لم يتردد المحتجون في محافظة السويداء جنوبي سورية في إغلاق مقرات حزب "البعث" الحاكم للبلاد منذ عام 1963، وإزالة صور لرأس النظام بشار الأسد من الميادين وواجهات المؤسسات الرسمية، في وقت يتجاهل فيه النظام هذا الحراك، معوّلاً، كما يبدو، على الوقت كيلا يُضطر إلى تقديم تنازلات سياسية يلحّ عليها المحتجون في بياناتهم.
وأغلق المحتجون في مدينة السويداء، أمس الأحد، بـ"بواسطة اللحام"، البوابة الرئيسية لقيادة فرع "البعث" في محافظة السويداء، وتم منع أعضاء الفرع من الدخول إليه، بعد إغلاق مقرات شُعب هذا الحزب وفرقه في كل بلدات المحافظة.
ورصد "العربي الجديد" وقوف محتجين أمام الدوائر والمؤسسات الحكومية في السويداء، والإصرار على إغلاقها، ومطالبة بعض الموظفين الذين حاولوا دخولها بالعودة إلى منازلهم. وفي السياق، رفض النائب العام في المحافظة فؤاد عزام مطالب المحتجين بإعادة فتح القصر العدلي لـ"تسيير شؤون المواطنين القضائية، وكيلا تتعطل مصالحهم".
هاني عزام: إغلاق فرع "البعث" وإزالة صور الأسد في السويداء ضربة كبيرة للنظام
واعتبر الناشط الحقوقي هشام أبو العز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصرف عزام كان متوقعاً، مشيراً إلى أنه "أحد أطراف تعطيل الدور القضائي في المحافظة، قبل انطلاق الحراك الثوري الحالي". وبرأيه فإن موقفه ليس مستغرباً، خصوصاً أن الجميع يعرف الدور الذي لعبه في تأييد النظام، منذ اندلاع الثورة في عام 2011.
المحتجون بالسويداء يرغبون في القطيعة مع كل ما يمثل النظام
وأزال محتجون أمس صورة للأسد كانت موجودة عند مدخل مدينة السويداء بالقرب من مقر فرع المخابرات الجوية، الجهاز الأكثر فتكاً بالسوريين، في مؤشر واضح على رغبة المحتجين في القطيعة مع كل ما يمثل النظام في محافظة السويداء.
واعتبر الناشط المدني هاني عزام، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إغلاق فرع حزب "البعث" وإزالة صور الأسد في السويداء "ضربة كبيرة للنظام"، مؤكداً أن المحتجين "قرروا إغلاق مقرات البعث بشكل كامل ونهائي وتحويلها إلى مراكز خدمية". ولفت إلى أنه حتى البعثيين أنفسهم انضموا إلى الحراك الثوري (سجل انضمام أكثر من أمين فرقة حزبية للحراك)، معتبراً أن "البعث" سقط في السويداء.
كما طالب المحتجون الدول العربية بعدم "تعويم النظام"، معتبرين أن منهجية "الخطوة خطوة" التي تتبعها دول عربية مع الأسد منذ عدة أشهر "تغرق البلد"، وفق إحدى اللافتات المرفوعة في ساحة الكرامة، حيث واصل المحتجون تجمعهم لليوم الثامن على التوالي.
الانتفاضة في السويداء مستمرة
في غضون ذلك، أصدر القائمون على "الانتفاضة الشعبية بالسويداء"، أمس الأحد، بياناً، أوضحوا فيه أن "الانتفاضة مستمرة"، مطالبين بـ"تغيير النظام وتطبيق القرار 2254 لتحقيق السلام المستدام"، مؤكدين أن "إغلاق فرع الحزب في السويداء وكافة المقرات الحزبية في مدن وبلدات وقرى المحافظة قرار لا رجعة فيه".
وأكدوا "إغلاق كافة الدوائر الحكومية باستثناء المياه والهاتف والكهرباء والخدمية منها"، و"إغلاق كافة المحلات التجارية حتى الساعة العاشرة صباحاً من كل يوم"، مشيرين إلى أنه "يُستثنى من الإضراب قطاع الصحة والتربية". وأشاروا إلى أن "طريق دمشق - السويداء يُفتح لتمرير الطحين والمحروقات والحالات الإنسانية والصحية والطلاب"، مؤكدين "سلمية حراكنا وأن تكون سورية موحدة بكل أطيافها ونرفض أي مشروع تقسيم".
ودعا شباب من عشائر محافظة السويداء إلى وحدة الصف، مؤكدين دعمهم للاحتجاجات الشعبية ومشاركتهم فيها. وجاء في بيان أصدروه، مساء أمس الأول السبت، ونشرته صفحة "السويداء 24"، أنّ أبناء عشائر البدو في جبل العرب انضموا إلى الحراك السلمي، ويؤكدون دعمهم "لكل من يتكلم بوجع الشعب السوري من أي طائفة كانت".
السويداء وصلت إلى نقطة اللاعودة مع النظام
وأعرب الناشط المدني ريّان معروف عن اعتقاده أن الحراك الثوري في السويداء واستمراره لأكثر من أسبوع "يؤكد أن المحافظة وصلت إلى نقطة اللاعودة مع النظام"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أن هذا الأمر تؤكده الشعارات وإغلاق مقرات "البعث" وإزالة صور الأسد.
ولا يستبعد معروف لجوء النظام إلى استخدام القوة في التعامل مع احتجاجات السويداء كما فعل في كل المحافظات السورية، لكنه رأى أن استعمال القوة من قبل النظام "يُنهي وجوده في جنوب سورية".
وأشار معروف إلى أن النظام "ربما يحاول خلق نزاعات أهلية وفتن، أو الاعتماد على مجموعات موالية تمتهن تجارة المخدرات للتعامل مع الشارع المنتفض". وقال: "ربما الحراك في السويداء لا يُسقط النظام، ولكن تطوره وانتقاله إلى مناطق سورية أخرى قد يكون له تأثير أكبر. السوريون أمام فرصة تاريخية للخلاص من هذا الاستبداد".
أحمد القربي: النظام لا يساوم على الإطلاق بشيء يخص السلطة
وما يزال النظام السوري يتعامل بحذر شديد مع الحراك الثوري في محافظة السويداء، يصل إلى حد التجاهل، حيث لم تتطرق وسائل الإعلام الرسمية التابعة له لهذا الحراك، في محاولة كما يبدو لإبقاء الباب موارباً مع أهل السويداء، الذين يؤجج حراكهم مخاوف النظام من انتقاله إلى مناطق أخرى، بما فيها الساحل، معقل الموالين للأسد.
ووفق مصادر في حراك السويداء، فإن النظام لم يتواصل على الإطلاق بشكل رسمي مع المشرفين على "الانتفاضة" في محاولة "ربما للتقليل من شأنها وعدم تقديم تنازلات".
ويوجه النظام، الذي كما يبدو يعوّل على الوقت لتراجع زخم الاحتجاجات، رسائله المبطنة من خلال كتاب أو شخصيات أو ناشطين تديرهم الأجهزة الأمنية، والتي وصلت حد التلويح بتسهيل دخول خلايا "داعش" إلى المحافظة. وكان التنظيم ارتكب في عام 2018 مجازر في ريف السويداء الشرقي انطلاقاً من البادية السورية، وهو ما اعتبره كثير من أهالي المحافظة رسالة واضحة من النظام، خصوصاً أنه لم تكن هناك إمكانية لتسلل خلايا التنظيم من دون تسهيلات.
النظام لن يُقدم تنازلات سياسية
ورأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام لن يقدم على أي تنازلات سياسية ذات معنى تحت ضغط الحراك في السويداء"، مضيفاً أنه ربما يقدم تنازلات في المجالات الخدمية، من قبيل تبديل المحافظ.
وبرأيه فإنه لا يمكن أن يقدم النظام تنازلات في مجال الحريات، أو إجراء تغييرات في بنية السلطة الأساسية. وأشار إلى أن "النظام الذي كان يزعم حماية الأقليات وأنها موالية له، لا يساوم على الإطلاق بشيء يخص السلطة"، موضحاً أن كل ما يتعارض مع فكرة بقاء بشار الأسد في السلطة لا يقبل به. وشدد على أن السلطة أولوية للأسد، لذا لن يقدم أي تنازل سياسي يؤثر على استمراره. بقاء عائلة الأسد في السلطة أمر غير قابل للتفاوض لديها.
وبرأي الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني فإن "السقف الوطني مرتفع في خطاب الحراك الثوري في السويداء، لذا لن يقدم النظام أي تنازلات لأبنائها".
وأشار إلى أن النظام "فاوض الشيخ حكمت الهجري (أحد الزعماء الروحيين في السويداء) على مجموعة من الامتيازات والخدمات التي يمكن أن يقدمها للمحافظة، لكن قوبلت بالرفض، لأن الحلول الإسعافية لم تعد تجدي نفعاً". ولفت إلى أنه لو كان النظام جاد في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسكان السويداء لافتتح معبراً حدودياً بين هذه المحافظة والجانب الأردني، وهو مطلب قديم تجدد في هذا الحراك.