استراتيجية طموحة لحقوق الإنسان في مصر تصطدم بتوجهات النظام

11 مايو 2021
اعتقلت السلطات العديد من النشطاء بسبب تظاهرهم سلمياً (الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر حكومية وأخرى حقوقية لـ"العربي الجديد"، عن صدور تعهدات بالعمل على تحقيق تقدّم ملموس في مجال الحقوق السياسية، من اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لمجلس الوزراء المصري. وقد شُكّلت اللجنة أساساً من سفراء ومستشارين في وزارة الخارجية، خلال جولة مراجعة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر، التي أعدّتها اللجنة، وعقدت بشأنها اجتماعات عدة خلال الأيام الماضية مع أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ وممثلين لبعض منظمات المجتمع المدني وشخصيات حقوقية، تمهيداً لاعتماد الاستراتيجية وإعلانها نهائياً خلال يونيو/ حزيران أو يوليو/ تموز المقبلين.

وذكرت المصادر التي شاركت في الاجتماعات التي أجريت عن بُعد، أن هناك توافقاً واسعاً على معظم محتويات الاستراتيجية، وترحيباً بكونها أول وثيقة حكومية تتحدث بصورة صريحة وإيجابية عن الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية للشعب المصري. وأضافت أن صياغتها معبّرة عن "وجود تقدّم في تفهم أن يكون للدولة مثل هذا الخطاب المنفتح تجاه حقوق الإنسان، وعدم اقتصاره، كما جرت العادة في السنوات الأخيرة خصوصاً في الخطابات الرسمية السياسية، على الحقوق الاقتصادية وازدراء الحقوق المرتبطة بممارسة العمل السياسي والإعلامي والأنشطة المدنية".

التعهدات الحكومية بتحسين الأوضاع الحقوقية تبقى محل شك

 

وأوضحت المصادر أن قرار الحكومة بتوسيع مشاركة الحقوقيين من المجتمع المدني في الهيئة الاستشارية للاستراتيجية، لتشمل كلا من المحامين نجاد البرعي ونهاد أبو القمصان وعصام شيحة وأيمن عقيل، إلى جانب الأعضاء السابقين منى ذو الفقار ونيفين مسعد وسامح فوزي وعلاء شلبي ومحسن عوض، لاقى ترحيباً كبيراً بين الأوساط الحقوقية. وأشارت إلى أن اختيار البرعي تحديداً استهدف توجيه رسالة طمأنة لمنظمات المجتمع المدني الليبرالية واليسارية، بما في ذلك تلك التي ما زالت متهمة في قضية التمويل الأجنبي 173 لسنة 2011 والمتحفظ على أموالها والممنوعة قياداتها من السفر، بفتح قناة مباشرة للتواصل معها من خلال البرعي وغيره من الشخصيات غير المحسوبة على النظام الحاكم في استشارية اللجنة الدائمة، علماً أن البرعي هو المحامي الخاص ببعض تلك المنظمات بالفعل.

لكن في الوقت نفسه، أشارت المصادر إلى أن التعهدات الحكومية بتحسين الأوضاع الحقوقية يبقى محل شك بالنظر إلى السلطات الفعلية للجنة الدائمة، والتي لا تقارن بسلطة المخابرات العامة والأمن الوطني، وقياساً بما أسفرت عنه المناقشات التي دارت في مجلسي النواب والشيوخ. وهي مناقشات أهملت بشكل كبير اهتمامات الجماعة الحقوقية والنشطاء السياسيين والمدنيين، وركّزت أكثر على "شكل الاستراتيجية" وطريقة تسويقها وترويجها في الخارج، رابطة بين مساعي الدولة في هذا السياق والخطوات التي تبذلها لتحسين صورتها في العواصم الغربية من دون تحقيق تقدم يذكر على الصعيد المحلي. ومن بين هذه الخطوات استمرار إصدار قرارات بإخراج منظمات ليس لها نشاط، ولا تمارس العمل الحقوقي في الأساس، من قائمة الاتهام في قضية التمويل الأجنبي، وإصدار قرارات عفو تشمل السجناء الجنائيين العاديين وليس السياسيين، وقصر إخلاء السبيل بالنسبة للمعتقلين والمحبوسين احتياطياً على الصحافيين، وغيرها من صور الادعاء بوجود انفراجة من دون تأثير حقيقي.

وعلى الرغم من التعهد بالعمل على تحسين الأوضاع، فإن أعضاء في اللجنة الدائمة قالوا خلال المناقشات التي جرت بشأن الاستراتيجية وتبعاتها، بحسب المصادر، إنها غير مختصة في البت في بنود مبادرة "أول سبع خطوات"، التي أطلقتها خمس منظمات حقوقية، الأسبوع الماضي، وتشمل سبعة إجراءات محددة من أجل وقف التدهور غير المسبوق الذي تشهده مصر في أوضاع حقوق الإنسان على مدى الأعوام الماضية. والمنظمات هي: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ودعمتها في ما بعد منظمة العفو الدولية. وذكرت المصادر أن أعضاء اللجنة قالوا بصورة غير رسمية إن هناك خطوات خاصة بالمبادرة تتعلق بقرارات أمنية وسيادية وقضائية.

وذكر هؤلاء أن الأمر يتعلق بمسائل الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطياً أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف "تدوير" السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون، ورفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بمخالفة للدستور، وتأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها.

حديث عن إنهاء ملاحقة الحقوقيين وإغلاق قضية التمويل الأجنبي

 

في هذا الإطار، عبّر أعضاء اللجنة عن دعم "بعض الأجهزة" لمد جسور التفاهم مع المجتمع المدني الداخلي والخارجي، وإعادة العمل بقرارات العفو الرئاسي عن المحكومين، لكن بسبب تعنّت أجهزة أخرى، لا يُعرف تحديداً موعد بدء التفكير في تفعيل هذه الخطوة. وحذّروا من أن دعوات التظاهر المتكررة بين حين وآخر، خصوصاً من المقاول محمد علي المقيم خارج البلاد (وأحدثها الدعوة للتظاهر في 10 يونيو/ حزيران المقبل)، تمنح الفرصة لبعض الدوائر داخل الرئاسة والأجهزة الأمنية لإبطاء الاستجابة للتوصيات والوساطات المختلفة في سبيل الانفراجة.

في المقابل، قال أعضاء من اللجنة إنه من الممكن العمل على حلحلة ثلاثة ملفات، أحدها تحدثت عنه جميع الوفود الغربية التي ناقشت في القاهرة الوضع الحقوقي، وهو إنهاء الملاحقة الجنائية للنشطاء الحقوقيين وإغلاق قضية التمويل الأجنبي تماماً، وثانيها رفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية، والتي يبلغ عددها أكثر من 600 موقع بحسب تقديرات مؤسسة حرية الفكر والتعبير. أما الملف الثالث الذي أبدى أعضاء اللجنة الدائمة استعدادهم للحديث بشأنه أيضاً، فهو سحب مشروع قانون الأحوال الشخصية وإطلاق حوار مجتمعي بشأن قانون عادل للأسرة يكفل الحقوق المتساوية للنساء. وبحسب المصادر، فقد بدأت الاتصالات بالفعل في هذا الملف بدعم من المجلس القومي للمرأة، ومن الأفكار المطروحة بشأنه تشكيل لجنة قانونية دينية حقوقية معلنة لإعادة النظر في بعض المواد.

المساهمون