احتمالات عودة الاستيطان والحكم العسكري إلى غزة

24 نوفمبر 2024
نازحون فلسطينيون فروا من شمال قطاع غزة سيراً على الأقدام، 17 نوفمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد شمال غزة عمليات عسكرية مكثفة تهدف إلى تدمير البنية التحتية وإجبار السكان على النزوح، متجاوزة الأهداف المعلنة لتفكيك حماس، مما يثير مخاوف من نوايا لفرض حكم عسكري أو إعادة الاستيطان.
- تتماشى العمليات مع "خطة الجنرالات" لتفريغ شمال غزة بالقوة، مدعومة من تيارات استيطانية، وتواجه مقاومة دولية ومحلية قد تعيق تنفيذها بالكامل.
- رغم إمكانية نجاح الاحتلال في المدى القريب، إلا أن ارتباطها بالائتلاف اليميني بقيادة نتنياهو يجعل من الصعب تحقيقها على المدى البعيد بسبب الفضائح السياسية والإخفاقات العسكرية.

من الواضح أن ما يحدث حاليًا في شمال محافظة شمال قطاع غزّة؛ التي تشمل مخيّم جباليا وبيت لاهيا والمشروع وبيت حانون، من عمليةٍ ممنهجةٍ للتدمير والتجويع، وقتل أشكال الحياة كلّها، وإجبار المواطنين بالقوّة المسلحة الغاشمة على النزوح والتوجه جنوبًا، حيث يدعي الاحتلال أنّها "مناطق آمنة"، أو إلى مدينة غزّة، ليس مجرد عمليةٍ عسكريةٍ روتينيةٍ، كما في العمليات السابقة التي نفذها جيش الاحتلال، منذ بداية العام الحالي، في إطار عدوان الإبادة المستمرة منذ أكثر من عامٍ.

رغم إعلان المتحدثين باسمي حكومة الكيان وجيشه أنّ هدف العملية العسكرية في شمال المحافظة الشمالية لغزة ّ هو تفكيك البنية التنظيمية والعسكرية والإدارية لحركة حماس، التي أُعيد تشكيلها في الآونة الأخيرة، إلّا أنّ الواقع على الأرض يختلف كلياً عن ادعاءات الاحتلال الرسمية، فالتدمير المنظم والشامل لأحياءٍ كاملةٍ في مخيّم جباليا والأحياء المحيطة به، وإجبار قاطنيها على النزوح والرحيل تحت حمم الموت التي تنفث بها الآلة العسكرية الجبارة، لا يعني سوى تنفيذ مخطط تفريغ منطقة شمال قطاع غزّة على مراحلٍ، وفصله كلّيًا عن وسط وجنوب القطاع بقاطعٍ عسكريٍ في محور الشهداء "نتساريم" جنوب وادي غزّة، إما لتسهيل فرض الحكم العسكري المباشر، أو فرض واقعٍ جديدٍ تمهيدًا لضمه مستقبلًا للأراضي المحتلة عام 1948، أو إقامة مستوطناتٍ جديدةٍ، أو على الأقلّ إعادة الحالة الاستيطانية إلى ما قبل عام 2005.

تنسجم عمليات التهجير الممنهج مع جوهر ما يُسمى بـ"خطة الجنرالات"، أو خطة رئيس المجلس القومي السابق، الجنرال الاحتياط "غيور آيلاند"، التي تشير إلى مخططٍ لتفريغ شمال قطاع غزّة بالقوّة العسكرية، تتويجًا ملموسًا لعدوان الإبادة على قطاع غزّة، وتحقيق ما يُسمى بـ"النصر المطلق"، بعد الفشل في إنجاز أيٍّ من أهداف الاحتلال المعلنة، وفي مقدمتها تدمير المقاومة، أو استسلامها، وعودة الأسرى الصهاينة من غزّة. كما تنسجم أيضًا مع سعي جماعاتٍ استيطانيةٍ، من التيارات القومية الدينية الصهيونية، إلى إقامة بؤرٍ استيطانيةٍ على أطراف أقصى شمال غزّة، بدفعٍ من كلٍّ من حزب الصهيونية الدينية، بقيادة المهووس بالاستيطان بتسلئيل سموتريتش، وحزب القوة اليهودية، بقيادة الفاشي إيتمار بن غفير؛ شركاء بنيامين نتنياهو في الائتلاف الحكومي، والناطقين غير الرسميين باسمه.

قد تنجح مساعي جيش الاحتلال في تنفيذ خطة الجنرالات، أو أجزاءٍ منها، وفقًا لمجريات الأمور على الأرض، ومستويات ردة الفعل الدولية

بالعودة إلى الوراء قليلًا، فإنّ إعادة احتلال شمال قطاع غزّة والاستيطان فيه، أو تحويله إلى منطقةٍ عسكريةٍ خالصةٍ، قد راودت أفكار اليمين الفاشي المتطرف منذ الانسحاب العسكري عام 2005، فقد عرض نتنياهو بعد تسلمه زمام الأمور، رئيسًا للوزراء عام 2009، على الرئيس المصري الراحل، حسني مبارك، خلال لقاءٍ خاصٍّ في شرم الشيخ، وفقًا لما ذكر مبارك نفسه في مقابلةٍ خاصّةٍ بعد خلعه عام 2011، مطالب وتمنيات بتوسيع قطاع غزّة نحو منطقة شمال غرب سيناء، ودفع جزءٍ من سكان غزّة نحو الهجرة والإقامة فيها، وتحويل وادي غزّة إلى حدودٍ جديدةٍ مع الأراضي المحتلة عام 1948، طبعًا وكما أكد مبارك في المقابلة نفسها أنه رفض ذلك رفضًا قاطعًا.

طلب جيش الاحتلال من سكان شمال قطاع غزّة كلّهم النزوح إلى مناطق القطاع الأخرى، جنوب وادي غزّة، كما أشار الكاتب الأميركي بوب ودورد (الذي يتمتع بمصداقية عالية)، في كتابه الذي صدر الشهر الماضي بعنوان "الحرب"، إذ كتب أنّ نتنياهو ومعه القيادة السياسية الفاشية، والمؤسسة العسكرية كانوا يخططون لدفع سكان القطاع، بعد طردهم من شمال القطاع وحشرهم في منطقة جنوب الوادي، إلى مصر، بمساعدة الإدارة الأميركية، إلّا أنّ النظام المصري، لاعتباراتٍ داخليةٍ، قد رفض المخطط، وعزز قواته العسكرية على طول الحدود مع القطاع.

قد تنجح مساعي جيش الاحتلال في تنفيذ خطة الجنرالات، أو أجزاءٍ منها، وفقًا لمجريات الأمور على الأرض، ومستويات ردة الفعل الدولية، فقد يكتفي جيش الاحتلال، تحت ضغطٍ دوليٍ، بما قام به من عملية تطهيرٍ عرقيٍ، وإبادةٍ جماعيةٍ في محافظة شمال غزّة، بما يجعل الحياة شبه مستحيلة فيها، ويمثّل بيئةً طاردةً تمهد للهجرة الطوعية ظاهريًا. ومن ناحية أخرى؛ قد يبقى جيش الاحتلال في المنطقة، كي يصبح بقاؤه ورقة ضغطٍ ومساومةٍ في مفاوضات إنهاء الحرب، وإبرام صفقة للتبادل.

لكن إعادة الاستيطان في غزّة شيءٌ، ومخططات التهجير، بالقوّة العسكرية الغاشمة، شيءٌ آخر، لأنّ فكرة إعادة الاستيطان في غزّة مرتبطةٌ عضويًا بالائتلاف اليميني الفاشي الحالي، خصوصًا حزبي الصهيونية الدينية والقوة الصهيونية، وبمجموعةٍ من فاشيي حزب الليكود، الذي يمثّل مظلةً لائتلاف نتنياهو الحاكم، بمعنى أن المخطط قد لا يرى النور، أو قد لا يتحول إلى واقعٍ في حال سقوط الحكومة الفاشية الحالية خلال العام القادم، على خلفية سلسلة الفضائح التي طاولت ديوان رئاسة الوزراء في دولة الاحتلال في الآونة الأخيرة، التي يشتبه بأنّ نتنياهو ضالعٌ فيها بطريقةٍ أو أخرى، بل وربّما العنصر المركزي فيها. كذلك؛ وحتّى لو لم تسقط حكومة نتنياهو، وأكملت دورتها حتّى خريف 2026، فإن حظوظه للفوز مرّةً أخرى في الانتخابات، وتشكيل ائتلافٍ يمينيٍ جديدٍ تبدوا صعبةً جدًا، بسبب سلسلة الفضائح الأخيرة، وإخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه، الذي سيتحمل نتنياهو الجزء الأكبر من مسؤوليته مهما تلاعب، وقام بمناوراتٍ، أو مراوغاتٍ سياسيةٍ وإعلاميةٍ.

في المحصلة فإنّ عودة الاحتلال المباشر، وفرض الحكم العسكري على منطقة شمال قطاع غزّة، أو عودة الاستيطان إلى مناطق محددةٍ فيه، قد ينجح كلّيًا أو جزئيًا على المدى القريب، غير أن ارتباط المخطط بنتنياهو وشركائه الفاشيين من اليمين القومي الديني المتطرف، قد يجعل من تطبيق المخطط أمرًا صعبًا على المدى البعيد.

المساهمون