصالح أي منهما في النهاية".

وباعتقاد عبد الحفيظ، فإن الصدامات المسلحة التي شهدتها طرابلس في الآونة الأخيرة، قد تكون بداية حراك المجموعات المسلحة الصامتة، مضيفاً أن "قوة الردع قريبة بشكل أو بآخر من باشاغا، والحرس الرئاسي قريب بشكل أو بآخر من الدبيبة، بسبب علاقة قادة جهاز الحرس من قادة جهاز دعم الاستقرار الموالي بشدة للدبيبة".

وبرأيه، فإنه "حتى الساعة، تميل الكفة، سواء في مصراتة أو طرابلس، لصالح باشاغا، لكن الدبيبة لديه القدرة على التمويل وشراء ذمم الكتائب، ولهذا فالنتيجة لا تزال مجهولة".

وفي الشارع، تعلّق المواطنة كريمة قرقوم، والتي تسكن في زاوية الدهماني (أحد أحياء العاصمة)، وكانت شاهدة على اشتباكات طرابلس الأخيرة، بقولها لـ"العربي الجديد": "لقد مللنا من الحديث والوعود وتبادل المناصب، سواء من الدبيبة أو باشاغا أو من يقف وراءهما، ونعلم أن لا أحداً من السياسيين لديه القدرة على التحكم الكامل في المليشيات بعموم البلاد، أو حتى ضمان عدم تقاتلها مجدداً وتعريض المدنيين للخطر، لكنهم يزايدون على بعضهم بالقدرة على ضبط الأمن وفرض سيادة وهيبة الدولة".

وتجزم المواطنة أن "الشارع لا يصدقهم، ولذلك فإن الجميع يرغب بالذهاب نحو الانتخابات وتغيير كل الوجوه الحالية".

المساهمون