قبل ساعات من توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً، بين لبنان وإسرائيل، المقررة غداً الخميس، لم ينهِ الجانب اللبناني بعد الترتيبات داخلياً، لا سيما بشأن الوفد الرسمي إلى الناقورة؛ مقر قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وسط تباينات حول هوية أعضائه، وما إذا كان سيضم مدنيين أو عسكريين أو خليطاً من كليهما. يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه شركة "إنرجين" بدء إنتاج الغاز في حقل كاريش البحري.
وعادت التباينات حول هوية الوفد اللبناني، كما حصل إبان اختيار الوفد المفاوض في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إذ يفضّل فريق "حزب الله" و"حركة أمل"، برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، أن يكون الوفد عسكرياً، رغم امتعاض لم يعد خفياً داخل المؤسسة العسكرية من طريقة إدارة ملف الترسيم، وإبعاد هذه المؤسسة عن المفاوضات، التي تحولت من الجانب التقني إلى السياسي بعد تكليف نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب به، ولم يُؤخَذ بموقف الجيش الذي يتمسّك بالخط 29 بدل الخط 23 الذي اعتمد، وبتعديل المرسوم 6433 الذي يمنح لبنان مساحات بحرية إضافية، تزيد عن تلك التي سيحصل عليها اليوم بموجب الاتفاق المرتقب توقيعه.
وأكدت مصادر قيادة الجيش اللبناني، لـ"العربي الجديد"، أنه حتى اللحظة لا تمثيل للمؤسسة في الوفد، ولم يصل إليها أي تبليغ في هذا الخصوص.
وأشارت مصادر قيادة الجيش، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ دور المديرية حتى اللحظة يرتكز على منح الأذونات للإعلاميين بتغطية الحدث في الناقورة، لكن بعيداً من مكان توقيع الاتفاقية، مع تنفيذ الإجراءات الأمنية المعتادة من تسيير دوريات وما شابه، إلا في حال طرأت أي تطورات أو تعليمات أخرى في الساعات المقبلة.
الوسيط الأميركي
من جانبه، يقول مصدرٌ مسؤول في قصر بعبدا الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ أسماء الوفد لم يتفق عليها بعد، والموضوع سيُحسم اليوم، والأمر هو نفسه على مستوى المراسيم، والتحضيرات كلها، مؤكداً في المقابل أنّ الرئيس اللبناني ميشال عون سيستقبل الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، عند الساعة التاسعة من صباح يوم غد الخميس، في القصر الجمهوري، ليتسلّم منه الرسالة الأميركية النهائية، ويجيب على ضوئها برسالة ثانية مذيّلاً موافقته عليها، على أن ينقلها الوفد اللبناني إلى الناقورة.
السفارة الأميركية في بيروت، قالت، اليوم الأربعاء، في بيان لها، إنّ "هوكشتاين يزور لبنان اليوم لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية التاريخية لوضع حدود بحرية دائمة بين لبنان وإسرائيل".
وأشارت إلى أن "هوكشتاين سوف يجتمع في بيروت بالرئيس عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للتعبير عن امتنانه لكل منهم على روح التشاور والانفتاح التي ظهرت خلال المفاوضات، والتي تم وضع أسسها في اتفاق الإطار سنة 2020 بقيادة بري".
وأضافت "بعد ذلك سوف يزور هوكشتاين الناقورة لاتخاذ الخطوات النهائية لدخول اتفاق إسرائيل ولبنان حيز التنفيذ. ومن ثم سيقدم الطرفان إحداثيات بحرية إلى الأمم المتحدة بحضور الولايات المتحدة".
ولفت سفارة الولايات المتحدة في بيانها إلى أن "هوكشتاين سيتوجه بعد ذلك إلى إسرائيل حيث سيلتقي برئيس الوزراء يائير لبيد، ويشكره وفريقه على دبلوماسيتهم المثابرة والمبنية على المبادئ من أجل التوصل إلى حل بشأن هذا الملف الحساس".
ويحرص الجانب اللبناني على أن لا يجتمع الوفدان على طاولة واحدة، ليكون لكل طرف مكان مستقل للقاء هوكشتاين، برعاية أممية، والتوقيع على الاتفاقية، مع التشدد في إبقاء ذلك بعيداً عن عدسات الإعلام.
مصدر في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، قال، لـ"العربي الجديد"، إنّ "دور اليونيفيل، الخميس، سيكون لوجستياً فقط، باعتبار أنّ الحدث سيكون برعايتها، لكنها في المقابل تنظر بإيجابية إلى توقيع الطرفين على الاتفاقية، ما يفترض أن تكون لها تأثيرات إيجابية على الاستقرار الأمني والهدوء على الحدود".
إسرائيل تبدأ إنتاج الغاز في كاريش
في غضون ذلك، أعلنت شركة إنرجين عن بدء إنتاج الغاز في حقل كاريش البحري، الذي تضمنه اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان.
وقالت الشركة، اليوم الأربعاء، في بيان أوردته "رويترز"، "يسرنا أن نعلن إنتاج أولى كميات الغاز من حقل كاريش قبالة سواحل إسرائيل بأمان... ويتزايد تدفق الغاز باطراد".
وكانت وزارة الطاقة الإسرائيلية قد قالت، في بيان، إنّ إسرائيل منحت، الثلاثاء، شركة "إنرجين" الإذن لبدء الإنتاج من حقل كاريش البحري للغاز.
وكانت "إنرجين" قد قالت إنه من المقرر أن تبدأ وحدتها العائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ في كاريش في الربع الثالث، لكنها لم تذكر موعداً محدداً.
ياتي إعلان "إنرجين"، اليوم الأربعاء، قبل يوم واحد من توقيع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية، ما يفتح المجال أمام الاستغلال التجاري لحقول الغاز في شرق المتوسط.
وبحسب "فرانس برس"، قال الرئيس التنفيذي لشركة "إنرجين" ماثيوس ريجاس، في بيان "لقد قمنا بتنفيذ مشروع تاريخي يجلب المنافسة إلى سوق الغاز الإسرائيلي ويعزز أمن الطاقة".
وأضاف "الإمدادات في منطقة شرق البحر المتوسط توفر طاقة نظيفة وبأسعار معقولة من شأنها إحداث تأثير مادي على البيئة".
ينص الاتفاق على أن يكون حقل كاريش البحري تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن يمنح حقل قانا إلى لبنان، لكن بما أنّ جزءاً من الحقل الأخير يتجاوز خط الترسيم المستقبلي، ستحصل إسرائيل على حصة من الإيرادات المستقبلية من استغلاله.
وتبعاً للاتفاقية التي سيوقع عليها الجانبان اللبناني والإسرائيلي، غداً الخميس، يقدّم كل طرف، في الوقت نفسه، رسالة تحتوي على قائمة بالإحداثيات الجغرافية ذات الصلة بترسيم خط الحدود البحرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في اليوم الذي يتلقى فيه رسالة الولايات المتحدة، كما يتعين على الطرفين إخطار الولايات المتحدة عند تقديم رسالتيهما إلى الأمم المتحدة.
وتحلّ الاحداثيات الواردة في مراسلة كل من الطرفين إلى الأمم المتحدة محلّ الاحداثيات الواردة في المذكّرة التي رفعتها إسرائيل إلى المنظمة الأممية، في 12 يوليو/ تموز2011، بشأن النقاط المحددة: 34 و35 و1، ومحل الخريطة والإحداثيات التي تضمنتها المذكّرة المرسلة من لبنان إلى الأمم المتحدة، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، بشأن النقاط المحددة: 20، 21، 22، 23.
ولا يجوز أن يقدّم أي من الطرفين مستقبلاً إلى الأمم المتحدة أي مذكّرة تتضمّن خرائط أو إحداثيات تتعارض مع هذا الاتفاق، ما لم يتفق الطرفان على مضمونها.
ويقرّ الطرفان أيضاً على أن هذا الاتفاق يرسي حلّاً دائماً ومنصفاً للنزاع البحري القائم بينهما.
يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في التاريخ الذي ترسل فيه حكومة الولايات المتحدة الأميركية إشعاراً يتضمّن تأكيداً على موافقة كلا الطرفين على الاحكام المنصوص عليها في هذا الاتفاق.
بدأت في عام 2020 المحادثات غير المباشرة بين الجانبين اللذين ما زالا في حالة حرب نظرياً.
وأشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بالاتفاق الذي وصفه بأنه "اختراق تاريخي".