كشفت مصادر مصرية سياسية، وأخرى تنفيذية، عن جوانب من الخطط والسيناريوهات المختلفة التي تخضع لمناقشات وتعديل وتغيير بشأن تعامل النظام المصري مع أزمة الاحتجاجات الشعبية المستمرة لأكثر من أسبوع، في الوقت الذي تستمر تحذيرات الأجهزة الاستخبارية والأمنية من الوصول لمرحلة فقدان السيطرة على إدارة هذه الأزمة بطريقة لا تخلو من خسائر فادحة للنظام يصعب التنبؤ بها. وأكدت هذه المصادر أن غرفة العمليات الرئيسية التي تشرف على متابعة الأحداث التي تشهدها البلاد منذ 20 سبتمبر/ أيلول الحالي، يتولى الإشراف المباشر عليها العميد محمود السيسي، نجل الرئيس المصري، الذي توسع نفوذه مجدداً في منتصف العام الحالي.
وأشارت المصادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه ضمن نقاط اتفاق قليلة بين الجهات التي تستشيرها دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن الأبرز منها هو أنه لا بديل عن تقديم تنازلات للشرائح الأكثر تضرراً من حزمة إجراءات اقتصادية تم تنفيذها خلال الفترة الأخيرة، في مقدمتها ما يعرف بـ"قانون التصالح" (في مخالفات البناء).
اتفاق في دائرة السيسي على أنه لا بديل عن تقديم تنازلات للشرائح الأكثر تضرراً من حزمة الإجراءات الاقتصادية
وأوضحت المصادر أنه تمّ تكليف محافظ الجيزة أحمد راشد، بالاجتماع مع أصحاب مصانع الطوب الطفلي في مراكز الصف وأطفيح والعياط، والتي توجد فيها النسبة الأكبر من مصانع الطوب الطفلي على مستوى الجمهورية، وذلك لتهدئتهم والاتفاق معهم على إعادة تشغيل المصانع بعد توقفها نتيجة لقرار رئيس الجمهورية الذي أوقف عمليات البناء على مستوى الجمهورية لـ6 أشهر.
وبحسب المصادر، فقد صدرت تعليمات صارمة لرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء إيهاب الفار، بالحصول على كل إنتاج مصانع الطوب الطفلي من مصانع مناطق جنوب الجيزة، للمشروعات القومية في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة، وغيرها من المشروعات، على الرغم من اعتماد المشروعات بتلك المدن على الطوب الإسمنتي، وليس الطفلي. إلا أن القرار كان واجباً، بتعبير المصادر، لاحتواء غضب تلك المناطق التي خرجت فيها التظاهرات على مدار 6 أيام بشكل متواصل، وشهدت أحداث عنف، وذلك خشية تحولها إلى ثورة شعبية، خصوصاً بعد سقوط قتيلين في أحداث يوم الجمعة الماضي في مدينتي العياط وأطفيح.
وأوضحت المصادر أن ما جرى مع مناطق جنوب الجيزة، سيتم تكراره مع مناطق عدة على مستوى الجمهورية بعد ملاحظة حدّة الغضب بها، مثل محافظة دمياط، حيث تمّ توجيه المحافظ هناك، منال عوض، بالاجتماع مع أصحاب الورش ومصانع الأثاث الصغيرة، للوقوف على مشاكلهم وحلّها من دون أي اعتراضات من جانب الجهات التنفيذية. وجاء ذلك في أعقاب موجة الغضب الشعبي، بسبب ملاحظات أبناء المحافظة التي يقوم اقتصادها الأساسي على صناعة الأثاث، وتضررهم بعد إنشاء مدينة الأثاث، التي افتتحها الرئيس أخيراً، وإلزام كافة العاملين في هذا المجال بضرورة نقل أنشطتهم إليها، وهو ما يصفه أبناء المحافظة بالمستحيل نظراً لارتفاع الكلفة.
وأكدت المصادر أن القيادة السياسية وجهت تعليمات لكافة النواب الحاليين في مجلسي النواب والشيوخ بضرورة النزول فوراً للدوائر، والاجتماع مع الأهالي والتأكيد عليهم بأن القيادة السياسية ستلبي كافة طلباتهم، وستعالج كافة السلبيات التي تغضبهم. كما كشفت المصادر أن النواب بدأوا في بثّ رسائل في دوائرهم بشأن صدور قرارات جديدة ذات صلة بمسألة غرامات التصالح خلال الأيام المقبلة، من شأنها الاستجابة لمطالبهم.
وقالت المصادر إن هناك اتجاهاً داخل مؤسسة الرئاسة ولجنة إدارة الأزمة التي يقودها نجل السيسي، بالتراجع عن قانون التصالح في مخالفات البناء، أو وقف العمل به لفترة، إلا أن هناك مخاوف من تلك الخطوة. وأشارت المصادر في الوقت نفسه إلى أنه تم الاستقرار على توجيه عدد من المؤسسات لإعلان تحملها نفقات التصالح عن المواطنين غير القادرين. وفي هذا الإطار، قالت المصادر إن القوات المسلحة ستعلن خلال أيام عن تحملها نفقات عدد كبير من الغرامات عن المواطنين من ميزانيتها الخاصة.
ستعلن القوات المسلحة عن تحملها نفقات عدد كبير من الغرامات عن المواطنين من ميزانيتها الخاصة
وأشارت مصادر قضائية إلى أن توجيهات غير مباشرة صدرت للنائب العام المصري حماده الصاوي، بضرورة إخلاء سبيل فئات من المتظاهرين، في مقدمهم الأطفال والسيدات المتقدمات في السن، ما لم تكن لهم انتماءات سياسية معروفة أو من المنتميين والمنتميات إلى جماعات دينية محددة، في إشارة إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، بسبب ما يمثله ذلك من مشاكل تزيد سمعة النظام القضائي تدهوراً خارج مصر. وأصدر النائب العام، أول من أمس الأحد، قراراً بإخلاء سبيل 68 طفلاً متهمين بالمشاركة في تظاهرات الحراك الشعبي التي حدثت الأسبوع الماضي في عدد من القرى والنجوع والعزب بثماني محافظات على مستوى الجمهورية. ويعتبر هذا الإعلان أول اعتراف من النيابة العامة بحبس أشخاص على ذمة التحقيق في القضية 880 لسنة 2020، رغم مرور أكثر من أسبوع على فتحها وبدء حبس مئات المعتقلين بسببها. وقال بيان للنيابة العامة إنها أخلت سبيل الأطفال بعد "أخذ التعهد على ولاة أمرهم بالمحافظة عليهم وحسن رعايتهم وعدم السماح لهم بارتكاب مثل تلك الأفعال مستقبلاً، وعدم تعريضهم إلى الخطر مجددا".
ومن مجموع معلومات من مصادر حقوقية مختلفة، رصدت "العربي الجديد" أن الأعداد التي عرضت حتى مساء الأحد على ذمة القضية 880 لسنة 2020 على نيابة أمن الدولة العليا، تجاوزت 420 شخصاً، صدرت قرارات جماعية بحبسهم على ذمة التحقيقات، عدا 6 أطفال من منطقة النوبة بأسوان تم إخلاء سبيلهم، واستمرار حبس المتظاهرين الآخرين الذين كانوا برفقتهم، بينما لا تزال هناك أعداد غير معروفة لمعتقلين في أماكن مختلفة، أبرزها معسكرات الأمن المركزي بالمحافظات.