احتجاجات إيران.. الإدارة الأميركية تشجب القمع وعينها على فيينا

23 سبتمبر 2022
حذَر أميركي في التعامل مع احتجاجات إيران (Getty)
+ الخط -

الانفجار المتوسعة دائرته منذ أسبوع بين الشارع والحكومة في طهران، بعد وفاة الشابة مهسا أميني، فاجأ أو ربما أربك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتوقيته. وقوعه في لحظة حساسة لمفاوضات النووي كان غير مناسب للإدارة، غير أنّ تدهور الوضع فرض عليها الرّد وشجب قمع السلطة الإيرانية، لكن بحدود محسوبة.

في البداية آثر المسؤولون الأميركيون الانتظار. في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أول من أمس الأربعاء، تجاهل الرئيس بايدن حادثة وفاة مهسا أميني التي احتجزتها "شرطة الأخلاق" في طهران، قبل يوم من خطابه والاحتجاجات التي أعقبتها، مع أنه خصّ إيران بمقطع صغير من كلمته، وهو الذي عادة لا يترك حادثة من هذا النوع من غير أن يشدّد على حق الإنسان في التظاهر السلمي.

لكن بعد تسارع الأحداث واحتدام المواجهة وتوسعها في إيران تغيّر المشهد، إذ حمّل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مسؤولية وفاة أميني لشرطة الأخلاق التي احتجزتها ولباقي الجهات التي تولّت قمع المتظاهرين.

 
السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد طالبت، أمس الخميس، "بمحاسبة المسؤولين" عن وفاة الفتاة الإيرانية، مع تأكيد "حرية التظاهر" كما حرية "الملبس".

وعلى الأثر، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على قائد شرطة الأخلاق في إيران وعلى مديرها في طهران، وحتى إن البعض في الكونغرس سارع إلى حث الوزارة على كسر العقوبات ومنح إجازة تصدير لأجهزة اتصالات إلكترونية إلى إيران، لضمان التواصل مع الحراك المناوئ للنظام، بعدما شدد هذا الأخير القيود على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لمنع الاتصال بالخارج.

حتى الآن ما زال هذا الخيار معلّقاً، ويبدو أنّ الإدارة غير راغبة حالياً في الإقدام على اختراق من هذا النوع قد يبدو بمثابة الدخول كطرف في المواجهة، فهي حتى الآن حرصت على الاكتفاء بخطوات ومطالبات محدودة. العقوبات جرى حصرها بالجهة الأمنية المعنية فقط، وكذلك المطالبة بالمحاسبة اقتصرت على المسؤولين الأمنيين.  

وهذا يشير إلى أنّ حسابات مفاوضات فيينا النووية حاضرة في التعامل الموزون مع الوضع الراهن في إيران، على الأقل حتى اللحظة. يضاف إلى ذلك أنّ واشنطن تعرف من السوابق أنّ انتفاضات من هذا النوع نهاياتها معروفة. "الانتفاضة الخضراء" في إيران عام 2009 كما حركة الاحتجاج في 2019، كلاهما وصل بعد جولات ساخنة ومكلفة إلى حائط مسدود.

التفسير، بحسب بعض العارفين بالساحة الإيرانية، أنّ الشرط الأساسي مفقود وهو أنه في إيران لا توجد "معارضة منظمة".

بيد أنّ القراءات والمتابعات الأميركية التي زاحمت في كثافتها، خلال اليومين الأخيرين، أخبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتلويحه بالنووي، ذهب بعضها إلى تشبيه وفاة الفتاة أميني بموت الأميركي من أصحاب البشرة الداكنة جورج فلويد في مايو/ أيار 2020، خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض. تلك الحادثة أثارت في حينه ردة فعل صاخبة في الشارع الأميركي ولمدة أسابيع، وصل معها الاحتقان العنصري إلى ما يقرب من معركة تحدٍّ مكشوف بين حركة الاحتجاج والرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب.
 
طبعاً المقارنة رمزية لا أكثر، لكن في تفسيرات الحالة الإيرانية يتحدثون أيضاً عن احتقان من نوع آخر تراكمت طبقاته بتضافر عوامل مختلفة تتوزع بين "حقوق المرأة وضغوط البطالة والتضخم والقمع الرسمي والتدهور المعيشي...". أدى ذلك إلى تأجيج حالات "الغضب والعزم على التحدي في صفوف الناشئة"، وهذا ما يفسر دموية المواجهة وانتشارها في عدة مدن إيرانية وحتى "المحافظة منها مثل مشهد"، كما يفسر إنزال قوات "الباسيج لمواجهة الشارع المتمرد المتميزة حركته هذه المرة "بدخول المرأة بقوة إلى الساحة وتنامي نزعة المواجهة عند الجيل الجديد"، بحسب صحافي إيراني مقيم في الخارج (في ندوة عقدتها مؤسسة بروكينغز للدراسات بواشنطن) وحتى بعض الأصوات من داخل إيران التي تم التواصل معها عبر الهاتف.

كل ما يجري في إيران يحظى عادة برصد مكثف في واشنطن، ولا سيما الحراك الجاري باعتبار أنّ ظروفه ومعطياته مختلفة عن ذي قبل، لكن من دون مراهنة على تحقيقه نتائج مختلفة.