استمع إلى الملخص
- رغم نفي الحكومة الإيطالية توريد أسلحة لإسرائيل، كشفت تقارير عن استمرار إيطاليا في تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية لإسرائيل، بما في ذلك صفقات ضخمة من مجموعة ليوناردو، مما أثار قلقاً بشأن التزام إيطاليا بالقوانين الدولية.
- أشار المحلل إيمانويلى روسي إلى أن إيطاليا ستستمر في دعمها العسكري والسياسي لإسرائيل، خاصة مع احتمالية تعزيز التحالف مع وصول ترامب للبيت الأبيض، وستبقى ملتزمة بحل الدولتين.
لم تكن جورجيا ميلوني أول سيدة تتولى رئاسة حكومة إيطاليا فحسب، وإنما أيضاً أول زعيمة يمينية متطرفة تترأس السلطة التنفيذية في روما بعد بنيتو موسوليني. وسريعاً، ظهرت جلية المواقف المؤيدة والداعمة بقوة التي اتخذتها ميلوني، حيال حليفها اليميني المتطرف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وعقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سارعت روما الرسمية إلى إدانة "المذبحة" التي ارتكبتها حركة حماس "الإرهابية" وإلى تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وعلى الرغم من نفي الحكومة الإيطالية، على لسان ميلوني ونائبها وزير الخارجية أنطونيو تاياني، توريد أي أسلحة إيطالية إلى إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023، بما فيها تلك المتضمنة في عقود وُقّعت قبل هذا التاريخ، امتثالاً للقانون الدولي الذي يحظر توريد أسلحة لأي دولة في حالة حرب، فقد كشفت تقارير وبيانات موثقة عن انتهاك روما لهذا الحظر.
في هذا السياق، كشفت مجلة ألتريكومونيا الإيطالية المستقلة في تقرير نشرته في عددها الصادر في أكتوبر الماضي أن روما صدّرت في الربع الأخير من عام 2023، وفقاً لبيانات جهاز الإحصاء القومي الإيطالي "Istat"، أسلحة وذخائر إلى إسرائيل بلغت قيمتها 2.1 مليون يورو، وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 وحده لامست تلك الصادرات 1.3 مليون يورو. والحقيقة أن إحصائيات التجارة الخارجية الإيطالية الجديدة، وفقاً لبيانات "Istat" المحدثة حتى شهر مارس/آذار 2024، تنفي تصريحات حكومة ميلوني بخصوص الوقف الكامل لصادرات الأسلحة إلى تل أبيب. وسلطت البيانات الضوء على أنماط أخرى من الصادرات، وعلى وجه الخصوص شحنة مكونات وقطع غيار طائرات حربية، انطلقت من مدينة فاريزي التي تحتضن مقر شركة ألينيا إيرماكي (التابعة لمجموعة ليوناردو).
كشفت صحيفة ميلانو فينانسا عن صفقة أسلحة ضخمة من إنتاج مجموعة ليوناردو لإسرائيل
وتابعت المجلة أنه على الرغم من نفي الحكومة الإيطالية، فإن إنتاج وتوريد معدات حربية من إنتاج شركة RWM (التابعة لمجموعة رينمنتال الألمانية) ومقرها جزيرة سردينيا إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 بقيمة إجمالية بلغت 7.6 ملايين يورو، كانا من دواعي القلق العميق. وأشارت إلى أن وزارة الخارجية الإيطالية أعلنت أن تلك الإمدادات كانت تتعلق بأنظمة للاتصالات ليست منخرطة في حرب غزة. ومع ذلك، فإن تصاريح التصدير الصادرة العام الماضي قبل 7 أكتوبر 2023 بقيمة 9.9 ملايين يورو تضمنت أيضاً قنابل وصواريخ وذخائر وطائرات، وفقاً للتقرير المرسل في شهر مارس الماضي إلى البرلمان.
تصدير معدات عسكرية لإسرائيل
ونقلت المجلة عن المحلل والخبير العسكري في المرصد الإيطالي الدائم حول الأسلحة الخفيفة (Opal) جورجو بيريتا، قوله إن "ثمة معطى بالغ الأهمية في تقرير Istat يجدر بنا التوقف عنده: تحت فئة صادرات طائرات ومركبات فضائية والأنظمة المرتبطة بها في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2023، تبين تصدير معدات لإسرائيل بقيمة 14.800.221 يورو، أكثر من نصفها انطلق من مدينة فاريزي التي تحتضن مقر شركة ألينيا إيرماكي التابعة لمجموعة ليوناردو المنتجة لطائرات التدريب العسكري من طراز M-346 التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من عام في قصف غزة".
وفي تصريحات للمجلة، أكدت مجموعة ليوناردو أنها زودت إسرائيل، بعد السابع من أكتوبر 2023، بـ"مساعدات فنية عن بعد، من دون وجود أفرادها في البلاد، وإصلاح للمعدات وقطع غيار لأسطول طائرات التدريب العسكري من طراز M-346، ومن المقرر أن توفر المجموعة في العام الجاري دعماً لوجستياً بقيمة 7 ملايين يورو للأسطول ذاته".
من جهته، قال الصحافي الاستقصائي الإيطالي أنطونيو ماتزيو، في تقرير نشره على مدونته الشخصية، إنه "بعد التصريحات الأخيرة لمجموعة ليوناردو، اكتشفنا أن مصانع شركة ليوناردو هليكوبترز، في الولايات المتحدة، التابعة للمجموعة الإيطالية بدأت في تسليم المروحيات من طراز AW119Kx (المعروفة باسم كوالا-عوفر) إلى مدرسة تدريب الطيران Vihiys Latisah التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، التي تحتضنها قاعدة هاتساريم الجوية في صحراء النقب".
وأشار ماتزيو إلى أن قيادة سلاح الجو الإسرائيلي أعلنت في منشور لها بتاريخ 26 مايو/أيار الماضي على حسابها على "فيسبوك" حمل عنوان "مرحباً عوفر"، عن انطلاق عمليات تدريب الطيارين على متن المروحية AW119Kx التي أنتجتها "ليوناردو" في أولى رحلاتها بعد تسليمها من قبل مدرسة تدريب الطيران.
ونقل عن شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية لصناعات الدفاع قولها في بيان بتاريخ 15 يوليو/تموز 2024 إن "وزارة الدفاع الإسرائيلية وقّعت مع مجموعة ليوناردو اتفاقاً ينص على توريد 12 مروحية، مع خيار توريد أربع طائرات أخرى"، مضيفة أن "الوحدة الأولى من المروحيات الـ12 المتعاقد عليها سُلمت قبل ثلاثة أسابيع، واستكملنا فيما طلعاتها الأولى بوجود طيار اختبار من (مجموعة) ليوناردو وآخر إسرائيلي. ومن المنتظر وصول المروحية الثانية في القريب العاجل".
صفقة أسلحة إيطالية ضخمة لإسرائيل
من ناحية أخرى، كشفت صحيفة ميلانو فينانسا الاقتصادية الإيطالية عن صفقة أسلحة ضخمة من معدات عسكرية من إنتاج مجموعة ليوناردو الإيطالية لإسرائيل من خلال فرعها في الولايات المتحدة. وذكرت الصحيفة، في تقرير نشرته بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول الماضي، أن وزارة الخارجية الأميركية صدّقت على صفقة ممكنة، ما زالت في مرحلة التقييم، بقيمة 164.6 مليون دولار لتوريد مقطورات لدبابات وتجهيزات مرتبطة بها لصالح إسرائيل، فيما أشار البنتاغون إلى شركة "ليوناردو دي آر إس" التابعة لمجموعة ليوناردو الإيطالية لصناعات الدفاع، ومقرها فيرجينيا، على أنها المورد الرئيسي للصفقة، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم في عام 2027.
إيطاليا لا تريد الجلوس إلى طاولة السلام
من جهته، قال السيناتور ماريو توركو، عضو مجلس الشيوخ الإيطالي ونائب رئيس حركة 5 نجوم (المعارضة)، إن "الحكومة لا تريد فقط الجلوس إلى طاولة السلام، مفضلة الاستمرار في تزويد أوكرانيا وإسرائيل بالأسلحة، وإنما ترفض أيضاً فرض ضريبة على أرباح المبيعات الحربية للشركات المتداخلة في هذا الأمر". وأشار توركو، في تصريحات لصحيفة ميلانو فينانسا، إلى أن إيطاليا "من بين الموردين الرئيسيين لأوكرانيا وإسرائيل. وبالنسبة إلى هذه الأخيرة، فإنها تفعل ذلك في انتهاك واضح لقرار الأمم المتحدة الذي يطالب الحكومة الإسرائيلية بالرحيل عن الأراضي الفلسطينية".
يُذكَر أن النائب أنجيلو بونيللي، وهو المتحدث الرسمي باسم حزب أوروبا الخضراء، وعضو مجلس النواب في إيطاليا عن تحالف الخضر واليسار المعارض، كان تقدم بطلب إحاطة برلماني نهاية الشهر الماضي، دعا فيه وزراء الدفاع والاقتصاد والمالية ورئيسة الوزراء جورجيا ميلوني نفسها إلى الرد، وتوضيح لماذا تسهم حكومة إيطاليا في مذبحة الشعب الفلسطيني. وقال بونيللي، في بيان، إن "مجموعة ليوناردو الإيطالية هي التي زودت القوات البحرية الإسرائيلية بمدافع استخدمتها في القصف المتواصل من دون انقطاع لغزة ومينائها منذ السابع من أكتوبر 2023".
وأوضح أن "هذا العقد، الذي بلغت قيمته 440 مليون دولار، يمثّل إحدى أكبر الصفقات التي أبرمتها مجموعة صناعات الدفاع الإيطالية الرئيسية في تاريخها في السياق الحربي لمنطقة الشرق الأوسط"، مضيفاً أن "المدافع من عيار 76 ملم المثبتة على القرويطات (سفن وحدات الكورفيت) الإسرائيلية من إنتاج شركة أوتو ميلارا التابعة لمجموعة ليوناردو. أمّا الآلية التي اتُّبعت في هذه الصفقة، فقد كانت بسيطة: إسرائيل طلبت التعاقد على المدافع من الولايات المتحدة، التي اشترتها بدورها من المجموعة الإيطالية، ومن ثم نقلتها إلى تل أبيب التي استخدمتها فيما بعد في قصف غزة".
في سياق متصل، أعلن رئيسا الكتلة البرلمانية لحركة 5 نجوم (المعارضة) في مجلس الشيوخ السيناتور برونو مارتون، والنواب النائب ماركو بيلليغريني أن "لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ صدقت بشكل نهائي اليوم (في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) مع اعتراضنا، على برنامجين عسكريين آخرين بالشراكة مع شركات حربية إسرائيلية". وأضافا، في بيان مشترك، أنه "بعد الموافقة الأسبوع الماضي على شراء الطائرات الموجهة من دون طيار من طراز سبايك فاير فلاي من إنتاج شركة رافائيل الإسرائيلية، صودق على شراء مُسيرات قتالية من طراز هيرو-30 من إنتاج شركة يوفيجن الإسرائيلية وإنشاء مركز لتدريب طياري المروحيات مزود بتكنولوجيا من إنتاج شركة إلبيت الإسرائيلية، وهي الشركة ذاتها المنتجة لمسيّرات هيرمس القاتلة المستخدمة في قصف غزة".
إيمانويلى روسي: روما ليست لديها المصلحة ولا القدرة السياسية على النأي عن موقفها التقليدي المؤيد لتل أبيب
وعن ذلك، أعرب المحلل الجيوسياسي الإيطالي في موقع "ديكود-39" إيمانويلى روسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن روما "ليست لديها المصلحة ولا القدرة السياسية على النأي عن موقفها التقليدي المؤيد لتل أبيب. وهذا لا يعني أن إيطاليا ستتوقف عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين، تماشياً مع موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والكتلة الغربية". وأضاف روسي أن إيطاليا "بالتالي، ليست لديها المصلحة ولا القدرة السياسية على قطع سلسلة الإمداد العسكري مع إسرائيل من جانب واحد. ومن المحتمل، في هذا السياق، أن تمضي الصفقات العسكرية الجديدة قدماً، على الرغم من معارضة داخلية محتملة".
ورأى أن "حكومة ميلوني سوف تحافظ على هذا الموقف، ومن الصعوبة بمكان أن نرى شخصية بارزة في الأغلبية تقترح أنه على إيطاليا أن تأخذ في اعتبارها وقف توريد الأسلحة من أجل دفع إسرائيل إلى وقف إطلاق النار"، مشدداً على أن "إسرائيل حليف محوري لإيطاليا، ومن المحتمل أن يتعزز هذا التحالف بشكل أكبر مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. والحقيقة أن موقف ترامب المؤيد والمنفتح تجاه إسرائيل لا يتيح مساحة كبيرة لإيطاليا، التي كانت ستدير تحالفها بشكل مستقل".
وأوضح روسي أن "روما ستبقى في نهاية المطاف مؤيدة لإسرائيل ولحل الدولتين. ومع احتفاظها بهذا الموقف، فإنها لن تقاطع اتفاقياتها مع إسرائيل"، معرباً عن اعتقاده أن إيطاليا "سوف تتصرف بهذه الطريقة في جميع الصفقات الراهنة، بدءاً بالعسكرية، فقط إذا اتخذت الولايات المتحدة أيضاً خيارات بعينها، وإذا اتخذ الاتحاد الأوروبي الموقف ذاته". ولفت روسي إلى أن "ثمة ربطاً نوعاً ما دولياً بين الأحزاب اليمينية في العالم. لذا، فإنه من الصعوبة بمكان أن تتحرك ميلوني ضد حكومة يمينية في بلد آخر. وهي لن تفعل ذلك لتجنب إثارة مشاكل لتلك الحكومات، وإنما لرغبتها في أن تُعامَل بالمثل". وتابع إن "هذا البعد من التشابه/التماثل السياسي بين ميلوني ونتنياهو هو عنصر يكمن وراء خيارات ومواقف الحكومة الحالية، خاصة إذا أعاقت المعارضة اليسارية هذا المسار. ومن ناحية أخرى، ثمة دينامية أيضاً معارضة: انظروا إلى بيدرو سانشيز في إسبانيا".