إنهاء صراع الحسكة: خوف الأكراد والنظام من تمدد المواجهات

24 اغسطس 2016
هدوء حذر ساد المدينة منذ صباح أمس(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
دفعت عوامل متعددة ومصالح مشتركة النظام السوري والمليشيات الكردية، إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار في مدينة الحسكة، بعد أسبوع من القتال بينهما، أسفر عن سيطرة الأكراد على معظم أحياء مركز المحافظة، بعدما كان اتفاق تهدئة بين الطرفين قبل ثلاثة أيام قد فشل. وجاء الاتفاق بعد مفاوضات بين الطرفين برعاية روسية، وذلك بعدما بدأت تبرز معطيات بدت أنها تقلق الطرفين، أبرزها استفادة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من هذا القتال لتحقيق تقدّم في ريف الحسكة، ومخاوف الأكراد من انتقام النظام بقصف جوي لمدينتهم، وسعيهم لاستمرار الخدمات التي يديرها النظام في المدينة، إضافة للتخوّف من تمدد المواجهات إلى حلب، ما يعني استفادة المعارضة منها.
وكشفت عضو المكتب الإعلامي في "وحدات حماية المرأة"، نيروز كوباني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار في الحسكة، الذي تقرر أن يبدأ تطبيقه عند الساعة الثانية من بعد ظهر أمس، نصّت على أن تبقى كل المواقع التي باتت تحت سيطرة المليشيات الكردية، الممثلة بقوات الأسايش وقوات "حماية الشعب"، تحت "حماية" القوات الكردية، على أن تخرج قوات النظام ومليشياته إلى خارج المدينة، فيما تقوم "الشرطة المدنية" بحماية المربع الأمني مع عدم السماح بوجود قوات عسكرية.
وساد هدوءٌ حذر، قبل ظهر أمس، وسط مدينة الحسكة، بعدما كانت المليشيات الكردية قد سيطرت على معظم مدينة الحسكة، عقب معارك مع قوات النظام سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين. وقال الناشط الإعلامي صهيب الحسكاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات الكردية سيطرت على حي غويران وسجن غويران المركزي، وحي النشوة الشرقية بالكامل، ومقر لمليشيا الدفاع الوطني التابعة لقوات النظام، وتجمع الكليات، وفرع سادكوب". وأوضح الحسكاوي أنّ "عدداً من قوات النظام قتلوا بينهم ضباط، وأُسر آخرون خلال هذه الاشتباكات".
وسيطرت المليشيات الكردية، في وقت سابق يوم أول من أمس الإثنين، على حي النشوة، الواقع شمال شرقي الحسكة، بعد معارك مع قوات النظام. وشهدت مدينة الحسكة حركة نزوح بين المدنيين، نتيجة الاشتباكات التي سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى من قوات الطرفين بالإضافة إلى أكثر من خمسة وعشرين مدنياً.
ومع تصاعد المواجهة المسلحة بين المليشيات الكردية والنظام في مدينة الحسكة، عاد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مجدداً إلى واجهة المشهد الميداني في المنطقة، مع شن قواته، صباح أمس الثلاثاء، هجوماً على مناطق سيطرة قوات "سورية الديمقراطية" التي تندرج ضمنها المليشيات الكردية في ريف الحسكة الجنوبي.
وأعلنت وكالة "أعماق" الناطقة باسم تنظيم "داعش"، سيطرة مقاتلي التنظيم على أربع قرى، هي كشكش جبور وتلة صفية والحمادات والعزاوي، وتقع كلها جنوب بلدة الشدادي الواقعة في ريف الحسكة الجنوبي، إثر استهداف مسلحي التنظيم نقاط قوات "سورية الديمقراطية" بسيارتين مفخختين تبعتهما اشتباكات قوية بين الطرفين أفضت بالإضافة إلى سقوط القتلى والجرحى إلى تمكّن مسلحي "داعش" من أسر ثلاثة من مسلحي المليشيات الكردية، وذلك بحسب وكالة "أعماق". وسيجبر هجوم "داعش" على ريف الحسكة الجنوبي المليشيات الكردية على تعزيز قواتها في المنطقة وبالتالي التخفيف من حشودها في مدينة الحسكة والتي ازدادت بشكل كبير في الأيام الأخيرة مع تصاعد المواجهات مع قوات النظام السوري.


ورغم تصاعد المواجهات مع قوات النظام، لم تصل القوات الكردية إلى مرحلة قطع العلاقة مع النظام بشكل كامل في مدينة الحسكة، إذ أثارت صور نشرها مقاتلو المليشيات الكردية في شوارع المدينة التي سيطروا عليها أمام تماثيل تعود لرموز النظام من دون أن يتعرض لها المقاتلون الأكراد بسوء، سخرية نشطاء سوريين معارضين للنظام، قاموا بإعادة نشر هذه الصور على مواقع التواصل، وأرفقوها بعبارات ساخرة.
وللمليشيات الكردية مصلحة واضحة بالإبقاء على وجود للنظام ومؤسساته في مدينة الحسكة، نظراً لأن وجود هذه القوات يعني استمرار المؤسسات الخدمية، كشركات الكهرباء والمياه والاتصالات العامة التي يديرها النظام في الحسكة، بالإضافة إلى الكليات الجامعية والمدارس العامة وغيرها من المؤسسات التي تخدم السكان وتخفف من غضبهم جراء تدهور الأوضاع المعيشية. وبهذا السياق سيكون هذا التواجد للنظام في المدينة الحسكة، ضامناً لتقديم الحد الأدنى من الخدمات، في الوقت الذي تسيطر فيه القوات الكردية على المدينة من الناحية العسكرية والأمنية.
كما أن قصف النظام لمدينة الحسكة عبر الطيران قبل أيام قليلة مع تصاعد المواجهات بينه وبين المليشيات الكردية في حي النشوة وحي الكلاسة، جنوب مدينة الحسكة، وضع في بال المليشيات الكردية أن انسحاب قوات النظام من المدينة يعني فتح الباب أمام النظام للقيام بعمليات قصف انتقامي للمدينة، ما دفع المليشيات الكردية للقبول بوقف للنار يجنّب المدينة قصفها من النظام.
ويبقى تجنّب الطرفين لتمدد الصراع بينهما نحو مدينة حلب وريفها، السبب الأبرز الذي قد يكون وراء توصلهما لاتفاق إنهاء الصراع بينهما في مدينة الحسكة، إذ سيؤدي نشوب مواجهة مسلحة بين الطرفين في حي الشيخ مقصود في مدينة حلب إلى انقطاع طريق الكاستلو الذي بات يُعدّ أخيراً خط إمداد قوات النظام الوحيد إلى مدينة حلب، وبالتالي خط إمداد المليشيات الكردية في حي الشيخ مقصود، كون الحي متصل مع مناطق سيطرة النظام ولا طريق إليه إلا عبرها مع انقطاع كل الطرقات بين حي الشيخ مقصود ومناطق سيطرة المعارضة في حلب، وإغلاق هذه الطرقات بشكل نهائي منذ وقت طويل. وعلى هذا الأساس يبدو أن تمدد المواجهات بين قوات النظام والمليشيات الكردية إلى حي الشيخ مقصود في حلب لن يكون في مصلحة الطرفين مع الانشغال بقتال قوات المعارضة في حلب.
كما أن ارتفاع احتمالات تمدد المواجهات بين الطرفين إلى مدينة القامشلي، أكبر مدن ريف الحسكة، والتي شهدت في وقت سابق مواجهات عديدة بين الطرفين، دفعت قوات الطرفين إلى السعي للتهدئة، تحاشياً لتصاعد المواجهات بينهما، ما قد يفسح المجال لتنظيم "داعش" للتقدّم على حسابهما في ريف الحسكة، ولقوات المعارضة بالتقدّم في حلب وريفها.