قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن اتصالات تجري حالياً بين القاهرة ومفوضية الاتحاد الأوروبي وعدد من السفارات الأوروبية في القاهرة، بهدف حث دول الاتحاد المؤثرة، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا ثم إيطاليا، على اتخاذ مواقف إيجابية وحاسمة لتحريك المسار التفاوضي لقضية سد النهضة، باعتبار الاتحاد شريكا مراقبا منذ بداية المفاوضات. لكن، في المقابل، طالبت المفوضية والسفارات المنخرطة في تلك الاتصالات، بأن تظهر مصر مزيداً من التعاون في ملف حقوق الإنسان، لا سيما أن هناك حالة من "التشكك وعدم الرضا" تسيطر على تلك الجهات إزاء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أعلنتها مصر أخيراً، في إطار الحديث عن تحقيق انفراجة مرتقبة في هذا الملف.
أوضحت الاتصالات ضرورة البرهنة على حرص مصري على إحداث تقدم في المجالين السياسي والحقوقي
وأضافت المصادر أن المطالبات الأوروبية لا تشترط تحقيق تقدم حقوقي أو سياسي لتتحرك إيجابياً في قضية سد النهضة، مؤكدة حرصها على عدم تأثر مصر سلباً بأي شكل بالسد، انطلاقاً أيضاً من حرصها على تأمين وسلامة استثماراتها في مصر وإثيوبيا، لكن الاتصالات هذه المرة أوضحت ضرورة البرهنة على حرص النظام المصري على إحداث تقدم في المجالين السياسي والحقوقي، لتظل قدرته قائمة على الحشد السياسي بين العواصم الأوروبية في مثل تلك القضايا.
وأوضحت المصادر أن السفارات الأوروبية تراقب عن كثب الجلسة المقبلة لمحاكمة الباحث والحقوقي باتريك جورج زكي أمام محكمة أمن الدولة طوارئ بالمنصورة، والمقررة 28 سبتمبر/أيلول الحالي، آملة أن تنتهي المحاكمة ببراءته والإفراج عنه، باعتبار هذه الحالة من الأكثر أهمية للعواصم الأوروبية بشكل عام.
وبحسب المصادر فإن السفارات تعتبر حالة باتريك أول اختبار لجدية النظام في ظل الاستراتيجية الجديدة، التي تزامن إطلاقها مع العديد من التجاوزات القانونية والحقوقية بحق عشرات المعتقلين والتضييق عليهم، وعلى رأسهم رئيس حزب "مصر القوية" عبدالمنعم أبوالفتوح والناشط اليساري علاء عبدالفتاح، الممنوعان من الزيارة والتواصل المباشر مع ذويهما، وكذلك في ظل التلكؤ الرسمي في الإغلاق النهائي لقضية التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان، واستمرار تطبيق التدابير الاحترازية والعقابية على عدد من الحقوقيين البارزين، كالمنع من السفر وتجميد الأموال.
كما تطرقت الاتصالات الأخيرة إلى ضرورة مراجعة مصر موقفها من قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، بالتزامن مع جلسات الاستماع البرلمانية التي عادت للانعقاد خلال الأسبوع الحالي، والتي شهدت، قبل أيام، إدلاء المدعي العام السابق لروما جوزيبي بينياتوني بشهادته عما حدث في بداية اكتشاف الواقعة. وكان المدعي العام أكد أن الصور الخاصة بالجثمان، والصفة التشريحية والكشف الطبي المتكرر، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن ريجيني لقي مصرعه جراء التعذيب، وليس بأي من السيناريوهات التي حاول المصريون ترويجها في السنوات السابقة، ومنها الاصطدام بسيارة أو القتل على يد عصابة سرقة. وأشارت المصادر إلى أن أهمية هذه الشهادة حالياً تعود إلى أن مجموعات سياسية وحقوقية إيطالية عادت لحشد رأي عام داخل المفوضية والبرلمان الأوروبيين لاتخاذ موقف سياسي ضد مصر، استعداداً لبدء إجراءات المحاكمة الغيابية للضباط المصريين المتهمين بخطف وقتل ريجيني.
وذكرت المصادر أن اللقاء الذي عُقد في نيويورك بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على هامش مشاركتهما في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، قد تطرق إلى جميع هذه المواضيع.
تطرقت اتصالات القاهرة ومفوضية الاتحاد الأوروبي لضرورة مراجعة مصر موقفها من قضية مقتل ريجيني
وتزيد حساسية هذه التحركات في وقت لم تحقق فيه الوساطات الإيطالية بين السلطات المصرية والحكومة الإيطالية للبحث عن حل وسط لتقليل الأضرار الناشئة عن قضية ريجيني، وعدم تفاقمها ومنع توجيه أصابع الاتهام رسمياً للدولة المصرية أو وزارة الداخلية بها، بعد البدء في المحاكمة الغيابية. وكانت بعض الشركات الإيطالية الناشطة في مصر، وعلى رأسها "إيني"، بصدد توسيع أعمالها في خلال السنوات المقبلة، ليس فقط على مستوى الاستكشاف في الحقول الجديدة للغاز، بل أيضاً على مستوى بيع المواد البترولية والغاز بالتجزئة داخل السوق المصرية.