إلى أين تتجه العلاقات المصرية الإيرانية عقب تقارب طهران والرياض؟

14 مارس 2023
سياح إيرانيون في مدينة الأقصر المصرية، يونيو 2013 (فرانس برس)
+ الخط -

اكتفت وزارة الخارجية المصرية، عقب توقيع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، برعاية بكين يوم الجمعة الماضي، بالقول إن مصر "تتابع باهتمام الاتفاق، وتتطلع إلى أن يسهم في تخفيف حدة التوتر في المنطقة".

ثم بعد أقل من 24 ساعة، صدر بيان آخر عن رئاسة الجمهورية ذكر أن مصر "تُقدّر هذه الخطوة الهامة"، و"تُثمّن التوجه الذي انتهجته السعودية في هذا الصدد"، لكنه أعرب، في الوقت ذاته، عن تطلع القاهرة إلى أن "يكون لهذا التطور مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية".

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيراني ناصر كنعاني، في مؤتمر صحافي أمس الاثنين، إن "مصر دولة مهمة، وإيران ومصر تقدران بعضهما بعضا، فالمنطقة بحاجة إلى القدرة الإيجابية والتآزر بين طهران والقاهرة".

وأشار إلى أن المحادثات الثنائية الأخيرة بين إيران ومصر قد جرت في العراق هذا الخريف على هامش قمة "بغداد 2"، بحيث أُجريت محادثات قصيرة وإيجابية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "لأننا نؤمن بضرورة اتخاذ خطوات جديدة لتحسين العلاقات بين البلدين"، مؤكداً أن "العلاقات السياسية بين الدول دائماً طريق ذو اتجاهين، وعلينا أن نراها بطريقة ثنائية".

حيادية مرنة لمصر

ويرى الباحث العسكري والضابط السابق بالقوات المسلحة المصرية العميد صفوت الزيات أن "رهانات الموقف المصري من الطبيعة المتقلبة للعلاقات الخليجية الإيرانية، لا تزال على صوابها في التزام حيادية مرنة، دون تورط كبير".

ويوضح الزيات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "ذلك هو ما ستعمل عليه القاهرة مستقبلاً، خصوصاً مع استيعاب درس الخروج عن هذا النهج في الأزمة القطرية الخليجية، وتهميشها التام عندما لاحت انفراجاتها".

ويؤكد الزيات أن مصر منخرطة بالفعل في جهد دولي مشترك لتأمين الملاحة البحرية ومواجهة الجريمة البحرية المنظمة في مناطق الخليج وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي، من خلال 3 قوات مهام مشتركة CTFs. ويلفت إلى أن الأمر المهم كان إضافة قوة مشتركة رابعة هي CTF 153 في 17 إبريل/ نيسان 2022 لتولي مهام الأمن البحري ومواجهة الجريمة المنظمة في منطقة ممتدة من خليج عدن مروراً بباب المندب وصولاً إلى البحر الأحمر.

ويضيف أن مصر "تتولى القيادة الدورية لها منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومن ثم فمصر مقيدة بحكم المشاركة في هذا الجهد البحري الدولي بقيود تعريف التهديد، وقواعد الاشتباك الصارمة لهذا التحالف الدولي، والتي منها مواجهة أنشطة تهريب الأسلحة التي تتولاها إيران لصالح وكلائها في المنطقة، وهو ما يفرض على مصر معضلات كبيرة بحكم سياساتها المتوازنة بين أطراف الصراع في المنطقة".

محمد نشطاوي: يمكن لمصر أن تحاول تشكيل قاعدة خلفية للتفاهمات السعودية الإيرانية

ويشير الزيات إلى أنه "على هذا المستوى توفر قاعدة برنيس واحداً من التسهيلات البحرية والجوية المتاحة لصالح CTF 153، لكن الجانب الأهم من ناحية الأمن القومي لمصر أن هذه القاعدة تمثل اقتراباً بحرياً وجوياً حيوياً من عمق القارة الأفريقية التي تشهد واحدا من أكثر التهديدات الوجودية القائمة على مصر، المرتبطة بحصص مائية تاريخية لا بديل عنها. وعلى ذلك فمهما كانت تقلبات العلاقات الإقليمية على ضفتي الخليج تبقى لهذه القاعدة أولوياتها الإستراتيجية المصرية قبل سائر الارتباطات الإقليمية والدولية الأخرى".
ضغط أميركي وإسرائيلي على مصر

من جهته، يرى خبير العلاقات الدولية محمد نشطاوي أنه "حالياً لم يتبلور أي موقف مصري واضح، وبالتالي يمكننا أن ننتظر القادم من الأيام حتى نرى موقفاً مصرياً واضحاً من هذه التفاهمات الإيرانية ــ السعودية، إلا إذا كان هناك ضغط أميركي وإسرائيلي على مصر".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويقول نشطاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "مصر بحاجة إلى أموال طائلة، وصندوق النقد الدولي يلزمها بتخفيضات قاسية لقيمة العملة المحلية، فيما حلفاؤها من دول الخليج أغلقوا صنابير النقود، وبالتالي ليس لها الآن موقف من هذه التفاهمات".

لا مصلحة باستمرار قطع العلاقات

من جهته، يعتبر مساعد وزير الخارجية المصرية السابق السفير عبد الله الأشعل أنه "لا توجد مصلحة في استمرار قطع العلاقات بين مصر وإيران، بل على العكس هناك مصالح استراتيجية للقاهرة من وراء إعادة هذه العلاقات، ستصب في صالح البلدين، خصوصاً الجانب المصري".

ويعدد الأشعل "المنافع التي يمكن أن تجنيها مصر من وراء استئناف هذه العلاقات، بالإشارة إلى تأمين المجرى المائي لقناة السويس، وضمان مرور آمن للسفن من باب المندب، فضلاً عن أن انفتاح مصر على إيران سيسهم في حدوث طفرة سياحية قد تتجاوز 10 ملايين سائح إيراني سنوياً، يتطلعون لزيارة المزارات الدينية ومراقد آل البيت، بالإضافة إلى إمكانية تنامي التبادل التجاري بين البلدين في ظل اتساع رقعة الاقتصادين المصري والإيراني، بشكل ستكون له فوائد على الاقتصاد المصري المتداعي".

ويوضح أن "تطبيع العلاقات بين مصر وإيران لا يعني الدخول في أزمة مع الولايات المتحدة أو دول الخليج، فالانفتاح على إيران لا يعني الانضمام إلى التكتلات الإقليمية والدولية التي تنخرط فيها طهران، بل إن الأمر قد يسهل للقاهرة لعب أدوار إيجابية في أزمات إقليمية تلعب فيها إيران دوراً جيداً. لكن يبدو أنه لا توجد إرادة سياسية لدى السلطات المصرية لاستعادة الدور الإقليمي الذي خسر كثيراً جراء القطيعة".

ومع كل هذه المكاسب، لا يرجح الأشعل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "يكون البلدان على موعد قريب من استعادة علاقاتهما الدبلوماسية، في ظل تصاعد النفوذ الأميركي على صناع القرار في مصر، خصوصاً أن إيران لن تقدم تنازلات على هذا الصعيد، ولا تستجدي القاهرة لاستعادة هذه العلاقات، خصوصاً أنها هي من قطعت العلاقات عام 1979 ومدت اليد لاستئنافها، سواء خلال عهد (الرئيس الراحل حسني) مبارك أو ما بعد ثورة يناير من دون جدوى".

توجس مصر من مخاطر تمدد إيران

من جهته، يرى وزير الخارجية المصري السابق والرئيس السابق للجنة الشؤون العربية في مجلس النواب السفير محمد العرابي أن "محددات الأمن القومي المصري والمصالح العليا هي من وقفت حائلاً في المقام الأول دون استعادة هذه العلاقات".

ويؤكد أن "توجس مصر من مخاطر إيران على أمن الخليج، هو من حال دون التطبيع، وليس كما يعتقد البعض بوجود فيتو خليجي. فمصر دولة ذات سيادة تحكمها محددات سياسية، واعتبارات أمن قومي في قراراتها وليس من إملاءات أو مجاملات لأحد".

عبد الله الأشعل: هناك مصالح استراتيجية للقاهرة من وراء إعادة هذه العلاقات

ويوضح العرابي أن النفوذ الإيراني والتمدد في المنطقة العربية لعب "دوراً مهماً" في اقتصار هذه العلاقات على مستوى القائم بالأعمال وأقسام رعاية المصالح.

ويشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك شروطاً مصرية يجب على إيران الوفاء بها، على رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، ودعم جماعات متطرفة بها، وعدم التمدد في الإقليم، والتوقف عن لعب دور غير بناء في عواصم عربية، وعدم الإضرار بشكل مباشر وغير مباشر باستقرار دول الخليج، ودول الجوار بشكل عام".

ويرفض "الربط بين قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وإمكانية إقدام مصر على خطوات مماثلة"، فمصر، كما يؤكد العرابي، ورغم تثمينها للتطورات الأخيرة بين السعودية وإيران، "إلا أن قرارها سيادي، تحكمه مصالح عليا، ومحددات واضحة في السياسة المصرية، يجب الوفاء بها قبل المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع طهران".

ويبدي وزير الخارجية السابق تحفظاً على "تطلع مصر للقيام بدور عسكري في حماية أمن دول الخليج ضد أي هجوم إيراني محتمل، حال حدوث مواجهة ايرانية مع واشنطن وتل أبيب"، مشيراً إلى أن الأمر "لا يتجاوز كونه مبالغات لا أساس لها، تقف وراء ترويجه جهات مشبوهة وجماعات متطرفة".

إلى ذلك، يُحمّل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة حسن نافعة "التحذيرات الأمنية من مسألة نشر الفكر الشيعي" مسؤولية كبيرة عن "الجمود الذي شاب العلاقات المصرية الإيرانية لعقود، حيث كانت لهذه الأجهزة ولا تزال الكلمة العليا في لجم أي تطور، فضلاً عن أن عدم الرغبة في إغضاب عواصم خليجية، وكذلك واشنطن وتل أبيب، كان له دور مماثل في تجميد هذه العلاقات". ويدلل نافعة على ذلك برد الفعل الإسرائيلي الغاضب تجاه التقارب السعودي الإيراني، حيث وصفته تل أبيب بـ"البصقة على وجهها".

دول ستعمل على وأد أي تقارب

وحول تأثيرات التقارب المصري الإيراني حال حدوثه، يرى نافعة أن "هناك دولاً ستعمل على وأد أي تقارب مصري إيراني، لما لهذا التقارب من دور في إحداث تغييرات جيوستراتيجية في المنطقة، ستتضرر منها تل أبيب".

ويتابع نافعة أن "هذا التقارب الذي نرجو حدوثه سيؤدي إلى فرملة التطبيع العربي الإسرائيلي، وتحجيم تداعيات اتفاقات أبراهام، وهو ما يدركه ساسة تل أبيب، حيث يعتبرون أنفسهم أكبر متضرر من الخطوة الأخيرة، بالإضافة إلى أن هذا التقارب ووجود قنوات دبلوماسية، قد يسهم في تخفيف التوتر في العراق واليمن وسورية ولبنان، حيث يمكن عبر القنوات الدبلوماسية الوصول لتسوية مهمة تسهم في حل أزمات هذه البلدان".

محمد العرابي: هناك شروط مصرية يجب على إيران الوفاء بها لاستعادة العلاقات

ويتكرر الأمر، كما يؤكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، على الصعيد الفلسطيني، قائلاً إنه "في حال حدوث أي تقارب مصري إيراني ستكون له تطورات إيجابية على الصعيد الفلسطيني، إذ ستخف حدة الضغوط السياسية والعسكرية على المقاومة الفلسطينية، وسيكون وضع المقاومة أفضل، حيث ستُحرر من سياسة الخنادق والمعارك الإقليمية، وستبقي أيديها طويلة في الرد على اعتداءات الاحتلال، وهو أمر سيرتبط كذلك بمدى جدية السعودية في تطبيع علاقاتها مع طهران ووجود تقارب حقيقي بين القوتين الإقليميتين".

المساهمون