استراتيجية بريطانية نووية جديدة لمواجهة خطر الصين وروسيا

17 مارس 2021
يريد جونسون الاستدارة شرقاً في مرحلة ما بعد بريكست (Getty)
+ الخط -

بعدما كان النقاش في بريطانيا مرتفعاً في أواخر العقد الماضي، حول تخفيض الترسانة النووية، وصولاً حتى لإمكانية أن يصبح هذا البلد أول دولة نووية تلتزم كاملة بالمادة السادسة لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية "أن تي بي"، بدلت الحكومة اليمينية المحافظة، التي يقودها بوريس جونسون، رؤيتها للسياسة الخارجية. وأعلنت بريطانيا أمس الثلاثاء، رسمياً، اعتزامها زيادة مخزونها من الأسلحة النووية، في تغيير جذري لسياستها لنزع هذا السلاح بعد نهاية الحرب الباردة. وجاء الإعلان لدى كشف الحكومة عن مراجعتها للشؤون الدفاعية والأمنية والسياسية الخارجية، في زمن "التهديدات الناشئة"، وفي مواجهة الخطر المتصاعد من روسيا والصين، ما يجعل حتمياً، من وجهة نظرها، ضرورة زيادة مخزونها من الرؤوس النووية بنسبة 40 في المائة، أي من 180 رأساً نووياً إلى 260. ويأتي الإعلان في العام الأول على دخول هذا البلد مرحلة ما بعد "بريكست". وتتضمن المراجعة تأكيداً على الشراكة الأميركية – البريطانية، وعلى الشراكة الاستراتيجية مع أوروبا، لكنها تؤكد تحول الاهتمام البريطاني إلى النظر إلى منطقة الهندي – الهادئ، كمركز لتعميق العلاقات الاقتصادية والدفاعية والاستراتيجية. كما تركز المراجعة على تعزيز المنافسة العلمية والتكنولوجية، لاسيما مع تنامي النفوذ الصيني حول العالم. وفي لهجة صارمة تجاه روسيا، وصفت المراجعة نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "خطر ناشط"، فيما حدّدت الصين كـ"تحدٍ وجودي مستمر". ووصف جونسون أمس، أمام البرلمان، مقاربة حكومته في سياستها مع الصين بـ"المتوازنة". وعلى الرغم من اعتبارها خطراً كبيراً، إلا أن لهجته "البراغماتية" حيالها، أثارت امتعاض الصقور داخل حزبه.

صنفت بريطانيا روسيا خطراً ناشطاً والصين تحدياً وجودياً

وكانت صحيفة "الغارديان"، قد كشفت أول من أمس الإثنين، عن مضامين نسخة مسربة من المراجعة الحكومية المؤلفة من 100 صفحة، والتي تأجل الإعلان عنها مرّات عدة بسبب ظروف كورونا. وذكرت المراجعة، وفق ما أكده جونسون أمس في مداخلته أمام مجلس العموم البريطاني، أن بلاده تخطط لزيادة عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها لصواريخها البالستية "يو جي أم – 133 ترايدنت 2"، المشغلة للغواصات من فئة "فانغارد" (أس أس بي أن أس)، بمعدل أقصى يصل إلى 260 رأساً نووياً. وجاء الإعلان إلى حدّ ما مفاجئاً، إذ أنه حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، ظلّت الحكومة تحدد هدفها بـ"تخفيض" هذه الرؤوس، على ألا يتخطى أبداً الـ180 رأساً حتى منتصف عشرينيات القرن الحالي، وفي الوقت ذاته، تقليص عدد الرؤوس المتاحة عملياً إلى 120. وليس واضحاً بعد السبب وراء بحث بريطانيا اليوم عن توسعة ترسانتها للرؤوس النووية، والذي يؤجج سباق التسلح النووي مجدداً في المنطقة، وذلك بعدما كان عدد رؤوسها النووية قد وصل إلى أعلى رقم له في أواخر سبعينيات القرن الماضي (حوالي 500 رأس نووي)، ليعود للانخفاض بشكل ثابت منذ نهاية الحرب الباردة. وتمهد الزيادة لصرف 10 مليارات جنيه الإسترليني لإعادة التسليح، كرد على "أخطار من الصين وروسيا". كذلك تعتزم بريطانيا استبدال غواصات "فانغارد" الأربع، المشغلة من البحرية الملكية البريطانية، والتي دخلت الخدمة في تسعينيات القرن الماضي، بعدد مطابق من طراز "دريدنوت" ابتداء من بداية العقد المقبل، بميزانية تصل إلى 43 مليار جنيه إسترليني. ولا تزال قوة "رؤوس ترايدنت" البريطانية، مصنفة سرّية. وكانت بريطانيا تأمل في استبدال رؤوس "دبليو 76 مستمدة"، بـ"دبليو 93"، الذي يحتاج إلى دعم وتمويل من الولايات المتحدة، على الرغم من المعارضة التي أبداها الديمقراطيون في واشنطن.

ويعتبر التحديث السريع في روسيا للترسانة العسكرية، المحرك الرئيسي وراء الاندفاعة البريطانية لرفع مخزونها من الرؤوس النووية. لكن نشاطات روسيا، العسكرية، المعلنة وغير المعلنة، ومنها داخل الأراضي البريطانية (محاولة اغتيال العميل سيرغي سكريبال)، أصبحت أيضاً مصدر قلق متنامٍ للندن. وبحسب "الغادريان"، فإن السبب أيضاً هو تأكيد الالتزام للولايات المتحدة بشأن النسخة الجديدة من الرؤوس النووية. وتحذر المراجعة من "خطر واقعي" أيضاً، يتمثل في أن تنجح "مجموعة إرهابية في إطلاق هجوم كيميائي أو إشعاعي أو نووي" بحلول 2030.

ركزت الحكومة على تعزيز المنافسة العلمية والتكنولوجية

وتملك بريطانيا مخزوناً من الرؤوس النووية أقل من روسيا (4300)، ومن الولايات المتحدة (3800)، ومن الصين (حوالي 320). ولكن بحسب "الغارديان"، فإن كل رأس نووي تملكه تقدر قوته الانفجارية بـ100 كيلوطن (قنبلة هيروشيما قوتها كانت حوالي 15 كيلوطنا). وذكرت المراجعة أن "قوة ردعية ذات مصداقية ومستقلة ومقلصة، هدفها تقديم قوة دفاعية للناتو، تبقى أساسية لضمان أمننا وأمن حلفائنا". لكن هذه الخطوة واجهت اعتراضاً من حملات نزع السلاح النووي المحلية، كما من الحزب الوطني الاسكتلندي. واتهم المتحدث الدفاعي باسم الحزب، ستيوارت ماكدونالد، حكومة جونسون بانتهاج سياسة دفاعية "عفا عليها الزمن". في المقابل، أكدت المراجعة خفضاً في عديد الجيش البريطاني ليصل إلى 72,500 ألف عسكري.
وقال جونسون أمام البرلمان، إن مراجعتنا تهدف إلى توضيح التصور حول كيفية دعم تحالفاتنا، وتعزيز قدراتنا، وتعلم كيفية إيجاد طرق لمواجهة دول منافسة. وأكد مكتبه أنه سيزور الهند في إبريل/نيسان المقبل، ضمن التحول للاستدارة نحو الشرق. كما ستتقدم بريطانيا بطلب للحصول على وضع الشريك في رابطة دول جنوب شرق آسيا. وأوضح جونسون إن بلاده ستعمل مع الصين عندما يكون ذلك "متناسباً مع قيمنا ومصالحنا"، بما فيه "بناء علاقات أقوى وأكثر إيجابية" اقتصادياً، والعمل على تصحيح الخلل المناخي. وأضاف أمام محلس العموم: "يجب أن نحافظ على قيمنا، وعلى مصالحنا"، مؤكداً أنه "لا مجال للشك من أن الصين، ستشكل خطراً كبيراً على المجتمعات المنفتحة مثل مجتمعنا".
من جهته، برر وزير الخارجية دومينيك راب، رفع مخزون الرؤوس النووية، بالقول إنه "مع الوقت، فإن الظروف والتهديدات تغيرت، ويجب أن نحافظ على مستوى ذات مصداقية من قوة الردع، لتأمين السياسة الضامنة الأمثل ضد أسوأ الاعتداءات من الدول المعادية". وذكرت المراجعة للسياسة الخارجية بالإجمال الصين، 29 مرة، روسيا 14 إيران، كوريا الشمالية ثماني مرات، إيران أربع مرات.