إلغاء مادة حرية التعبير من مدونة سلوك الموظف الفلسطيني.. هل بات القمع ممنهجاً؟

30 يوليو 2021
القرار يأتي في أجواء الاعتقالات والاعتداءات على المتظاهرين والصحافيين (Getty)
+ الخط -

أثار قيام السلطة الفلسطينية رسمياً بإلغاء المادة "22" من مدونة السلوك، والتي تمنح للموظف العام الحق في التعبير عن رأيه، عاصفة من الانتقادات، إذ أكدت المؤسسات الحقوقية الوطنية والدولية أن السلطة الفلسطينية تقوم بقمع الحريات بشكل ممنهج مدعوم بالقوانين، على عكس ادعائها بأن القمع حالات فردية يتم علاجها.

ونشرت صحيفة الوقائع الفلسطينية في السابع والعشرين من يوليو/تموز الجاري، قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم (3) لسنة 2021 بإلغاء المادة (22) من مدونة السلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة، وإلغاء كل ما يتعارض في ما يخصها. وتنص المادة "22" والتي كان عنوانها "التعبير عن الرأي": "للموظف الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام التشريعات النافذة، ويجب على الموظف عند إبداء رأي أو تعليق أو مشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي أن يوضح أنه يمثل رأيه الشخصي فقط، ولا تعكس رأي الجهة الحكومية التي يعمل بها".

وبعد الانتقادات الحادة أصدرت الحكومة الفلسطينية بياناً للرأي العام نشرته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا"، قالت فيه: "إن الهدف من إلغاء المادة (22) من مدونة السلوك، هو إزالة أي تعارض أو تقييد للحريات العامة، وكل ما يشاع حول تقييد حرية التعبير مجاف للحقيقة"، مشددة على التزام الحكومة بضمان حرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون الأساسي والمواثيق والمعاهدات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين والقوانين والتشريعات الوطنية السارية.

ولم تصدر الحكومة أو السلطة الفلسطينية أي قانون يمنع عناصر من الأجهزة الأمنية والوظائف الحكومية من توجيه اتهامات وشتائم عبر صفحات "السوشال ميديا" للصحافيين والنشطاء الذين يعبرون عن رأيهم في إجراءات السلطة وقراراتها.

ويرى الخبير القانوني ماجد العاروري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة حينما أزالت تلك المادة لم تكن توجهاتها إيجابية، كون المادة بطريقتها الموجودة منسجمة بشكل كبير مع القانون الأساسي الفلسطيني، ومسألة حرية الرأي للموظف تعني أنه يعبر عن رأيه، وليس عن الجهة التي يعمل فيها موظف الحكومة، وهذا أمر يجب توضيحه وليس إلغاءه إن كان هناك أي سوء فهم تجاهه، وبالتالي أن يضمن حق الموظف في التعبير عن رأيه، مستطردا بأنه "إن وجدت إخلالات في تلك المادة أو سوء فهم، فالأصل تعديلها لا إلغاؤها".

معلومات تفيد بطلب مدراء المؤسسات الحكومية من الموظفين بالقيام بحذف أي منشورات لهم أو تعليقات على خلفية مقتل المعارض السياسي نزار بنات

وحول أهمية هذه المادة بالنسبة للموظفين، قال العاروري: "إن الموظفين الحكوميين عندما يتم تحويلهم إلى مجالس تأديبية من قبل مؤسساتهم الحكومية على خلفية نشرهم آراءهم، تكون التعليمات والقرارات والقوانين والأنظمة هي التي تحكم عملهم أكثر من الحديث عن المبادئ الدستورية، وكانت المادة (22) تشكل حماية كبيرة لهم، وفي بعض المؤسسات الرسمية جرت محاكمات لموظفين على خلفية آرائهم".

ويشير العاروري إلى وجود ثلاثة مجالس تأديبية لقضاة خلال مراحل مختلفة، على خلفية النشر، وإن المادة "22" كانت مسألة ضامنة لحقوق الموظفين، لأنها المرجعية التي تستند إليها المجالس التأديبية سواء في القضاء أو المؤسسات الحكومية.

وحول بيان الحكومة الفلسطينية الذي يبرر إلغاء المادة (22) بأنه جاء لينسجم مع القانون الأساسي، يؤكد العاروري أن الإلغاء جاء في أجواء قامعة للحريات، وملاحقة للناس التي تحتج في الشوارع، وملاحقة من يحتج ويعبر عن رأيه، وإقالة رئيس المكتبة الوطنية، إيهاب بسيسو، بدرجة وظيفية هي وزير، على خلفية تعبيره عن رأيه في "فيسبوك".

ويقول العاروري: "من ضمن الأحداث وتوجهات السلطة في الأسابيع الماضية، معلومات تفيد بطلب مدراء المؤسسات الحكومية من الموظفين بالقيام بحذف أي منشورات لهم أو تعليقات على خلفية مقتل المعارض السياسي نزار بنات، أو تلك التي تطالب بمحاكمة عادلة له"، فيما يؤكد العاروري، "أنه على أرض الواقع فإن توجهات للسلطة والحكومة تعطي دلائل عكس احترام الحريات الحق في التعبير".

ويعتقد العاروري أن نفي الحكومة قمعها للحريات عبر إلغاء المادة "22"، لاكتشافها بعد ردة الفعل التي جرت، أنها وقعت في خطأ كبير، "لأن هذا أول قرار موثق ومنشور بشكل رسمي في صحيفة (الوقائع الفلسطينية) بأن كبت الحريات هو أمر ممنهج من السلطة، وليس كما ادعت وبررت أكثر من مرة أنها أعمال فردية".

ويبين العاروري أنه "في لغة حقوق الإنسان هناك فرق بين الأعمال الممنهجة والأعمال الفردية، فكان هذا مؤشرا كبيرا وملموسا أن قمع الحريات أمر ممنهج، وعندما اكتشفت الحكومة أن ما قامت به عمل خطير جدًا، سيكون له تبعات، قررت التراجع عبر بيان تقول فيه إنها أزالت هذه المادة حتى يكون الموضوع منسجما مع القانون الأساسي الفلسطيني".

مؤسسة الحق الفلسطينية أكدت أن قرار مجلس الوزراء لا يحمل أية قيمة قانونية ولا يرتب أية آثار قانونية على حق الموظفين/ات العموميين بالتعبير عن آرائهم، "كون الحق في حرية الرأي والتعبير مكفولا في القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (19)، والتي أكدت أنه لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه، وكون كافة المواطنين/ات متساوين أمام القانون والقضاء وفق المادة (9) من القانون الأساسي الفلسطيني، فلهم ممارسة حقهم في التعبير عن الرأي سواء كانوا موظفين في القطاع العام أو الخاص أو قضاة أو مواطنين عاديين".

ودعت مؤسسة الحق في بيان لها، الحكومة الفلسطينية إلى التراجع عن هذا القرار، واحترام الحق في الرأي والتعبير لكافة المواطنين/ات في السياسات والتشريعات والتطبيق العملي وليس من خلال التصريحات الإعلامية فقط، كذلك احترام التزاماتها تجاه الانضمام للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكد ضرورة احترام وحماية وإعمال الحق في حرية الرأي الوارد في المادة (19) من قبل الدول المنضمة للعهد، وتشير الحق إلى أنها سوف تدرج هذا القرار في التقارير الموازية بشأن تقرير دولة فلسطين الرسمي الخاص بالعهد المدني والسياسي.

العاروري، شدد على أنه "إذا كانت الحكومة صادقة في تبريرها أنها تريد إلغاء المادة (22) لتنسجم مع القانون الأساسي، ولأن موضوع الحريات منسجم ومترابط، فهذا يعني أن الموظفين العموميين يستطيعون تشكيل نقابة لهم وكذلك للمعلمين حسب ما نص عليه القانون الأساسي، بما أن المرجعية هي القانون الأساسي ولا حاجة لنقطة تنظيمية في مدونة قواعد السلوك، لذلك يجب أن تسمح الحكومة لمن يريد بأن يشكل نقابة للموظفين العموميين والمعلمين".

وأكد العاروري على أنه "يجب أن تصدر الحكومة قراراً موجهاً للموظفين العموميين يتيح لمن تم قمع حرياتهم في التعبير بأن يلاحقوا مدراءهم أو الجهات التي لاحقتهم لإزالة منشوراتهم خلال أزمة مقتل المعارض السياسي نزار بنات، وتطلب منهم أن يقدموا شكاوى ضد رؤساء الإدارات الحكومية لأنهم ارتكبوا جرائم دستورية، وأن تتراجع عن إقالة رئيس المكتبة الوطنية"، مشددًا على أنه "إذا أخذت الحكومة هذه التدابير والإجراءات، فإننا سنعتبر أن الحكومة صادقة في توجهاتها للحفاظ على الحريات، وإلا فإن بيان الحكومة مضلل".

المساهمون