استقالة فالنتين يوماشيف.. "عشيرة يلتسين" تتخلى تباعاً عن بوتين

أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، اليوم الخميس، استقالة فالنتين يوماشيف، من منصبه كمستشار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ورغم تقارير غربية عن امتعاض كبير في النخب العسكرية والسياسية والاقتصادية من قرارات بوتين بشأن الحرب على أوكرانيا واستمرارها، لم تسجل حالات استقالة من الحكومة والجيش، ولكن اللافت أن يوماشيف يعدّ الشخصية الثانية من "عشيرة" الرئيس الأسبق بوريس يلتسين التي تبتعد عن الكرميلن، بعد استقالة بوريس تشوبايتس، مستشار بوتين للعلاقات مع المؤسسات الدولية، ما يطرح أسئلة حول فسخ "العقد" بين النخب الحاكمة الأكثر ليبرالية في عهد الرئيس يلتسين ونظام الحكم الحالي في روسيا، الذي أرساه بوتين منذ عام 2000، خصوصاً أن خطوات بوتين الأولى إلى حكم روسيا مرّت عبر الرجلين اللذين طالما وصف كل منهما بأنه "الكاردينال الخفي" للحكم في زمن يلتسين، ولعبا دوراً في صعود واستبعاد السياسيين، وتقريب أو إبعاد الأوليغارشيين من الكرملين بالمشاركة مع تاتيانا دوتشينكو، ابنة يلتسين وزجة يوماشيف الثانية رسمياً منذ عام 2002.

وبانتظار إعلان صريح من يوماشيف الذي تولى رئاسة ديوان الكرملين عامي 1997 و1998، أو فتح ملفات فساد كما جرى مع سلفه أناتولي تشوبايتس، العراب الآخر لدخول بوتين الكرملين من أوسع أبوابه، تبقى الأسباب الحقيقية للاستقالة مجهولة.

وفي السنوات الأخيرة غاب ذكر يوماشيف عن الإعلام. وفي عام 2018، وعلى خلفية تقارير صحافية بأنه يعمل مستشاراً في الكرملين ولديه مكتب في ديوان الكرملين، أقر بيسكوف بأن يوماشيف يعمل مستشاراً من دون أجر للرئيس بوتين منذ 18 عاماً، رغم أن صحيفة "كوميرسانت" أشارت حينها إلى أن إقالة يوماشيف كانت ضمن المراسيم الأولى التي وقعها بوتين بعد توليه الحكم في عام 2000.

وبعد تصريحات بيسكوف يومها نشر الموقع الرسمي للكرملين قرار تعيين يوماشيف في المنصب.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019 كشف يوماشيف أن سلفه في رئاسة الديوان أناتولي تشوبايتس رشح فلاديمير بوتين لدخول الكرملين، نظراً للنقص الكبير في الكوادر.

تقارير دولية

التحديثات الحية

مفجِر قضية "ترامب-روسيا" لـ"العربي الجديد": بوتين مريض والصين التحدي

وذكر في مقابلة أن تشوبايتس أوضح له أن بوتين "رجل طيب وقوي كان يعمل معه في سانت بطرسبرغ"، وأنه عمل مع أناتولي سوبتشاك عمدة مدينة سانت بطرسبورغ السابق بإخلاص، وتولى معظم المهام اليومية، وأخبره أن ماضيه في جهاز " كي جي بي" لن يكون عقبة وأنه متأكد من إخلاصه.

وفي اللقاء أوضح يوماشيف أن يلتسين بعد فترة أعجب بأداء بوتين، وتنفيذه للمهمات الموكلة إليه، وأن الاختيار وقع على بوتين للخلافة في أعلى منصب للكرملين بعد استبعاد عدد من المرشحين الآخرين أهمهم سيرغي ستيباشين، رئيس الوزراء الأسبق، وبوريس نيمتسوف نائب رئيس الوزراء في بداية التسعينيات، وهو الذي قتل على بعد مئات الأمتار من الكرملين في عام 2015، وقيل حينها إن الاغتيال جاء بسبب معارضته ضم شبه جزيرة القرم والحرب في دونباس شرقي أوكرانيا عام 2014، وإعداده ملفات تثبت تفشي الفساد في السلطة الحاكمة والجيش.

ولد فالنتين يوماشيف عام 1957 في بيرم شرقي روسيا، وانتقل إلى موسكو مع والدته حيث درس الصحافة وعمل في الثمانينيات مع "صحف" موسكوفسكي كومسوموليتس"، و"كومسومولسكايا برافدا"، و"إزفستيا"، ومجلة "أوغونيوك" التي ترأس تحريرها لاحقاً في بداية التسعينيات.

وحسب ألكسندر كورجاكوف، الحارس الشخصي للرئيس بوريس يلتسين، فقد التقى الأخير مع يوماشيف في عام 1989 في أثناء حملة يلتسين للترشح لمجلس السوفييت الأعلى، وحافظ على هذه العلاقة، وفي 1996 تم استدعاء يوماشيف ليكون عضواً في حملة يلتسين للترشح لفترة رئاسية ثانية، ليرتقي بعدها في سلم الكرملين ويصبح من أهم الشخصيات النافذة.

وعن أهم المواقف في حياته في الكرملين، نقلت خدمة "بي بي سي" الروسية منذ سنوات عن يوماشيف قوله، إن إصعب اللحظات كانت حين كلف بكتابة خطاب الوداع للرئيس يلتسين، الذي قرر التنحي عن منصبه نهاية 1999، وأشار إلى أنه فكر طويلاً في صياغة الخطاب الذي سيدخل التاريخ على أعتاب الألفية الجديدة، واختار أن يبدأه بشكل عاطفي بكلمة "سامحوني لقد تعبت"، وذكر أن يلتسين لم يطلع أحداً من أفراد أسرته على قراره، وأن الكلمة سجلت قبل أربع ساعات من انتهاء العام، وحرص شخصياً على إبقاء المصورين والصحافيين في داخل غرفة في الكرملين حتى ساعة بثها من أجل عدم تسريب الخبر.

سيرة سياسية

التحديثات الحية

ليونيد سلوتسكي.. الزعيم الجديد للحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي

وبرز اسم يوماشيف في عام 2016 إثر أنباء عن خضوعه للمعالجة من السرطان في الولايات المتحدة. وبسبب علاقاته المتينة مع حيتان المال، تواردت أنباء في 2018 عن مساهمته في حل أزمة شركة "نوريلسك نيكل"، أكبر شركة في العالم لإنتاج النيكل، بين رجلي الأعمال أوليغ دريباسكا (الزوج السابق لابنته من زواجه الأول) وفلوديمير بوتانين. ويدير مع تاتيانا زوجته وابنة الرئيس يلتسين، مركز يلتسين في مدينة سفيردلوفسك، وهو مركز يحظى بتمويل حكومي كبير، ويعنى بالمحافظة على تراث الرئيس الأول لروسيا بعد السوفييتية.

وكشف موقع "فاغني إستوريي" الاستقصائي في تقرير بداية عام 2020، أن يوماشيف وتاتيانا داتشينكو اشتريا فيلا فخمة في جزيرة سانت بارتليمي في الكاريبي، وتقع على مساحة 2500 متر مربع، ويصل ثمنها إلى 15 مليون يورو.

وحسب تقرير لوكالة "رويترز" نشر منذ أيام، فإن استقالة يوماشيف "تقطع الحلقة الأخيرة بين إدارة بوتين وفترة يلتسين، والتي ترمز إلى تحرر روسيا وانفتاحها على الغرب". ورحبت بعض وسائل الإعلام القومية باستقالة يوماشيف، وقالت محطة "تستاريفراد" في تقرير تعليقاً على خبر "رويترز": "بعد أن علم مجتمعنا بهذه الأخبار، تنفس الصعداء؛ فهذا يعني أن وقت العائلة قد انتهى، والتسعينيات المقدسة قد ولت إلى الأبد"، في إشارة إلى فترة التقارب مع الغرب. وفي المقابل يقلل خبراء من أهمية الاستقالة، ويؤكدون أن دور يوماشيف كان هامشياً، وقال سيرغي ماركوف، مدير معهد الدراسات السياسية، إنه لا داعي للبحث عن أي "نقطة تحول" في هذه القصة، وأضاف في تصريحات لمحطة "تساترغراد"، أنه ربما اتفق فلاديمير بوتين وبوريس يلتسين على أن أحد المقربين من العائلة سيحصل على منصب دائم كمستشار. ورئيسنا امتثل لكل هذه الاتفاقات"، ورجح أن يكون سبب الاستقالة متعلقا بأمور صحية، ولكنه لم يستبعد أن القرار جاء من أجل تجنب إدراجه في قوائم العقوبات الغربية، والمحافظة على ثروات العائلة المقدرة بمئات المليارات من الدولارات.