نَبش في الذاكرة: إيطاليا أول مَن قرع جرس الانتصار لفلسطين بذهب المونديال الإسباني

27 نوفمبر 2022
لاعبو منتخب إيطاليا 1982 يرفعون كأس العالم (بونجارتس/Getty)
+ الخط -

منذ أمد بعيد، وتحديداً منذ ابتليت فلسطين بموجات الاستعمار والاستهداف المتلاحقة، آخرها الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما زال جاثماً فوق صدرها، وهي تناضل عبر مختلف الوسائل والجبهات، ومن ضمنها الرياضة، سعياً منها لإزاحة هذا الكيان الغاصب عن كاهلها، عبر تعرية وجهه القبيح وممارساته اللاأخلاقية.

كان المشروع الرياضي واحداً من بين الأساليب المثلى والناجعة، التي سارعت باتجاهها منظمة التحرير الفلسطينية، منذ انبثاق فجرها عام 1964، حين دشنت المجلس الأعلى للشباب والرياضة، إطاراً رسمياً يهتم بشؤون وشجون كل ما له علاقة بقطاعي الرياضة والشباب؛ حتى الحركة الكشفية، ومن ضمن باكورة أعماله بزوغ الاتحادات الرياضية في الشتات والمهاجر، الذي كان بمثابة جسور تربط بين أبناء فلسطين في المنافي، على امتداد مساحة العالم بعد تشريدهم، قسراً، من وطنهم الأم.

رغم عرقلة الاحتلال تشكيل أي إطار أو هيئة رياضية داخل الوطن الفلسطيني المحتل، وحظره التجمعات، إلا أن قيادة منظمة التحرير كانت تحض على ضرورة إقامة الأنشطة والمنافسات الرياضية، لإيمانها بجدواها ومكاسبها، على اعتبارها إحدى أهم وأبرز الروافع والقوى الناعمة، إذ كانت تتولى عملية تأمين التمويل المالي لها، وكان الهدف الأسمى التقاء الرياضيين الفلسطينيين بعضهم بعضاً، وتأكيد أهمية الرياضة ودورها المحوري في الشق النضالي.

لقد كان للمبادرة الإيطالية انعكاساتها وارتداداتها، وخصوصاً لجهة التبصير والتعريف بالقضية الفلسطينية

تطور هذا النهج السليم والصحي، وصولاً إلى إعلان إطار، هو عبارة عن مظلة ومرجعية للأنشطة والفعاليات كافة في كل من: الضفة الغربية وقطاع غزة، وأطلق عليه اسم رابطة الأندية.

من مخرجات هذا الإطار تنظيم بطولات رسمية في مختلف الألعاب، وترتيب لقاءات خارجية مع أبرز الفرق في العديد من البلدان الأوروبية، من أبرزها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، بهدف التعريف بالقضية الفلسطينية، وتعريف الغرب ببؤس الاحتلال واستفراده بممارسة الظلم على الشعب الفلسطيني.

لقد رفع الفلسطينيون شعاراً قوامه أن أية مبادرة رياضية داعمة لقضيتهم في الفضاء الكوني الفسيح والممتد، قد تكون أعمق تأثيراً من رصاصة يطلقها "فدائي" جسور وشجاع.

لقد أصابوا في اتباع هذا النهج، فقد كان له كبير الأثر وعظيمه في التعريف بالقضية الفلسطينية، وما تكابده من ظلم وقهر وطغيان وعسف بسبب الاحتلال، الأمر الذي نتج منه ازدياد رقعة التعاطف مع القضية الفلسطينية، وخصوصاً في أهم عواصم الغرب الأوروبي وأبرزها.

كم كان للفتة العظيمة والكريمة، التي بادر إليها منتخب الكرة الإيطالي في مونديال 1982 الإسباني، عندما سارع إلى إهداء كأس العالم لمنظمة التحرير الفلسطينية لمدة أسبوع، حيث فازوا فيه على حساب المنتخب الألماني، عندما تفوقوا في النهائي بثلاثة أهداف لهدف، كبير الأثر في نصرة الشعب الفلسطيني، والتبصير بعذاباته ومآسيه بفعل جرائم الاحتلال الإسرائيلي، التي ارتكبت مجازر وحشية في مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان، ومن أبرزها مذبحة صبرا وشاتيلا، التي أفصحت عن الوجه الحقيقي البشع لدولة الاحتلال، وكيف أنها دولة مارقة تمارس التطهير العرقي.

قوبلت مبادرة المنتخب الايطالي برد فعل هستيري غاضب ومزمجر من دولة الكيان الغاصب ومن "الفيفا"، ألا أن الطليان لم يحفلوا لحالة السعار التي مارسها الاحتلال، قولاً وفعلاً، ولا لـ"الفيفا"، الذي كان ظهيراً قوياً لدولة "الأبارتهايد" الفاشية، في الوقت الذي كان وما زال يمارس الازدواجية في المعايير، من خلال السماح للأندية الأوروبية إبداء تعاطفها مع أوكرانيا التي تخوض حرباً ضروساً مع جارتها روسيا الاتحادية منذ منتصف فبراير/ شباط الماضي.

لقد كان للمبادرة الإيطالية انعكاساتها وارتداداتها، وخصوصاً لجهة التبصير والتعريف بالقضية الفلسطينية، ما ترتب عن ذلك عديد من المبادرات المماثلة، المؤيدة والداعمة والمتعاطفة مع القضية الفلسطينية، التي ما زالت تداعياتها حاضرة حتى اللحظة، من خلال رفع الأعلام الفلسطينية، بقوة وزخم، في عديد الملاعب الأوروبية، ويصطف في مقدمتها الملعب الخاص بنادي سلتيك الأسكتلندي، حيث تردد جماهيره شعارات تطالب بالحرية للشعب الفلسطيني. فضلاً عن تضامن العشرات من أبرز نجوم الكرة العالمية مع القضية الفلسطينية في كل عدوان يتعرض له أبناء فلسطين، إذ لم يتردد النجم البرتغالي الدولي ونجم مانشستر يونايتد الإنكليزي كريستيانو رونالدو في استقبال الطفل أحمد دوابشة، أبن قرية دوما التابعة لمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، في استاد "سانتياغو برنابيو"، علماً أنه الناجي الوحيد من عائلته التي أحرقها غلاة المستوطنين المجرمين والمنفلتين، فتوفي على أثرها الأب والأم وطفل رضيع. أما الناجي أحمد، فقد عولج على مدار أشهر عدة، وما زالت أثار الجريمة باقية على جسده، لتكون وصمة عار على جلادي العصر.

سبق رونالدو في الاصطفاف إلى جانب الشعب الفلسطيني والتعاطف مع قضيته العادلة أسطورة الكرة الأرجنتينية الراحل "مارادونا"، عندما جاهر في مقابلة صحافية بأنه "أكبر مشجع ومؤيد للشعب الفلسطيني"، وأضاف:
"هذا موقفي الذي لن أتنازل عنه، ولا يهمني غضب أحد". في حديث آخر أكد مارادونا "أن الشعب الفلسطيني شعبٌ عظيم، يجب علينا الوقوف إلى جانبه، أحبه كمحبتي لحفيدي"، كذلك حرص على لقاء الرئيس محمود عباس في مونديال روسيا عام 2018، وخاطبه قائلاً: "أنا فلسطيني، وقلبي فلسطيني"، وقد تداولت تصريحاته العديد من وسائل الإعلام العالمية.

إن لفتة أبو تريكة العظيمة في كأس الأمم الأفريقية، التي جرت في غانا، ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، عندما انتصر لغزة، رداً على العدوان الإسرائيلي المتكرر بعبارة قوامها: "تعاطفاً مع غزة"، وتوسعت دائرة الدعم لفلسطين برفع لاعبي الأندية الإنكليزية في الموسم الماضي 2021-2022 علم فلسطين، من ضمنهم لاعبا "مانشستر سيتي"، رياض محرز وميندي، في أثناء الاحتفال ببطولة "البريميرليغ"، وسار على النهج نفسه لاعبا ليستر ستي "فوفانا وحمزة شوهدري" اللذان رفعا العلم الفلسطيني في قلب ملعب ويمبلي الشهير إثر الفوز بكأس الاتحاد الإنكليزي.

أصبح وجود العلم الفلسطيني حاضراً في الملاعب الإيطالية، ولا سيما من قبل جماهير نابولي ولاتسيو. وهتفت جماهير باريس سان جيرمان، المملوك لصندوق قطر للاستثمار، في مباراة فريقها ضد مكابي حيفا لفلسطين، ضمن منافسات كأس دوري أبطال أوروبا. كذلك تحول لقاء منتخبي كرة السلة الإسرائيلي والتركي النسوي عام 2006 إلى مظاهرة دعم وإسناد لفلسطين، ما دفع قوات الأمن إلى التدخل.

 

في ضوء هذه المكاسب التي حققتها القضية الفلسطينية، بفعل اللفتة الإيطالية الخالدة آثارها حتى اللحظة، سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي للرد، من خلال تجنيد لاعبين بغرض الترويج لها وتحسين صورتها لدى العالم، وخصوصاً في المحافل الكبرى، وفي مقدمتها كأس العالم.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

في مونديال 2006، نجحت في تجنيد مدافع المنتخب الغاني "جون بانستيل"؛ كان المشهد بائسا وفجّاً وموضع ازدراء الأسرة الكروية الكونية، عندما سارع اللاعب إلى رفع علم دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان يحتفظ به في أحد جواربه، بدلاً من رفع علم بلاده، ثم طاف به حول ملعب المباراة ابتهاجاً بالفوز الذي حققه المنتخب الغاني على حساب منتخب التشيك بهدفين مقابل لا شيء. لم يمر تصرف اللاعب الغاني مرور الكرام، إذ سارع اتحاد غانا لكرة القدم إلى تقديم اعتذار رسمي عن تصرف لاعبه غير المسؤول، قائلاً: "نحن لا ندعم إسرائيل والأمة العربية، ولا نقف ضدهما، نحن في ألمانيا للعب كرة القدم، وليس لممارسة السياسة". وتبين لاحقاً، أن جهاز الموساد الإسرائيلي جندَ المدافع الغاني، في أثناء احترافه في فريق هبوعيل تل أبيب.

كثيراً ما تحاول دولة الاحتلال استقطاب مشاهير الكرة العالمية خاصة، والحركة الرياضية على وجه العموم، من أجل ترويج مشروعها الاستعماري الإحلالي، الذي ينهض على قاعدة الفصل العنصري، وتهويد المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة وابتلاعها.

إن مشاهد من هذا القبيل تنبض بدعم فلسطين وقضاياها العادلة، تتطلب من المستويين السياسي والرياضي التحرك باتجاه إثرائها وتعظيم شأنها، لأن انعكاساتها ستبقي الشعب الفلسطيني في دائرة الأضواء، وخصوصاً في ظل مخططات الاحتلال، الهادفة إلى محو الهوية الوطنية الفلسطينية بابتلاع المزيد من الأراضي وتهويدها.