استمع إلى الملخص
- إغلاق الطرق أمام الفرق الفنية والهندسية بعد السيطرة على الخزان أدى إلى فيضانات في مناطق عديدة، منها الجزيرة أبا، مما تسبب في نزوح عشرات الأسر وتهديد المناطق بالغرق.
- الفيضانات الناتجة عن إغلاق الخزان أدت إلى نزوح 40 أسرة، ووزارة البنى التحتية أرسلت فرق عمل لحماية المناطق المتضررة، مع تجاوز منسوب المياه المعدلات السابقة.
في ظل استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدد من ولايات البلاد، منذ إبريل/نيسان 2023، توزعت المؤسسات والمواقع الاستراتيجية بين سيطرة الطرفين، وباتت المواقع المهمة تحت قبضة الدعم السريع في مواجهة التهديد. على رأس تلك المناطق منطقة جبل أولياء الاستراتيجية التي تضم خزاناً يحوي كميات كبيرة من المياه، الذي يحذر مختصون من أنه سيُغرق الخرطوم في حال انهياره نتيجة الاشتباكات، فيما بدأ خزان جبل أولياء بالفعل، إغراق مناطق واقعة خلفه في ولاية النيل الأبيض، بسبب توقف تشغيله وتزايد منسوب المياه.
منطقة استراتيجية
أنشئ خزان جبل أولياء عام 1937، وهو سد حجري على نهر النيل الأبيض، ظل تحت الإشراف الفني والإداري للحكومة المصرية وفق اتفاقية بين القاهرة والخرطوم، حتى سُلِّم لحكومة السودان عام 1977. وتضم منطقة الجبل قاعدة ود النجومي الجوية الخاصة بالمروحيات، ومعسكراً للجيش السوداني، وتمثل بوابة الدخول الجنوبية للعاصمة الخرطوم من الولايات الأخرى، كذلك يضم خزان جبل أولياء جسراً صغيراً فوق نهر النيل يربط الخرطوم غرباً بمدينة أم درمان. وتعّد المنطقة أبرز المواقع الهامة التي خسرها الجيش، إذ شنت قوات الدعم السريع العديد من الهجمات على جبل أولياء، واندلعت معارك ضارية لأشهر قبل أن تسيطر عليه "الدعم"، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وأكدت قوات الدعم السريع، في بيان بعد يوم من السيطرة على الخزان، حرصها الشديد على أمن خزان جبل أولياء وسلامته "وتوفير كل الضمانات والتسهيلات اللازمة لعودة جميع الفرق الفنية والهندسية العاملة في السد، ومباشرة عملها الفني الخاص بعمليات الرصد المائي على النهر". لكن ذلك لم يحدث نتيجة استمرار الاشتباكات واستخدام "الدعم" للجسر للتنقل إلى أم درمان. وتمتلك الدعم السريع معسكراً في منطقة صالحة في أم درمان وتحتاج، بحسب مراقبين، إلى معبر بري يربطها بالضفة الشرقية للنيل في جبل أولياء، حيث تمتلك معسكراً آخر هناك في منطقة طيبة الحسناب.
وفي حال انهيار خزان جبل أولياء يهدد الغرق مئات الأحياء على ضفتي النهر الشرقية والغربية في مدينتي الخرطوم وأم درمان. وسبق أن أطلق مواطنون وناشطون تحذيرات لسكان الأحياء في الخرطوم من الغرق إذا تهدم سد المياه نتيجة الاشتباكات المستمرة والقصف المتبادل في منطقة الخزان، إذ قصف الجيش الجسر الحديدي التابع للخزان والرابط بين الخرطوم وأم درمان، ودمره أكثر من مرة. وبعد كل قصف كانت قوات الدعم السريع تعيد لحام الجسر وإصلاحه لتتمكن من استخدامه في العبور. ونتيجة غياب الفرق الفنية للتشغيل والصيانة في الخزان، لم يُلتزَم بعمليات الملء والتفريغ الروتينية خلال العام الحالي، عند ارتفاع مستوى المياه وانخفاضه، ما تسبب في زيادة منسوب المياه شمال الخزان وحصول فيضانات على عدد من المدن والقرى الواقعة على ضفتي النيل الأبيض.
اجتاح فيضان المياه مدينة الجزيرة أبا في ولاية النيل الأبيض ما عرّض سكانها للخطر
وقد اجتاحت المياه أخيراً واحدة من أشهر الجزر السودانية، وهي مدينة الجزيرة أبا، في ولاية النيل الأبيض، وغمرت عدداً من الأحياء وتسببت في نزوح عشرات الأسر. واشتهرت الجزيرة في أثناء الثورة المهدية في السودان حين اتخذها زعيم الثورة محمد أحمد المهدي مقراً له سنة 1871 وبنى بها مسجداً وخلوة، وبدأ منها دعوته وثورته على الحكم التركي في السودان.
ولما كانت منطقة الجزيرة أبا محسوبة على أنصار المهدي، أعلنت "هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد" الممثلة لهم، في بيان أمس الأحد، أن الجزيرة تتعرض لكارثة الفيضان بسبب إغلاق الدعم السريع خزان جبل أولياء كما يقول الخبراء، ما عرّض سكان الجزيرة للخطر. وقال الأمين العام للهيئة عبد المحمود أبو، في البيان، إن الجزيرة أبا، المدينة التاريخية التي انطلقت منها الثورة المهدية ضد الاستعمار الأجنبي، تضم عشرات الآلاف من السكان، وبعد الحرب نزح إليها عدد كبير من الفارين من العاصمة ومن ولاية الجزيرة وأخيراً من جنوب النيل الأبيض، ما يفوق طاقتها. وناشد الجهات المسؤولة والأمم المتحدة ومنظماتها ذات الاختصاص ومنظمات العون الإنساني والخيرين نجدة الجزيرة وإنقاذها من الغرق، كذلك ناشد القوات المسيطرة على الخزان السماح لمسؤولي الري والخبراء والفنيين بفتح الخزان.
فيضان مياه خزان جبل أولياء
وقال المواطن عبد الرحمن غزالي المقيم في الجزيرة، لـ"العربي الجديد"، إن المياه فاضت ودخلت المدينة واقتحمت عدداً من الأحياء السكنية، مضيفاً أن السكان اضطروا إلى مغادرة منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى بعد وصول المياه إليهم وهدم عشرات المنازل. وذكر أن المياه تحاصر الجزيرة الآن ولا يوجد إمكانية لتصريف المياه التي بدأت بالدخول من الناحيتين الشرقية والشمالية. من جهتها، قالت المواطنة نسيبة حامد من قرية شيكان المجاورة، لـ"العربي الجديد"، إن مستوى المياه ارتفع بصورة كبيرة ووصل إلى الحواجز الترابية حول القرية، ولم يبقَ سوى القليل لتتجاوز المياه الحاجز وتدخل القرية. وأضافت أن الناس يعيشون في خوف ويتوقعون اجتياح المياه لمنازلهم في أي لحظة، خصوصاً بعد أن غرقت الكثير من المنازل في قرى مجاورة.
في السياق، أعلنت مصفوفة تَتَبُّع النزوح، التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، في تقرير يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أن الفيضانات التي ضربت الجزيرة أبا بمحلية ربك في النيل الأبيض، أدت إلى نزوح 40 أسرة. وأفادت بأن الأسر نزحت في المقام الأول من أربع مدارس كانت بمثابة مواقع إيواء للنازحين، فضلاً عن أحياء حمر وزغاوة والرحمانية وأرض الشريفة. وأشارت إلى أن النازحين بحثوا عن مأوى لدى المجتمعات المضيفة داخل المنطقة نفسها.
عبد الرحمن صغيرون: ما تسبب به الخزان يعود لعدم عمله بصورة طبيعية واستخدامه جسراً
بدوره أشار مدير إدارة مياه النيل بوزارة الري المهندس عبد الرحمن صغيرون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن ما تسبب به الخزان يعود لعدم عمله بصورة طبيعية واستخدامه كبري (جسر) وليس خزاناً. وأضاف أن جسور الخزان الترابية في الوضع الطبيعي تجري صيانتها ومراقبتها تحسباً لارتفاع المناسيب، في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر. وذكر صغيرون أن التشغيل الطبيعي يراعي كمية المياه المخزونة وكمية المياه الواردة لخزان جبل أولياء، وذلك لضمان سلامته وللإيفاء بمتطلبات المياه للسكان أمام الخزان وخلفه.
وكان وزير البنى التحتية في ولاية النيل الأبيض محمد حسن، قد قال في تصريح، أول من أمس السبت، إن الوزارة أوفدت أربعة فرق عمل إلى كل من مناطق الدويم وشبشة ووكرة، الكوة وأبو شاتين والجزيرة أبا والمناطق المجاورة لها، والعباسية بكوستي والطويلة وقلي والفشاشوية، وكل مناطق الهشاشة. وأضاف أن فرق العمل ستعمل على الحماية وتأهيل التروس الواقية بهذه المناطق، مشيراً إلى أن هذه المناسيب تجاوزت كل معدلات مناسيب ارتفاع النيل في الأعوام السابقة، وعزا ذلك إلى إغلاق خزان جبل أولياء بسبب مليشيا الدعم السريع.