تزامن اتفاق التعاون بين الصومال وتركيا، الدفاعي والاقتصادي، والموقّع في فبراير/شباط الماضي، مع أزمة سياسية منذ شهور بين الصومال وإثيوبيا، على خلفية توقيع الأخيرة اتفاقاً مع أرض الصومال (صوماليلاند)، غير المعترف بها دولياً، حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في أرض الصومال.
وفي حين أنّ رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي أعلن، بعد التوقيع على الاتفاق في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، أن أديس أبابا وعدت بالاعتراف بـ"جمهورية أرض الصومال"، فإن الحكومة الإثيوبية لم تعلن نيتها القيام بذلك، إلا أنها أشارت إلى أنها ستجري "تقييماً معمقاً بهدف اتخاذ موقف بشأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي".
واستبق الصومال كل التأويلات المحيطة بالاتفاق مع تركيا، والتي تربطه بالأزمة مع إثيوبيا، وذلك على لسان رئيسه حسن شيخ محمود، حيث قال أخيراً إن اتفاق التعاون بين الصومال وتركيا، والذي سيمتد لعشر سنوات، لا يستهدف أيّ طرف ثالث، في إشارته إلى إثيوبيا، وإنما يأتي في إطار تحقيق مصلحة الصومال وحماية مياهه الإقليمية من الأطماع الخارجية.
محمد آمين: الاتفاق بين أنقرة ومقديشو قد يحول دون تنفيذ الاتفاق بين أديس أبابا و"صوماليلاند"
لكن مع ذلك، يرجح محللون أن الاتفاق بين الصومال وتركيا قد يحقق نوعاً من التوازن، بما يقنع طرفي الأزمة، أي مقديشو وأديس أبابا، باللجوء إلى المفاوضات. كما أنه سيضيّق خيارات إثيوبيا للمضي قدماً نحو تفعيل مذكرة التفاهم المبرمة مع "صوماليلاند".
ويتضمن الاتفاق صلاحيات أمنية واسعة لتركيا في مياه الصومال، ما يعزز، بحسب محللين، وجودها هناك، من خلال بناء منشآت أمنية ومناطق آمنة في البلد، الأمر الذي قد يتسبب في تضارب مصالح مع دول لها اتفاقات عسكرية واقتصادية سابقة مع بعض الولايات الفيدرالية في البلاد.
وبموجب ما رشح عن الاتفاق، ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية حتى تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و"التدخل الأجنبي".
الصومال بدأ إعادة حساباته
ويقول المحلل السياسي والنائب الأسبق محمد آمين، لـ"العربي الجديد"، إنه منذ فوز الصومال بقضية النزاع الحدودي البحري مع كينيا، عبر المحكمة الدولية في العام 2021، بدأ في إعادة حسابات تحالفاته مع دول العالم، من أجل مواجهة أيّ تطورات قد تحدث في المنطقة، التي تشهد إعادة تشكُّل للتحالفات بسبب التنافس الدولي على المنطقة.
ويضيف آمين أن الصومال كونه بلداً يعاني من أزمات سياسية وأمنية امتدت لعقود يظل موقفه ضعيفاً مع دول الجوار أو المنطقة، مشيراً إلى أن اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي مع تركيا في هذا التوقيت ربما يحقق نوعاً من التوازن، على الأقل بين طرفي الأزمة الحالية، الصومال وإثيوبيا، نظراً لعلاقات تركيا، العسكرية والاقتصادية، مع الطرفين.
ويوضح أن "تركيا، كونها دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتعارض النزعة الانفصالية لبعض الأقاليم في كلا البلدين، إلى جانب دعمها الصريح لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في حربه ضد إقليم تيغراي، تملك أوراقاً سياسية تكفي لوضع حد لمساعي إثيوبيا للمضي قدماً بتطبيق مذكرة التفاهم مع إقليم صوماليلاند، أو على الأقل تضغط على الجانب الإثيوبي للتخلي عن هذه المذكرة، والحصول على موانئ تجارية عبر الطرق الاستثمارية المتعارف عليها والدبلوماسية من خلال مفاوضات يرعاها الجانب التركي".
ويلفت آمين إلى أن إثيوبيا مستعدة للدخول في مفاوضات مع الصومال، لكن مطلب مقديشو حول تخلي أديس أبابا عن المذكرة مع "صوماليلاند" يعيق جهود بعض الأطراف الدولية للوساطة بين الطرفين.
ويتوقع المحلل نفسه أن تحاول تركيا إقناع إثيوبيا، من خلال استخدام أوراقها الاقتصادية والعسكرية، عدم تنفيذ الاتفاق مع أرض الصومال، بالإضافة إلى أن الاتفاق بين أنقرة ومقديشو قد يحول دون تنفيذ الاتفاق بين أديس أبابا و"صوماليلاند"، نظراً للصلاحيات الأمنية الواسعة التي تحصل عليها تركيا لردع أيّ نشاط بحري غير قانوني بدون موافقة الحكومة الصومالية.
ويتفق الصحافي والمحلل السياسي عبدالرحمن معلم مع آمين على إمكانية أداء تركيا دوراً بارزاً في احتواء هذه الأزمة، التي لا تخدم مصلحة المنطقة التي تعاني من صراعات وأنشطة إرهابية. ويعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن موقف القوى الدولية الداعم لسيادة ووحدة الصومال يزيد احتمالية خضوع إثيوبيا للخيار الدبلوماسي في مساعيها للحصول على موانئ بدلاً من الصراع مع الصومال.
وكان وزير الإعلام الصومالي داود أويس قال، في تصريح للتلفزيون الحكومي أخيراً، إن الاتفاق مع تركيا سيحمي مياه الصومال من التدخلات الأجنبية، وردع أيّ اتفاقات مشبوهة مع الدول الأجنبية دون موافقة الحكومة الصومالية الفيدرالية.
الهدف من اتفاق التعاون بين الصومال وتركيا
ويعتبر المحلل السياسي أحمد عينب أن تركيا تهدف من اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي مع الصومال لتعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي التي باتت مقصداً للتنافس الدولي، كونها منطقة استراتيجية للملاحة الدولية، لتصبح لاعباً وشرطياً في ملفات عدة، إلى جانب حماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
أحمد عينب: تركيا تهيئ نفسها لتصبح لاعباً مؤثراً في شتى الملفات في المنطقة والقارة الأفريقية
ويضيف عينب، لـ"العربي الجديد"، أن من شأن هذا الاتفاق توسيع نطاق تأثير أنقرة في المنطقة، حيث تمتلك تركيا في الصومال أكبر قاعدة عسكرية لها خارج أرضها، ما يجعلها من اللاعبين الأكثر تأثيراً في هذا البلد في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن الاتفاق سيمكنها أيضاً من مزاحمة المنافسين الدوليين في مياه الصومال.
ويوضح أن الاتفاق لم يولد من رحم الأزمة الحالية بين الصومال وإثيوبيا، وإنما في سياق ليس بعيداً عن المصالح التركية الاستراتيجية لإيجاد موطئ قدم في مياه الصومال، التي ازدادت أهميتها في ظل الحرب على غزة وعرقلة الحوثيين الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ويشير إلى أن تركيا تهيئ نفسها لتصبح لاعباً مؤثراً في شتى الملفات في المنطقة والقارة الأفريقية، نظراً لشبكة علاقتها الاقتصادية، إلى جانب الاتفاقات العسكرية المبرمة مع دول في المنطقة، مثل إثيوبيا وكينيا، إلى جانب جيبوتي التي وقّعت اتفاق تعاون في التدريب العسكري منتصف فبراير/شباط الماضي. لكن عينب يشدد على ضرورة أن توازن تركيا علاقاتها مع دول أخرى لها مصالح في المنطقة.
وبموجب اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي، فإن تركيا ستعمل على حماية نحو 3 آلاف كيلومتر من ساحل الصومال لمدة 10 سنوات، كما يمكنها بناء منشآت عسكرية أحادية ومشتركة ومناطق آمنة في مياه الصومال بواسطة سفنها الحربية.
تضارب مصالح في مياه الصومال
ولم يمنع الاتفاق بين الصومال وتركيا من احتمال حدوث تضارب مصالح في مياه الصومال. ويشير المحلل السياسي في مركز الصومال للدراسات عبدي علي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى تزايد القلق لدى قيادة البلاد حول هذا الأمر، خاصة الإمارات، التي ترتبط بعلاقات، ربما لا تحبذها الحكومة المركزية، مع الولايات الفيدرالية، وخاصة "صوماليلاند" وبونتلاند.
ويعتبر أن اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي مع أنقرة يزيد من احتمالية وقوع مواجهة بين الإمارات وتركيا، حيث تدعم الإمارات تدريب قوات الإقليمين، بما فيها قوات خفر السواحل.
وكان شيخ محمود تطرق إلى المخاوف من احتمال حدوث تضارب في المصالح، حيث أكد، أخيراً، أن بلاده ليست مستعدة لأن تتحول إلى ساحة حرب بالوكالة، مشيراً إلى أن الاتفاق مع تركيا يصب في خدمة مصلحة الصومال لحماية مياهه وردع الأنشطة غير القانونية، كالصيد الجائر وتهريب المخدرات والإرهاب.
ويؤكد عبدي علي أن الصومال بات، بحكم موقعه الجغرافي، محط اهتمام الكثير من القوى الدولية والعربية. ويوضح أن تركيا، التي "دخلت الصومال من باب الإنسانية" أصبحت دولة تبرم اتفاقات استراتيجية مع مقديشو، ستواجه منافسة قوية في المنطقة، التي لم تنعم بأيّ استقرار منذ عقود بسبب تنافس القوى الدولية عليها.