للأسبوع الثاني على التوالي، تتواصل تسريبات وسائل إعلام محلية كردية في إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد، عن زيادة ملحوظة في عمليات تجنيد أطفال من قِبل حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة في مخيم عربت، الواقع في ضواحي مدينة السليمانية.
هذا المخيم مخصص أساساً منذ سنوات عديدة للنازحين من الأكراد السوريين، ويقع على بُعد نحو 30 كيلومتراً جنوب شرق السليمانية على الحدود مع إيران، وبالتالي فإن بُعده عن الأراضي التركية يسمح لـ"العمال" بالتحرك فيه بشكل أسهل، وفق مراقبين عراقيين.
أنشطة لـ"العمال" داخل عربت
ونقلت وسائل إعلام عراقية كردية، بعضها مقرّب من حكومة أربيل، عن مسؤولين أمنيين في جهاز "الأسايش" (الأمن الداخلي الكردي)، وهو الذراع الأمني الأهم في إقليم كردستان العراق، قولهم إن "مخيم عربت الذي يصنف وفق الأمم المتحدة على أنه مركز مدني، ويحظى برعاية بعض المنظمات الدولية، بات يشهد أنشطة لحزب العمال الكردستاني منذ فترة".
وأضاف هؤلاء أن الحزب "أنشأ عدة خلايا تنظيمية هناك، وبدأ أخيراً بالسعي لإنشاء مجموعة مسلحة خاصة تحت مسمى (حماية المخيم)، ثم الاستيلاء عليه، ما يعني تحوّل المخيم إلى خزان بشري يخدم عناصر الحزب، من خلال تجنيد الأطفال فيه".
وتعليقاً على هذه المعلومات، أكد مسؤول رفيع في جهاز "الأسايش" بمدينة أربيل، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنها "صحيحة"، وأضاف: "لدينا معلومات أيضاً عن زيارات متكررة لبعض قادة العمال الكردستاني للمخيم، وهذا التحرك لهم يأتي بعدما باتت مواقعهم السابقة في مخمور وسنجار وقنديل مكشوفة للجيش التركي وتكبّدوا فيها خسائر كبيرة عبر العمليات الجوية أو البرية الخاصة لقوات كوماندوس تركية متمرسة في ضرب معاقل الحزب داخل تلك المناطق".
مسؤول في "الأسايش": تحرك "العمال" داخل المخيم بعدما باتت مواقعه السابقة مكشوفة للجيش التركي
ولفت إلى أن "مخيم عربت يخضع لحماية أممية وإشراف من وزارة الهجرة في بغداد"، مشدداً على "ضرورة الحفاظ على مدنيته وعدم تكرار مأساة مخيم مخمور في نينوى الذي تحوّل تدريجياً إلى معسكر لحزب العمال"، وأشار إلى أن "العمال الكردستاني ينتشر في معظم المناطق البعيدة عن مركز مدينة السليمانية، وله نفوذ في منفذ بنجوين مع إيران، لكن لا توجد قرارات بالتحرك لمنعه من ذلك".
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت الاستخبارات التركية عن قتل القيادية في "العمال الكردستاني" خديجة هزر، في عملية خاصة في مدينة السليمانية. كما نقلت وسائل إعلام عراقية عن جميل هورامي، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قوله إن هذه القيادية كانت في زيارة إلى مخيم عربت، وتم استهدافها بعد مغادرتها المخيم.
وتمكّن "العربي الجديد" من التواصل مع أحد موظفي ديوان محافظة السليمانية، الخاضعة لنفوذ حزب الاتحاد الكردستاني بزعامة بافل الطالباني، وقال إن "محاولات عدة جرت لتجنيد بعض الشبان والأطفال من قبل الكردستاني، لكن قوات حماية المخيم منعت ذلك خلال العامين الماضيين، لكن خلال الأسابيع الماضية تمكّن مسلحو العمال من استقطاب بعض الشبان".
وأكد أن "هذه المحاولات أجبرت عشرات الأسر على مغادرة المخيم، على الرغم من عدم توفر بديل أمامها، لكنها فضّلت المجهول والابتعاد عن مصادر الخطر التي يسبّبها العمال الكردستاني".
"العمال" ينفي تجنيد أطفال في عربت
في المقابل، نفى مسؤول لجنة العلاقات في "العمال الكردستاني" داخل العراق كاوه شيخ موس "أي وجود مسلح أو أي نيّة لتجنيد الأطفال في مخيم عربت"، وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الزيارات التي يقوم بها أعضاء الحزب هي تفقدية لأوضاع النازحين، إضافة إلى إيصال مساعدات للقاطنين هناك، لا سيما بعد تراجع الخدمات المقدّمة لهم من قبل حكومة إقليم كردستان".
واعتبر شيخ موس أن "هناك تجنّياً كبيراً على أي تحرك يقوم به الحزب، ولا بد من التأكد قبل نشر أي اتهامات"، وقال إن "وجود أعضاء الحزب أو القياديين فيه، في أي مؤسسة أو مدينة، هو أمر طبيعي، فهل من المعقول أن يتم منع عراقيين من التجول في بلدهم؟".
نفى مسؤول في "العمال" أي وجود مسلح أو أي نيّة لتجنيد الأطفال في مخيم عربت
من جهته، أشار عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحاكم في السليمانية، صالح فقي، إلى أن "المخيمات في السليمانية لا تزال تضم أكثر من 10 آلاف نازح، غالبيتهم من الأكراد السوريين، إلى جانب عراقيين مهجرين لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم"، وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المعلومات عن وجود حزب العمال داخل مخيم عربت ليست مؤكدة لغاية الآن، لكن أطرافاً سياسية كانت قد تحدثت عن هذا الأمر، وأن هناك جهات من بغداد تدعم وجودهم في المخيم لأسباب لا أحد يعرفها".
بدوره، قال المحلل السياسي الكردي حسين الجاف إن "العمال الكردستاني يسعى فعلاً إلى السيطرة والاحتماء بمخيم عربت الذي يقع في منطقة استراتيجية، فالمخيم قريب من مناطق وبلدات عدة، أبرزها كفري وكلار وسيد صادق، والغاية هي التمترس فيه من جهة، والاحتماء من الضربات التركية من جهة ثانية".
ورأى الجاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العمال الكردستاني يريد أن يتخذ من اللاجئين والنازحين درعاً بشرية لحمايته من الضربات الجوية التركية، وللأسف وجود الحزب يحظى بدعم عدد من الفصائل العراقية المسلحة، التي تعمل تحت غطاء الحشد الشعبي".
يُذكر أن العمليات التركية تستهدف مقار وتحركات عناصر "العمال الكردستاني" في عدة مناطق شمالي العراق، أبرزها العمادية وزاخو وجبل متين وآفشين وباسيان وجبل كيسته والزاب، شمالي دهوك وشرقي أربيل. وأدت هذه العمليات لغاية الآن إلى القضاء على العشرات من مسلحي الحزب وتدمير مقار ومخازن سلاح ضخمة تابعة له.