وسط التحديات التي تواجهها المعارضة السورية المسلّحة في مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي، والتي لا تقتصر على الخطر الذي تشكّله قوات النظام وتنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، بل تمتد إلى توتر متصاعد مع "جبهة النصرة" دفع بحركة "حزم" إلى الانضمام لـ"الجبهة الشامية"، وسط كل ذلك، أعلنت الجبهة الشامية، التي تُمثّل اتحاد أكبر فصائل المعارضة السورية في حلب وقوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، عن توقيع اتفاق يتضمّن تشكيل مرجعية قضائية واحدة وتنسيقاً أمنياً بين الطرفين.
الاتفاق الذي وقّعه قائد الجبهة الشامية في حلب، وقائد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين، يتضمّن بنوداً تتحدث عن توحيد المرجعية القضائية لتشمل جميع المحاكم الموجودة في مناطق سيطرة الطرفين، وتنسيقاً بخصوص المكاتب الشرعية وإدارة شؤون المساجد، واتفاقاً على ملاحقة المفسدين والمجرمين في مناطق سيطرة الطرفين من خلال تنسيق أمني مشترك يضمن فرض الأمن في مناطق سيطرة الطرفين.
ويوضح الصحافي، وسيم عبدو، لـ"العربي الجديد"، أن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه بين فصائل المعارضة السورية من جهة، والتي تسيطر على ريفي حلب الشمالي والغربي ونحو ثلثي مساحة مدينة حلب، وقوات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على منطقة عفرين الواقعة إلى الشمال الغربي من مدينة حلب.
ويؤكد عبدو أن التنسيق الأمني بين الطرفين كان ضرورياً منذ فترات سابقة، على الرغم من المشاكل التي وصلت إلى حد الاشتباك بينهما في وقت سابق، قبل أن يتوصل الطرفان أخيراً إلى درجة عالية من التنسيق نتج عنها الاتفاق الأخير.
وكانت خلافات قوات المعارضة وقوات حماية الشعب قد تلاشت بشكل شبه نهائي مع تصاعد هجمات "داعش" على مناطق سيطرة الطرفين في ريفي حلب الشمالي والشرقي، الأمر الذي أجبر الطرفين على العمل بشكل مشترك للتصدي لهجمات التنظيم.
وفي فترة سابقة، اتهمت المعارضة قوات حماية الشعب بإفشال حصار بلدتي نبّل والزهراء المواليتين للنظام السوري والمحاصرتين من قِبل المعارضة في ريف حلب الشمالي. هذه الاتهامات كانت السبب الأبرز للخلاف بين هاتين القوتين، ولكن الخلافات تلاشت بشكل كبير مع هجوم "داعش" على مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، الأمر الذي دفع بالقوات الكردية إلى إرسال تعزيزات إلى مناطق سيطرة المعارضة للمشاركة معها في التصدي لقوات "داعش".
وجاء هجوم "داعش" على مدينة عين العرب، في ريف حلب الشرقي، ليُرسّخ حالة التفاهم بين الطرفين، إذ ساهمت قوات المعارضة، التي انسحبت نحو المدينة من مناطق منبج وجرابلس، بالدفاع عن مدينة عين العرب، ليُجبِر الطرفان أخيراً التنظيم على الانسحاب من عين العرب وينتقلان إلى ملاحقته في ريف المدينة.
ساهم كل ذلك في بناء الثقة بين الطرفين بعد فترة طويلة من الخلافات التي وصلت إلى حد الاشتباك المسلّح الذي أدى لسقوط قتلى من الطرفين في بعض الاحيان، كما حصل نهاية العام قبل الماضي في منطقة سد الشهباء في ريف حلب الشمالي وفي منطقة الزيارة الواقعة قرب عفرين أيضاً.
ويوجّه الاتفاق الأخير بين المعارضة والقوات الكردية، رسالة واضحة لـ"جبهة النصرة" التي لا ينفك قياديون فيها عن توجيه اتهامات للقوات الكردية بالتعاون مع النظام السوري في إفشال هجماتها المتكررة على بلدتي نبل والزهراء.
ومع تحوّل الجبهة الشامية إلى القوة الرئيسية التي تُمثّل المعارضة المسلّحة في حلب وريفها، انضمت حركة "حزم" إليها منذ أيام قليلة مع بدء هجوم "النصرة "على مقرات الحركة وحواجزها في ريف حلب الغربي، ما أجبر "النصرة" على إيقاف هجومها.
على هذا الأساس، سيكون اتفاق الجبهة الشامية وقوات حماية الشعب الكردية دافعاً لـ"النصرة" لإعادة حساباتها في حال فكرت بمهاجمة القوات الكردية.
ولم تقتصر دوافع الاتفاق بين الجبهة الشامية وقوات حماية الشعب على أخطار تَمدّد "داعش" و"النصرة" في مناطق سيطرتهما، فقد شهدت هذه المناطق أخيراً عدة حالات استهداف لحواجز الطرفين بسيارات مفخخة لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، الأمر الذي جعل الطرفين في حاجة ماسّة لتنسيق أمني بين الحواجز ونقاط التفتيش التابعة لهما لدرء خطر التفجيرات التي أوقعت أعداداً كبيرة من القتلى في الشهرين الأخيرين في ريف حلب الشمالي وفي منطقة عفرين، ومنها التفجيرات التي حصلت في بلدة مسقان وقريتي حساجك وتل مالد، في ريف حلب الشمالي، وفي بلدة قطمة الواقعة إلى الشرق من مدينة عفرين.
ويبدو أن الجبهة الشامية و"قوات الحماية" تسعيان من خلال الاتفاق الموقّع بينهما إلى تكرار تجربة التعاون الكامل بين المعارضة والقوات الكردية في مدينة عين العرب، التي أنتجت نجاحاً ميدانياً في التصدي لتنظيم "داعش" وإلحاق هزيمة كبيرة به بدعم من طيران التحالف الدولي، الذي قد يشجّعه التنسيق بين الطرفين على تقديم الدعم الجوي لهما في حال قررا مهاجمة "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها في ريف حلب الشرقي انطلاقاً من مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي.