يخوض عدد من السجناء السياسيين في مصر إضراباً عن الطعام في عدة سجون مصرية اعتراضاً على ظروف حبسهم، فيما يبدو أن قضيتهم تغيب عن أجندة معظم المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية الذين يتحضرون للانتخابات المقررة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وقالت مصادر قضائية مصرية إن تصاعد موجة هذه الإضرابات خلال الأشهر الأخيرة، وقبل شهرين من الموعد المقرر للانتخابات، يمثل عامل ضغط خارجي على السلطات المصرية.
وأضافت أن السلطة التنفيذية تلقت نصائح متكررة، خلال الأسبوع الماضي، من احتمال انضمام أعداد أكبر للمضربين عن الطعام؛ خصوصاً من السجناء السياسيين الأكثر شهرة، وهو ما يعني مزيداً من العوامل التي يمكن أن تسبب موجة من الانتقادات الدولية، على المستويات الرسمية وغير الرسمية.
موجة إضرابات عن الطعام بسجون مصر في الأشهر الأخيرة
ويستمر السجين السياسي عمار ياسر عبد العزيز إبراهيم (24 عاماً) في إضرابه عن الطعام، الذي بدأه في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، في سجن وادي النطرون، اعتراضاً على وضعه داخل غرفة التأديب منذ أيام وتهديده بالتغريب إلى سجن أبعد، وذلك لمطالبته ببعض حقوقه في الحصول على كتبه الدراسية، خصوصاً أنه حالياً طالب بالثانوية العامة (منازل) في المرحلة الثالثة.
وتقدمت أسرته ببلاغ إلى النائب العام لإعلامهم بإضرابه عن الطعام، محملة وزارة الداخلية والمسؤولين عن سجن "440 وادي النطرون" المسؤولية الكاملة عن حياته وصحته.
وكانت السلطات الأمنية قد ألقت القبض على إبراهيم في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، وكان عمره حينها 17 عاماً، من قرية طنبشا، بمركز بركة السبع، في محافظة المنوفية شمالي البلاد، ليختفي بعدها مدة 70 يوماً داخل مقار الأمن الوطني، ويتعرض لأنواع التعذيب البدني والنفسي، قبل أن يجرى عرضه على نيابة أمن الدولة العليا والتحقيق معه على ذمة القضية 64 عسكرية.
وتُعرف هذه القضية إعلامياً باسم "محاولة اغتيال النائب العام المساعد" زكريا عبد العزيز في سبتمبر 2016 إلى جانب محاولة اغتيال مفتي الجمهورية السابق علي جمعة في أغسطس/ آب من العام نفسه، وتتضمن أيضاً عمليات اغتيال أفراد من الشرطة والجيش بين 2014 و2016.
وبعد سنوات من الحبس الاحتياطي؛ حصل إبراهيم على حكم بالبراءة في 9 مارس/ آذار 2020، لكن بدلاً من إخلاء سبيله، أُبقي رهن الاعتقال على ذمة قضية جديدة.
في موازاة ذلك، يستمر إضراب نحو 30 سجيناً سياسياً عن الطعام، في سجن وادي النطرون 2، للأسبوع الثالث على التوالي، بسبب منعهم من الزيارات. وأعلن هؤلاء السجناء دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 9 سبتمبر الماضي، ورفضوا استلام التعيين الميري (الوجبات التي يقدمها السجن).
وتعرضت هذه المجموعة للمنع من الزيارات منذ عدة سنوات بسجن العقرب 1 شديد الحراسة، ثم رحّلوا في إبريل/ نيسان 2022 إلى سجن وادي النطرون الجديد تأهيل 2، حيث استمر منعهم من الزيارات وتوريد أسرهم الطعام لهم من الخارج (الطبلية) بأمر من ضابط الأمن الوطني.
كذلك يستمر الشاعر جلال البحيري في إضرابه عن الطعام الذي بدأه منذ 9 سبتمبر الماضي، وتخللته محاولة انتحار بابتلاع حبوب مهدئة ونقله إلى مستشفى السجن وإجراء "غسيل معدة"، وذلك لتجاوزه مدة الحبس القانونية في آخر قضاياه من دون إطلاق سراحه.
وجاء هذا القرار بالتزامن مع بدء عامه السادس في السجن، حيث بدأ الإضراب بشكل جزئي منذ يوم 5 مارس الماضي داخل محبسه في سجن بدر 1.
وتعد هذه المرة الثانية التي يخوض فيها البحيري الإضراب عن الطعام بسبب أوضاعه داخل السجن، بعد أن قرّر الدخول في إضراب كلي عن الطعام والعصائر، مطلع يونيو/ حزيران الماضي، للمطالبة بالإفراج عنه.
وألقي القبض على البحيري، في 3 مارس 2018، في مطار القاهرة بناء على بلاغ مقدم ضده يتهمه بإهانة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي. وفي يوليو/ تموز 2018، حكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ، وغرامة 10 آلاف جنيه، بسبب ديوان شعر ألفه اعتبرته المحكمة العسكرية إساءة للمؤسسة العسكرية وقياداتها.
وأنهى البحيري حبسه في الحكم الصادر ضده في القضية رقم 4 لسنة 2018 جنح المدعي العام العسكري، لكنه ظل محتجزاً بقسم شرطة كفر شكر، من يوم 5 أغسطس 2021 إلى الـ16 من نفس الشهر، ثم جرى نقله إلى مقر الأمن الوطني ببنها.
وظهر في 5 سبتمبر 2021 متهماً في القضية رقم 2000 لسنة 2021، التي وجهت له نيابة أمن الدولة العليا بمقتضاها اتهامات: الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن العام.
ولليوم العشرين، يواصل الكيميائي علاء الدين محمد سعد العادلي، والد الناشطة المصرية الألمانية فجر العادلي، إضرابه عن الطعام في محبسه، والذي أعلن الدخول فيه يوم 10 سبتمبر الماضي، اعتراضاً على استمرار حبسه والتضييق على أسرته أثناء الزيارات.
وكانت فجر العادلي قد أعلنت، في مطلع سبتمبر الماضي، عن الدخول في إضراب عن الطعام، بعد تجديد حبس والدها، وحبسه من دون وجود دليل إدانة ضده. وروت العادلي تفاصيل ما جرى معها وأسرتها خلال زيارة والدها، الأمر الذي دفعه لاحقاً للدخول في إضراب عن الطعام.
وأوضحت فجر، في وقت سابق، أن الحالة الصحية لوالدها سيئة، وأنه يعاني من ألم في ذراعه اليسرى وألم في الصدر، لافتة إلى أنها طلبت من الضابط المسؤول إجراء فحوصات لوالدها، للتأكد من عدم وجود أي مرض خطير في القلب.
يذكر أن علاء الدين العادلي المقيم في ألمانيا قد ألقي القبض عليه لدى وصوله إلى مصر في 18 أغسطس الماضي قادماً من ألمانيا. وجرى احتجازه في المطار مدة تزيد عن 24 ساعة، وتقديمه أمام نيابة أمن الدولة في 20 أغسطس، واتهامه على ذمة القضية رقم 716 لسنة 2023 حصر أمن دولة، بالانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة. وأثناء نظر جلسة أمر حبسه، سأل علاء عن سبب حبسه لكنه لم يجد إجابة من المسؤولين.
المنظومة القضائية في مصر لن تتغير
وفي السياق، قال الناشط السياسي والباحث في العلوم السياسية حسام الحملاوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظل الضرب بالقوانين عرض الحائط، والحرمان من المحاكمة العادلة، لا أعتقد أن المنظومة القضائية ستتغير".
ولفت إلى أن "نجاح إضرابات السجناء يبقى دائماً مرهوناً بحجم الضغط الإعلامي والسياسي خارج أسوار السجون، سواء داخل مصر أو خارجها"، مشيراً إلى أن "قضية المعتقلين مدرجة على أجندة المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي بالفعل".
الحملاوي: نجاح الإضرابات مرهون بالضغط الإعلامي والسياسي"
وأضاف الحملاوي أن "أسباب إضراب المعتقلين واضحة، وهي سوء أوضاع السجون من حيث العزل الانفرادي المطول، وسوء الغذاء، والتضييق على مقومات الحياة الأساسية، إضافة إلى الإضاءة المستمرة والحرمان من النوم".
الظرف السياسي في مصر يسمح بنجاح إضراب السجناء
بدوره، اعتبر الحقوقي والمحامي محمد رمضان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإضراب حق مشروع للمعتقل، ومن الممكن أن يؤتي ثماره في حالة توسيع التضامن مع المضربين ونشر أخبارهم أولاً بأول، وممارسة ضغوط من القطاع المدني داخلياً وخارجياً".
وأضاف أن "الأسباب التي تدفع السجناء إلى الإضراب تتعلق بالظروف النفسية، وطول مدة الحبس والتضييقات، وسوء الرعاية الصحية، وكل الأوضاع السيئة داخل المعتقلات".
رمضان: تتعلق أسباب الإضراب بالظروف النفسية والتضييقات
ولفت رمضان إلى أن "الظرف السياسي الحالي يسمح للإضرابات بمردود إيجابي، فالسلطة تريد للانتخابات أن تجرى بشكل يرضيها".
من جانبه، قال المحامي إسلام سلامة، لـ"العربي الجديد"، إن "عدم جدوى الإضرابات يعود إلى أن كل معتقل مضرب عن الطعام له أسبابه ومطالبه الخاصة كشرط لوقف الإضراب، وفي هذه الحالة على النيابة العامة أن تفتح تحقيقاً في الإضراب، وتتعرف إلى مطالب المضرب عن الطعام، وهو ما لم يحدث بنسبة كبيرة".
والسجناء السياسيون في مصر هم من ألقي القبض عليهم بموجب قوانين سنتها السلطات المصرية خلال السنوات الماضية، مثل قوانين الإرهاب والتظاهر والطوارئ، فضلاً عن المحاكمة أمام القضاء العسكري وأمن الدولة العليا طوارئ.
وغالباً ما يواجهون اتهامات مثل "بث ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على العنف والإرهاب، وتهديد الأمن القومي"، وغيرها من الاتهامات التي تدخل ضمن تلك القوانين.