ازدواجية بعض نخب سورية

22 سبتمبر 2023
تتواصل تظاهرات السويداء منذ أكثر من شهر (العربي الجديد)
+ الخط -

في الآونة الأخيرة ارتفع منسوب الشتائم والاتهامات بحق حراك السويداء. بعض الأصوات تعيد عن عمد أسئلة صيغت في 2011، عن المثقفين وثقافة حراك السويداء. ففي ذلك العام، وما تلاه، عمل النظام السوري ومؤيدوه على تسخيف أي مطالب بالتغيير، بناء على فكرة العمالة "مقابل 500 ليرة وسندويشة فلافل". واليوم بالقدر الركيك نفسه، يُرمى أهل السويداء بالتهم نفسها، مضافا إليها "الانفصالية"، وتخيلات أخرى كثيرة استدعيت من أدراج الماضي.

من الطبيعي ألا تُنتج بنية نظام بشار الأسد سرديات غير تلك القائمة على أنه الخلاص الدائم، بناء على ما قرأته بعناية أنظمة الاستبداد عند جورج أورويل في رواية "1984". فالنظام يهوّل ويشوش، ويصوّر مكونات الشعب السوري وكأنها تحمل خناجر خلف ظهورها، بانتظار الانقضاض على بعضها. إلى جانب انخراط رهط بعينه في إثبات روايته عن "تبادلية الأمن" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ونظرية حماية الأقليات، والخدمات الجليلة للمخابرات الغربية بحجة "الإرهاب".

يغفل مطلقو الاتهامات تجاه السويداء اليوم، أو بقية السوريين بالأمس، عن أن كل سردية يخرجون بها تنسف تماماً فكرة أن "البعث" (كقائد للدولة والمجتمع)، والأصح أجهزة الأمن، كان قادراً على إنتاج مجتمع متعايش بمكوناته المتعددة. والحقيقة هي كذلك منذ انقلاب ما يسمى "الحركة التصحيحية"، بتأليب مدن وأرياف ومكونات مختلفة على بعضها، بل والإمعان في تزوير نوايا أفراد ومجموعات المجتمع.

أمام ذلك، يعيد حراك السويداء التذكير بازدواجية بعض نخب المثقفين واليساريين، وأدوارهم في تحرر مجتمعهم من الاستبداد. فبعضهم، إلى جانب مُستقطبين عرب إلى فكرة أن نظام دمشق "ممانع" و"قومي عروبي"، برروا خذلان الثورة السورية بحجج كثيرة. إحداها تلك التي تأففت من خروج التظاهرات من المساجد، لاتهام الثورة بالطائفية والرجعية والعمالة للخارج. فـ"نخب التنظير"، ممن ساهموا في التزوير التاريخي، يواصلون الأدوار المعاكسة لادعاء الارتباط بالجماهير.

من الواضح أن غياب سلطتي التشبيح وعدّ أنفاس البشر في السويداء، مثلما أنتجت أهازيج إبراهيم القاشوش وعبد الباسط ساروت في حماة وحمص قبل 12 سنة، تنتج فيها، وحيث يتاح للناس التعبير بحرية، مشهدية ثورية، تعيد سيرة طلب الحرية كثابت لا يتبدل.

على كل، لثلاثين يوماً والسويداء تذكّر رهط التباكي، فناً وكتابة وشعراً وثقافة سياسية-اجتماعية، وادعاءات حزبية-أيديولوجية، على معاناة الإنسان، أن الفرصة التي قدمتها ثورة 2011 متواصلة اليوم، للتخلص مرة وإلى الأبد من قراءة سورية كإقطاعية وراثية أسدية، ولتأسيس وطن حر لكل أبنائه، بعد مخاضات عسيرة لا بد منها.

المساهمون