استهدفت طائرات مسيّرة قاعدة للتحالف الدولي، بقيادة أميركا، تقع قرب المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، في هجوم من المرجح أن ما تسمى "غرفة عمليات حلفاء سورية" مسؤولة عنه، في تنفيذ لوعيد أطلقته الأسبوع الماضي، رداً على قصف جوي انطلق من هذه القاعدة استهدف مواقع عسكرية إيرانية في البادية السورية.
وأكد المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى بيل أوربان أن منطقة قاعدة التنف تعرضت إلى هجوم متعمد ومنسق بطائرات مسيرة، ونيران غير مباشرة. وأوضح أن الهجوم لم يسفر عن إصابات في صفوف القوات الأميركية. وشدد على أن القيادة الأميركية الوسطى تحتفظ بحقها في الرد على الهجوم في الزمان والمكان المناسبين. وذكرت السفارة الأميركية في سورية، في تغريدة أمس الخميس، أن "الولايات المتحدة تستنكر تصاعد العنف والهجمات في سورية. ندعو جميع الأطراف إلى احترام وقف إطلاق النار الحالي والتركيز على خفض فوري للتصعيد، وحماية أرواح المدنيين قبل أي شيء".
عبد السلام عبد الرزاق: الهجوم على التنف من قبل إيران محاولة لحفظ ماء الوجه لا أكثر
وأفادت مصادر إعلامية متقاطعة أن خمس طائرات مسيرة مفخخة استهدفت مساء الأربعاء الماضي قاعدة التنف، مشيرة إلى أن "الهجوم نفذ من داخل الأراضي السورية وليس العراقية"، وأن "قوات التحالف الدولي كانت تمتلك معلومات عن هذا الهجوم". وكان طيران، يُعتقد أنه إسرائيلي، استهدف من محيط قاعدة التنف، الأسبوع الماضي، مواقع عسكرية للمليشيات الإيرانية، ضمنها مركز للتدريب وبرج للاتصالات يقعان على بعد كيلومترات جنوب غربي مدينة تدمر، وشرق مطار "تيفور" العسكري. وقد تحوّل هذا المطار، الذي يعد الأكبر في سورية، ويقع في ريف حمص الشرقي، إلى قاعدة إيرانية في قلب البادية السورية. وكانت أصدرت، في 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ما تسمى بـ"غرفة عمليات حلفاء سورية"، المدعومة من إيران، بياناً قالت فيه إن الرد على الضربة سيكون "قاسياً جداً"، مضيفة أن الخسائر كانت ستكون أكبر بكثير لو لم تكن قواتها تنتشر بشكل جيد في المنطقة الصحراوية. وذكر البيان أنه "نتيجة هذا الاعتداء، سقط عدد من الشهداء والجرحى من الإخوة المجاهدين"، مضيفاً: "اتخذنا قراراً بالرد على هذا الاعتداء انتقاماً لأرواح الشهداء ودماء الجرحى".
وهذه المرة الأولى التي تُستهدف قاعدة التنف من قبل النظام السوري وحلفائه الإيرانيين الذين يتلقون ضربات متتالية في مناطق نفوذهم، وخاصة في البادية وريف دير الزور الشرقي في أقصى الشرق السوري، والذي تحوّل الى مجال واسع للنفوذ الإيراني العسكري والأمني والثقافي منذ أواخر العام 2017، حيث سيطر "الحرس الثوري" الإيراني على هذا الريف بعد انسحاب تنظيم "داعش" منه.
وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة أميركا، غربي الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية - الأردنية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية للتحالف في سورية. ويمنع التحالف اقتراب أي قوة معادية من محيط القاعدة بعمق 55 كيلومتراً، وهي باتت تُعرف اليوم بـ"المنطقة المحرمة"، إذ جوبهت محاولات قوات النظام دخولها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية بالقوة. وتعد القاعدة، التي تبعد أكثر من 20 كيلومتراً عن المعبر الحدودي الذي يربط بين العراق وسورية، أهم قواعد التحالف الدولي ضد الإرهاب والمتمثل بتنظيم "داعش".
وتنشط فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في المنطقة، وتتلقى دعماً من التحالف الدولي، لعل أبرزها "جيش مغاوير الثورة" الذي تأسس في العام 2015، وقوات "الشهيد أحمد العبدو". ووفق مصادر في المعارضة السورية، كان معبر التنف الحدودي مع العراق الأهم بالنسبة إلى إيران، إذ كانت تدخل الأسلحة عبره إلى سورية قبل أن يسيطر عليه "داعش" في 2015. ووصف القيادي في فصائل المعارضة السورية النقيب عبد السلام عبد الرزاق قاعدة التنف بـ"الحصينة"، مضيفاً: هي قريبة من مناطق انتشار "داعش" ويمكنها التدخل في أي وقت وبسرعة. ولفت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنها "تقع في منتصف الطريق الذي عملت إيران على إنشائه، والممتد من أراضيها إلى سواحل المتوسط مروراً بالعراق وسورية". واعتبر أن الهجوم على التنف من قبل الإيراني محاولة "لحفظ ماء الوجه لا أكثر، من منطلق أن ما يسمّونه محور المقاومة يرد على الاستهداف الإسرائيلي والأميركي"، مضيفاً: أخلى الأميركيون القاعدة قبيل الهجوم، ما يؤكد علمهم به.
نوار شعبان: الإدارة الأميركية تعتمد سياسة الاستهداف الموجع واللحظي لإيران
وقال الباحث السياسي في مركز "عمران" للدراسات نوار شعبان، في حديث مع "العربي الجديد": نقلت لنا مصادر محلية حصول انفجارات داخل القاعدة. وأضاف: تصريحات المسؤولين الأميركيين أكدت حدوث انفجار، ولم يستطع قياديون في فصيل مغاوير الثورة دخول القاعدة بعد الانفجار، ورفضوا التعليق على ما حدث، ما يؤكد أن الانفجار ليس عادياً. وبيّن أنه "في داخل القاعدة منظومة دفاعية قادرة على صد الصواريخ، لذا من المرجح أن الهجوم تم عبر "درونات" (طائرات مسيرة) صغيرة محملة بشحنة متفجرات".
وحول طبيعة الرد الأميركي على الهجوم، رجّح شعبان أنه "لن يتجاوز الرد الذي قامت به إدارة الرئيس جو بايدن في فبراير/شباط الماضي على الهجمات الصاروخية ضد قوات التحالف في العراق، حيث استهدفت القوات الأميركية مواقع لفصائل موالية لإيران شرق سورية قرب الحدود مع العراق". وتابع: الإدارة الأميركية تعتمد سياسة الاستهداف الموجع واللحظي، أي استهداف مواقع معينة للجانب الإيراني في سورية وليس كل وجوده. التعاطي الأميركي مع الملف الإيراني في سورية يقوم على الرد فقط في حالة استهدف الإيرانيون نقاطاً أو قواعد أميركية. وأشار إلى أن واشنطن "غير معنية بالتمدد الثقافي الإيراني في سورية"، موضحاً أن واشنطن تستهدف مصدر الخطر العسكري الإيراني على وجودها في سورية وليس كل المنظومة العسكرية والأمنية.