استمع إلى الملخص
- **تدخلات خارجية وتأثيرها على المفاوضات**: تدخلات خارجية عرقلت المفاوضات رغم التقارب الأولي بين المجلسين، مع مقترح لتشكيل مجلس إدارة ثلاثي دائم للمصرف، مما أدى إلى تعقيد الأمور.
- **تصعيد محتمل وتداعياته**: فشل البعثة الأممية في تيسير المفاوضات ينذر بتفجر الأزمة مجدداً، مع تأثير خارجي يزيد الخلافات، مما قد يدفع نحو توحيد الحكومة وتقليل الفوضى.
تسود حالة من خيبة الأمل في الأوساط الليبية، إثر فشل ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في التوصل إلى حل نهائي لأزمة المصرف المركزي الليبي في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن أزمة المصرف قد تكون أفضل طريق باتجاه إعادة إطلاق حوار يقطع الطريق أمام المزيد من الفوضى.
والخميس، أعلن ممثلو مجلسي النواب والدولة، في بيان مشترك، اتفاقهما على توسيع مشاورات بينهما في سبيل حل الأزمة، في وقت أعربت فيه البعثة الأممية عن أسفها لعدم توصل ممثلي المجلسين إلى اتفاق نهائي بشأن أزمة المصرف المركزي الليبي وفقاً لعدد من المحددات، التي تكفل التوصل إلى ترتيبات مؤقتة ضمن فترة زمنية محددة تكفل تسيير أعمال المصرف، إلى حين تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين، استناداً إلى مقتضيات الاتفاق السياسي. غير أن البعثة التي تسيّر المفاوضات بين مجلسي النواب والدولة منذ أسبوعين، رحبت بالتقدّم المحرز "بشأن المبادئ والمعايير والآجال التي ينبغي أن تنظم الفترة الانتقالية المؤدية إلى تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للمصرف المركزي".
وكان من المقرر، بحسب إعلان للبعثة الأممية الأربعاء الماضي، أن يعلن ممثلو مجلسي النواب والدولة "صيغة اتفاق نهائية" بشأن المحافظ ومجلس إدارة المصرف، الخميس الماضي، بعد تأجيل ذلك لثلاث مرات متوالية منذ بدء المفاوضات بينهما الأسبوع قبل الماضي برعاية البعثة الأممية.
وكانت مصادر ليبية مقرّبة من المجلسين قد كشفت في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" عن تقارب كبير بين ممثلي المجلسين خلال الأيام الأولى للمفاوضات بشأن تصور لحل الأزمة، إلا أن مسار المفاوضات تعرّض منذ الاثنين الماضي لتدخلات خارجية تسببت في تعثرها. ودفع سفراء دول أجنبية لدى ليبيا بمقترح يقضي بتشكيل مجلس إدارة ثلاثي دائم للمصرف برئاسة المحافظ المعزول من المجلس الرئاسي الصدّيق الكبير، خلافاً لما اتفق عليه ممثلو المجلسين بتكليف محافظ مؤقت بمساعدة عدد من المصرفيين بصفة أعضاء مؤقتين لمجلس الإدارة، فيما يذهب مجلسا النواب والدولة بالتوازي إلى مشاورات أوسع لتعيين محافظ ومجلس إدارة دائمين في غضون ثلاثين يوماً.
ولتجاوز الضغوط الخارجية، أفادت المصادر نفسها بأن ممثلي المجلسين ذهبوا في مفاوضات يومي الأربعاء والخميس الماضيين إلى وضع آليات ومعايير لاختيار محافظ المصرف وأعضاء إدارته، وترك مسألة اختيار شاغلي منصب محافظ المصرف وأعضاء الإدارة لمجلسيهما ضمن مفاوضات أوسع، على أن يصدر قرار بذلك وفقاً للاتفاق السياسي الذي يخوّل المجلسين بتعيين شاغلي المناصب السيادية، وهو ما ترجمه بيانهما يوم الخميس الماضي.
وأبدت مصادر تابعة لممثلَي المجلسين، الهادي الصغير عن مجلس النواب وعبد الجليل الشاوش عن مجلس الدولة، عن ارتياحهما في حديث لـ"العربي الجديد" بشأن مستقبل المفاوضات بين المجلسين وإمكانية الوصول إلى حل قريب لأزمة المصرف، دون تفاصيل أخرى حول مسار المفاوضات، مشددة دون الإفصاح عن هويتها، على أن المجلسين لن يشركا المجلس الرئاسي في اختيار المحافظ وأعضاء مجلس الإدارة لعدم اختصاصه بهذا الأمر، الذي يحصره الاتفاق السياسي في توافق المجلسين فقط.
أزمة المصرف المركزي.. نذر تفجّر الأزمة بدل حلها
وتبدو أزمة المصرف تسير في اتجاه المزيد من التصعيد، وفقاً لرأي الباحث في الشأن القانوني والسياسي بلقاسم القمودي، الذي يرى أن البعثة الأممية "فشلت في تيسير المفاوضات بين جميع الأطراف، فهي تعلن في كل مرة أنها تنظم مفاوضات منفصلة، دون أن تتمكن من جمع الأطراف على طاولة واحدة".
ويعتبر القمودي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدم قدرة البعثة على إقناع أطراف الصراع على الجلوس مباشرةً لوضع حل للأزمة "نذير لتفجرها مجدداً، ولا سيما أن طريقة عجزها هذه تعكس خلافاً واضحاً بين الأطراف الخارجية، التي توجد على هامش المفاوضات وتحاول تسييرها لصالحها غير عابئة بالتداعيات الخطرة، التي ستترتب عن استمرار الأزمة في أكبر مؤسسة مالية في البلاد".
وبحسب رأي القمودي، فإن هذا التأثير الخارجي واختلاف رؤاه سيوسع دائرة الخلافات بين أطراف الأزمة المحليين، ويمنحهم مساحة للتصعيد مجدداً، موضحاً أن مجلسي النواب والدولة يريان أن المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس تورطا في تسببهما في أزمة المصرف المركزي الليبي.
ويؤكد السياسي الليبي أن جميع أطراف الأزمة "يتلاعبون كعادتهم بالتشريعات وقوانين الاتفاقات السياسية"، مشيراً إلى أن مجلسي النواب والدولة يستندان إلى نصوص الاتفاقات السياسية التي أحرجت المجلس الرئاسي وأظهرته متدخلاً في اختصاصات النواب والدولة"، لكنه لفت إلى أن استناد المجلس الرئاسي إلى اختصاصات الطوارئ في ذات الاتفاقات السياسية يهدف إلى إظهار مجلسي النواب والدولة بأنهما السبب في أزمة المصرف؛ لكونهما لم يتوافقا على تعيين محافظ ومجلس إدارة كاملة للمصرف.
القمودي: جميع أطراف الأزمة "يتلاعبون كعادتهم بالتشريعات وقوانين الاتفاقات السياسية
ويضيف القمودي قائلاً: "باعتقادي أنهما لن يفلتا (مجلس النواب ومجلس الدولة) ورقة المصرف المركزي الليبي لتقليل أوراق المناورة لدى المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس، وسنرى قريباً تصعيداً جديداً بأن يدفعا بالقوانين الانتخابية التي تشترط تشكيل حكومة موحدة ضمن مقترح لحل أزمة المصرف".
ويخلص القمودي إلى أن "ترك البعثة الأممية ومن يدعمها من المجتمع الدولي الاتفاقات السياسية تهترئ بمرور الزمن، هو من خلق حالة الصراع التي وصلت إلى مرحلة خطرة في الوقت الراهن، فالمجلس الرئاسي يطمح إلى إبراز نفسه طرفاً فاعلاً في مقابل مجلسي النواب والدولة من خلال صلاحيات تساوي صلاحياتهما، لإشراكه في تشكيل قيادة المصرف المركزي".
مرحلة كسر العظم
في المقابل، يعتبر الأكاديمي وأستاذ الدراسات السياسية مختار الصيد، أن هذا التصعيد المحتمل من جميع الأطراف سيؤدي إلى تعقيد أكبر ويجبر البعثة الأممية والمجتمع الدولي على التدخل للحد من تداعيات الأزمة التي ستؤدي إلى المزيد من الفوضى.
وفي تفصيل أكثر لرأيه، يقول الصيد: "الأطر والأسس السياسية السابقة لبناء مبادرات الحوار فشلت لأنها لم تقف على أرضية أكثر صلابة من مساحة المشترك في مرحلة الصراع الحالية، وهو مصدر الأموال، سواء البنك المركزي أو النفط، الذي لا يسمح بالكثير من هوامش المناورات والالتفافات". وتابع في هذا السياق: "ففي محطة التنافس الكبير حول مصدر الأموال سيقبل الجميع بمبدأ المشاركة السياسية للحفاظ على مكاسبهم الضيقة". وأشار إلى أن الحكومة في طرابلس تسببت في اندلاع الأزمة لعدم قدرتها على الوصول إلى الأموال اللازمة لاستمرارها في الحكم، وسلطة حفتر العسكرية في الشرق ستكون في وضع محرج جداً إذا توقفت مشاريع الإنماء والبناء في شرق البلاد وجنوبها، التي تتكئ عليها أخيراً لتحسين صورتها.
ويرى الصيد أن المتصارعين المحليين وصلوا إلى "مرحلة كسر العظم"، معتبراً أن وجود الخيارات لدى الجميع "يسهل مهمة تقريب المسافة من أجل توحيد الحكومة ومشاركة الجميع في تشكيلها، وإن كان ذلك لن ينهي الأزمة، لكنه سيقلل الفوضى على أحسن الفروض، ويحدّ من استمرار اتجاه البلاد نحو منحدر خطر لن ترجع منه". واعتبر أيضاً أن الدول الإقليمية والدولية قد تدفع أيضاً نحو إجبار المتنافسين الداخليين للتقارب والتوافق، لكن الخوف من رجوع البلاد إلى حالة الحرب الأهلية، خصوصاً في ظل تصعيد عسكري كبير لم يمر عليه أكثر من شهرين.