تقترب إيطاليا من إجراء انتخاباتها العامة المبكرة، والمقررة في 25 سبتمبر/أيلول المقبل، ومعها، يقترب الاتحاد الأوروبي، كما تشير التوقعات، من صداع جديد، يأتي في غير وقته، مع احتدام الحرب الروسية على أوكرانيا، وانعكاساتها على اقتصادات دوله المنهكة من تداعيات كوفيد. وتشير استطلاعات الرأي الإيطالية، إلى احتمال كبير لوصول أول سيّدة إلى رئاسة الحكومة في هذا البلد. لكن الخبر السيئ، المضاف إلى ما تعانيه إيطاليا أصلاً مع قصر مدد حكوماتها، وغياب الاستقرار السياسي في هذا البلد، هو أن النائبة الحالية جورجيا ميلوني، المرشحة القوية لهذا المنصب، هي زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" (فراتيلي ديتاليا) اليميني المتطرف، ذي الجذور الفاشية، والذي لم ينل في انتخابات 2018 أكثر من 4 في المائة من الأصوات.
وتتحضر ميلوني، المتحالفة مع حزب رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني "فورزا إيطاليا" (إيطاليا إلى الأمام)، وزعيم حزب "الرابطة" الشعبوي المعادي للهجرة، ماتيو سالفيني، لتشكيل ائتلاف حكومي جديد، في مواجهة منافسين من تيار الوسط لا يملكون حظوظاً كثيرة، للفوز أو التوحد في مواجهة المد اليميني المتطرف.
تتحالف ميلوني مع حزب الرابطة الشعبوي المعادي للمهاجرين
وتهدد نتائج الانتخابات، إذا ما أفضت إلى فوز الشعبويين، بسلسلة من التداعيات الداخلية والأوروبية، وسط بروز خشية من أن تسير إيطاليا على خطى بولندا والمجر، في ما تسميه التيارات الحاكمة فيها حالياً، من اليمين والقوميين، بالنمط الديمقراطي "اللاليبرالي".
إيطاليا... انتخابات مبكرة في سبتمبر
وتنتظر إيطاليا، انتخابات عامة مبكرة في سبتمبر، بعد انهيار حكومة ماريو دراغي الائتلافية جرّاء الخلافات التي احتدمت داخلها، واستقالته في يوليو/تموز الماضي (ترأس الحكومة في فبراير/شباط 2021). ومنذ استقالة دراغي، المؤيد القوي للاتحاد الأوروبي، توالت استطلاعات الرأي التي رجّحت فوزاً سهلاً لليمين المتطرف بتحالف ميلوني وبرلسكوني وسالفيني. وأول من أمس الثلاثاء، أكد سالفيني أنه لن يعارض تولي حليفته رئاسة الحكومة، إذا ما تصدر حزبها النتائج، لكنه قال إن المعركة لم تحسم بعد.
من جهته، حذّر تيار الوسط في إيطاليا من خطر وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، لا سيما على الاتحاد الأوروبي. واعتبر رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم الحزب الديمقراطي، أنريكو ليتا، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" نشرت أمس، أن أي انتصار في الانتخابات لأحزاب اليمين المتطرف في إيطاليا سيشكل خطراً كبيراً على التكتل الأوروبي، وأن بلاده "تضع نفسها في مأزق كبير إذا ما سلّمت أمرها إلى (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين"، في إشارة إلى الإعجاب الذي تبديه ميلوني بترامب، ولعلاقات برلسكوني المعروفة مع بوتين.
وحذّر ليتا من أن فوز هذا الثلاثي خطير على أوروبا، "إذ لم تحكم بعد أي دولة كبيرة في الاتحاد (إيطاليا هي القوة الاقتصادية الثالثة في الاتحاد بعد فرنسا وألمانيا) قوى سياسية بهذا التوجه الواضح المعارض لفكرة المجتمع الأوروبي".
صعود "إخوة إيطاليا" وعودة برلسكوني
ويأتي الصعود القوي لـ"إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة في أوروبا، وارتفاع تكلفة الطاقة جراء الحرب الروسية، وهو ما يثير الخشية من انتعاش متجدد للتيارات المناهضة للمنظومات السياسية التقليدية (أنتي استابليشمنت)، في أوروبا، والذي عرفته إيطاليا مع "الرابطة" أو حركة "5 نجوم".
قالت ميلوني إنها لن تسمح للصين بالتغلغل في بلادها
وبحسب وكالة "آكي" الإيطالية، الثلاثاء، فإن أحدث استطلاع للرأي أظهر مواصلة ائتلاف اليمين المتطرف ويمين الوسط تصدر نوايا التصويت، وبقاء حزب ميلوني على رأس قائمة الأحزاب المتصدرة (24.1 في المائة)، يليها الحزب الديمقراطي في ائتلاف يسار الوسط (22.7 في المائة).
لكن ائتلاف ميلوني مع "الرابطة" وبرلسكوني، نال 48.5 في المائة من نوايا التصويت، بينما تمكن تحالف يسار الوسط من حصد 29 في المائة منها. ويضمّ هذا التحالف، الحزب الديمقراطي، والخضر واليسار الإيطالي، وحزب "مور يوروب" وحزب وزير الخارجية المنشق عن "خمس نجوم"، لويجي دي مايو، "الالتزام المدني".
وكان وزير الصناعة الإيطالي السابق كارلو كاليندا، توصل في وقت سابق من أغسطس/آب الحالي، مع رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي، إلى اتفاق، لتشكيل ائتلاف "الصوت الثالث"، المكون من حزبيهما الوسطيين "أتسيوني" (العمل) و"إيتاليا فيفا" (تحيا إيطاليا). وتخوض "خمس نجوم" منفصلة الانتخابات، ورجّح الاستطلاع أن تنال 11 في المائة من الأصوات، فيما قد ينال حزب سالفيني 13 في المائة، وحزب برلسكوني 8 في المائة.
وواصلت ميلوني (45 عاماً)، إطلاق تصريحات حول توجهاتها الحكومية بحال فوزها بعد انتخابات سبتمبر، علماً أن حزبها لم يعلن بعد صراحة خروجه نهائياً من عباءة جذوره الفاشية. وأكدت ميلوني، والتي كان برلسكوني منحها حقيبة الشباب في حكومته عام 2008، في مقابلة مع "رويترز"، أن حكومتها ستوقف التوسع الاقتصادي الصيني في إيطاليا، وستواصل دعم أوكرانيا عسكرياً.
ورأت ميلوني في أبرز تصريحاتها المتعلقة بالسياسة الخارجية، أن الحكومة الإيطالية المقبلة ستواجه سريعاً مشهداً دولياً متغيراً، مؤكدة أن إيطاليا "تحت قيادتها، لن تكون حلقة الوصل الضعيفة في التحالف الغربي". ورأت أن "أوكرانيا هي رأس قمة الجليد في أزمة هدفها مراجعة النظام العالمي. روسيا أعلى صوتاً، والصين أكثر صمتاً، لكن تغلغلها يصل إلى كل مكان". وأكدت أنها لا رغبة لديها في المضي باتفاق وقعته روما مع بكين لتكون جزءاً من مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وتعود جذور حزب ميلوني إلى حزب قديم أنشأه مناصرون للديكتاتور الفاشي بينيتو موسيليني، وتمّ الشهر الماضي تسريب فيديو قديم لها، حين كانت في سنّ المراهقة، تمدح فيه موسوليني، لكنها قالت لـ"رويترز" إنه في "كل موسم انتخابات، يجري التهويل من الفاشية، إنه أمر سخيف". وقارنت بين حزبها والحزب الجمهوري الأميركي، لكنها لفتت إلى أنها لن تسير على خطاه في بعض الأمور، مثل نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، أو على خطى المحافظين البريطانيين، لناحية خططهم لنقل المهاجرين غير النظاميين إلى رواندا. وقالت إن أفضل الحلول لأزمة المهاجرين في إيطاليا، التوصل إلى اتفاق مع ليبيا، على غرار الاتفاق التركي الأوروبي.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)