يعقد حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي في المغرب، اليوم السبت، دورة استثنائية لمجلسه الوطني (برلمان الحزب)، وسط خلافات داخلية حادة وانتقادات لقيادته الحالية بشأن طريقة إدارتها، وكذا طريقة تعاملها مع "الهزات" التي تعرّض لها أخيراً، خاصة بعد توقيع اتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل، وإقرار الحكومة لقوننة القنب الهندي.
ويتوقع أن تعرف الدورة الاستثنائية لبرلمان "العدالة والتنمية"، التي تمتد ليومين، نقاشاً حامياً بين أعضائه المنقسمين، في وقت يرى فيه متابعون أن مستقبل الحزب الإسلامي سيتحدد من خلال مدى قدرة أعضاء المجلس الوطني على الوصول إلى جواب سياسي جماعي يعين على تسوية الخلافات الداخلية، ويجنب الحزب تصدع صفوفه قبل محطة الانتخابات القادمة.
كذلك ينتظر أن تعرف الدورة الاستثنائية نقاشاً في أثناء عرض ومناقشة طلب استقالة إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني، والتصويت عليها، و"مناقشة آخر المستجدات السياسية، واتخاذ المواقف اللازمة بشأنها".
ومن أبرز هذه المستجدات المطروحة ما أثاره تصويت مجلسي النواب والمستشارين على القوانين التي ستؤطر الانتخابات القادمة من جدل بين "بيجيدي" وباقي مكونات البرلمان المغربي، حيث يسعى الحزب إلى اتخاذ موقف سياسي تجاه حلفائه في الأغلبية الذين صوتوا لتعديل القاسم الانتخابي، وكذلك اتخاذ المبادرات السياسية، والقانونية، والدستورية المتاحة، في حال الإقرار النهائي له.
وفي السياق نفسه، يرتقب أن يعرف الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوطني كذلك مناقشة الوضع الداخلي للحزب في ظل خلافات حادة وأزمة داخلية وتوتر تنظيمي أحدثه توقيع الأمين العام للحزب سعد الدين العثماني، في 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على اتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل، فيما أحدث تصديق الحكومة على مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي المزيد من الانقسام بين قيادة الحزب وأعضائه، ما دفع رئيس المجلس الوطني، إدريس الأزمي الإدريسي، إلى تقديم استقالته من منصبه، ومن عضوية الأمانة العامة، ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران إلى التهديد بالاستقالة من الحزب في حال تصديق برلمانيي الحزب على المشروع.
إلى ذلك، لم تستبعد مصادر من الحزب، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن يتحول النقاش في المجلس الوطني إلى مساءلة للأمانة العامة ووزراء الحكومة، وقد يؤدي إلى إعادة طرح مقترح عقد مؤتمر استثنائي لتغيير القيادة الحالية، قبل الانتخابات، وهو المقترح الذي قال مصدر في الأمانة العامة، طلب عدم ذكر اسمه، إنه لا يحظى بإجماع داخل المجلس، لافتاً إلى أن محاولة سابقة لطرح عقد مؤتمر استثنائي باءت بالفشل، وهو الأمر الذي ينتظر تكراره خلال الدورة الاستثنائية بالنظر إلى سيطرة "تيار" الأمين العام سعد الدين العثماني على المجلس، وكذا صعوبة تنظيم مؤتمر على بعد أشهر قليلة من الانتخابات.
ويأتي عقد الحزب لدورة استثنائية لبرلمانه في ظل ظروف سياسية عصيبة توشك أن تعصف بتجربته الحكومية، وتطاول حتى تنظيمه الحزبي.
وتوجد أسباب وضعية الحزب في ترتيبات ما بعد تشكيل الحكومة الحالية التي أطاحت عبد الإله بنكيران، وأتت بسعد الدين العثماني على رأسها في عام 2017، وأيضاً في تعقيدات التدبير الحكومي والحزبي، وانحسار الاجتهاد السياسي.
وبحسب الباحث بلال التليدي، فإن "العدالة والتنمية" يعيش أزمة عميقة بعدما وصل الأمر إلى استقالات لقيادات من الصف الأول والثاني للحزب، بسبب مواقف وقرارات متعلقة بالتدبير الحكومي، وتهريب القيادة الحالية للحزب للنقاش بشأنها خارج التنظيم، ما جعل قيادات ونخباً في الحزب تنظر إلى ذلك على كونه ضعفاً في استقلالية القرار السياسي.
ويرى التليدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب يجد نفسه أمام سيناريوهين اثنين: الأول يتمثل في إمكانية أن تشكل الهزّات التي تعرض لها، أخيراً، عاملاً في توقيف المنحى التراجعي للحزب واستعادة جاهزيته للعملية الانتخابية القادمة، من خلال التفات القيادة الحالية إلى توفير الشروط التي يتعين خوض الانتخابات بها، ومعالجتها لإشكالية استقلالية القرار السياسي، ومنهجية التدبير الديمقراطي للنقاش داخل مؤسسات الحزب".
أما السيناريو الثاني، بحسب التليدي، فيتمثل في "إمكانية تعرض الحزب للانشقاق إذا لم تلتفت القيادة الحالية إلى الأصوات الضاغطة والقوية، التي يمثلها بنكيران والأزمي، خاصة في ظل وجود صدى واسع لموقفهما وغضب عارم من المواقف التي اتخذتها القيادة الحالية في الآونة الأخيرة".
من جهته، اعتبر الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، أن ما عاشه الحزب من استقالات وتهديد بها يعكس إلى حد كبير درجة الخلاف الداخلي، معتبراً أن "هذا الوضع سيجعل الحزب يشارك في الانتخابات القادمة مشتَّت الصفوف، لكن دون أن يتطور الأمر إلى انشقاق تنظيمي بالنظر إلى ما سيكلفه ذلك من خسائر سياسية فادحة لن تكون في مصلحة الطرفين في أفق خوض الانتخابات القادمة".
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، اعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن حزب "العدالة والتنمية" يعيش أسوأ أزماته على مختلف الأصعدة. وأضاف: "في انتظار المبادرات التي يمكن أن يقوم بها شيوخ حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية للحزب، وجنوح الأطراف إلى الحوار والتوافق كمخرج وحيد لهذه الأزمة، هناك حرص على ضرورة توحيد الجهود، بغية كسب الانتخابات، لكونها الضامنة لبقاء الإسلاميين في الحكومة، كذلك فإنها المخرج من المأزق التدبيري والسياسي الذي وقع فيه الحزب".