قتل شخصان على الأقل، وأصيب آخرون بجروح، فجر أمس الأربعاء، بضربات جوية إسرائيلية جديدة، طاولت الساحل السوري هذه المرة، في تصعيد إسرائيلي جديد، لا يمكن فهمه إلا في سياق تجاهل تل أبيب "الحصانة" النسبية لمناطق الساحل السوري من ضرباتها الجوية، باعتباره منطقة نفوذ روسي، فضلاً عما يشكله من حاضنة شعبية وطائفية لنظام بشار الأسد. وتشير الغارات الجديدة، والمواقع المستهدفة، بحسب ما أكدته مصادر لـ"العربي الجديد"، إلى رسائل إسرائيلية مفادها عدم وجود خطوط حمر لنطاق استهدافاتها، على الرغم من الإحراج الظاهر الذي تسببه لموسكو.
قتل شخصان على الأقل وأصيب آخرون جرّاء الغارات
وذكر إعلام النظام أمس أن المواقع المستهدفة هي مدنية، متحدثاً عن تصدي قوات النظام للعدوان الإسرائيلي عبر دفاعاتها الجوية. وذكرت وكالة "سانا" للأنباء أنّ "العدوان الإسرائيلي أدى إلى استشهاد مدني وجرح 6 آخرين، بينهم طفل ووالدته، في حصيلة أولية، إضافة إلى وقوع خسائر مادية، من بينها منشأة مدنية لصناعة المواد البلاستيكية". لكن بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فإنّ الاستهداف الإسرائيلي العاشر للأراضي السورية هذا العام "طاول مواقع عسكرية لقوات النظام والمليشيات الموالية لإيران في ريفي اللاذقية وحماة". ففي ريف حماة الغربي، طاول القصف مستودعات للأسلحة والذخائر في جبال وغابات منطقة دير شميل، فيما طاول في اللاذقية "مقرات عسكرية ومستودعات أسلحة وذخائر جنوب الحفة"، مشيراً إلى سقوط نحو 14 جريحاً، إضافة إلى تدمير مستودعات أسلحة.
من جهتها، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن طيراناً يرجّح أنه إسرائيلي أطلق مجموعة كبيرة من الصواريخ على مناطق متفرقة في مدينة اللاذقية ومحيطها، محدثاً انفجارات عنيفة خلّفت حرائق كبيرة. وأضافت المصادر أن القصف أسفر عن سقوط قتيل و6 جرحى على الأقل، بينهم أطفال ونساء، في منطقة الرمل الجنوبي جنوب غرب اللاذقية، مضيفة أن معظم الجرحى أصيبوا جرّاء استهداف صاروخ إسرائيلي معملاً لصناعة المواد البلاستيكية. وذكرت المصادر أن مواقع عديدة طاولها القصف شملت مناطق دوار رأس شمرا، شمال اللاذقية، وسوق الجمعة، ومناطق في قرى الحفة ورأس العين في ريف اللاذقية. وبحسب المصادر، فقد قُتل شخص آخر، وجرح اثنان، بالقصف الذي طاول موقعاً في رأس شمرا. وأوضحت المصادر أن المناطق المستهدفة، وأبرزها الرمل الجنوبي، تقع على بعد 15 كيلومتراً من قاعدة حميميم الروسية، مضيفة أن الغارات طاولت أيضاً مستودعات أسلحة ووقود ومواد تستخدم في صناعة الأسلحة، تابعة لمليشيات النظام المدعومة من إيران.
وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل الساحل السوري، إذ سبق لها أن شنّت غارات مماثلة على المنطقة في سبتمبر/ أيلول 2018، فإن دلالة الاستهدافات الجديدة تبدو أكثر عمقاً، لجهة حجمها وشمولها مواقع كثيرة زادت عن الثمانية، بعضها قريب من قاعدة حميميم، دون حصول أي ردّ من جانب الدفاعات الجوية الروسية.
وعلى الرغم من أن الأهداف التي تمّ ضربها ليست كلها واضحة تماماً، لكن من شبه المؤكد، وفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن من بينها مستودعاً لتخزين مواد كيميائية في قرية رأس العين في ريف جبلة، إضافة إلى مستودعات أسلحة ووقود ومواد تستخدم في صناعة الأسلحة تابعة لمليشيات النظام المدعومة من إيران، وهي مواد تصل إلى المنطقة عبر ميناء اللاذقية. وأوضحت المصادر أن هذه المليشيات تستخدم في الكثير من الأحيان المعامل والورشات الصناعية، من أجل إخفاء مستودعاتها، مذّكرةً بأن العديد من الضربات المشابهة وقعت في وقت سابق، وطاولت معامل صناعية في ناحية السلمية بريف حماة، كانت تستخدمها المليشيات مستودعات لتخزين الأسلحة ومواد صناعتها. ورجّحت المصادر أن يكون القصف الذي طاول فجر أمس بلدة الحفة شرقي اللاذقية قد استهدف مركز البحوث العلمية بين البلدة والقرداحة.
وفي هذا السياق، قال المقدم المنشق عن قوات النظام، تيسير درويش، إن النظام لجأ منذ بداية الثورة السورية إلى نقل أغلب الأسلحة الاستراتيجية ومراكز البحوث العلمية والمستودعات الاستراتيجية التي تضمّ الصواريخ الحديثة والمواد الكيميائية المخفية عن الأمم المتحدة، إلى الساحل السوري، لسببين، هما وجود القاعدة الروسية وطبيعة المنطقة الجبلية المحصنة. وأضاف الضابط المتحدر من جبلة الساحلية أن قصف أمس "استهدف مركز البحوث العلمية السرّي في صلنفة، والذي أقيم بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني، ويتم فيه صنع صواريخ أرض - أرض وتزويدها برؤوس حربية غير تقليدية". كذلك استهدف منطقة جبال الحفة وقرية السامية، التي تعتبر حالياً من أهم مراكز وجود المستودعات الاستراتيجية لجيش النظام وتحوي صواريخ أرض - أرض وأرض - بحر متطورة خزّنها النظام و"الحرس الثوري". ورأى أن إسرائيل تسعى من خلال ذلك إلى تجريد النظام وداعميه الإيرانيين من أي أسلحة استراتيجية، مشيراً إلى أن لهذه الضربات "خصوصية تتعلق بقربها من قاعدة حميميم وما تبعثه من رسائل قوية".
طاول القصف مواقع لقوات النظام والمليشيات الإيرانية
بدروه، رأى الصحافي حسام جبلاوي، المتحدر من جبلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الضربات الإسرائيلية "تحمل رسائل للروس وللنظام وللإيرانيين، مفادها أن لا خطوط حمراً لإسرائيل أو أهداف لا يمكنها قصفها في سورية، حتى ولو كانت قرب حميميم"، مذّكراً بأن النظام والإيرانيين كانوا يحاولون أخيراً استخدام الساحل السوري كمركز لتخزين الصواريخ والاحتماء بالوجود الروسي في المنطقة.
وكانت الضربة الإسرائيلية السابقة على الساحل السوري في 2018 قد استهدفت مؤسسة الصناعات التقنية في اللاذقية، التي حوّلها النظام مركزاً صغيراً بديلاً للعمليات البحثية العسكرية، بعد تكرار استهداف مراكز البحوث الأساسية في أرياف دمشق وحلب وحماة. كذلك استهدفت مخزناً عسكرياً في جبلة، حيث كان بدأ النظام وإيران محاولات لنقل بعض مستودعات الأسلحة الاستراتيجية إلى الساحل.
ويتمحور السؤال المتجدد حول إمكانية أن تكون مثل هذه الضربات قد تمّت على الرغم من الاحتجاجات الروسية العلنية، أم بمباركة روسية ضمنية، خصوصاً أنها تأتي لضرب أهداف تخص الوجود الإيراني في الساحل السوري، وهي أهداف لا يسر وجودها روسيا كثيراً.