إعلان أنقرة… لا اختراقات سياسية كبرى في قمة السيسي وأردوغان

06 سبتمبر 2024
السيسي وأردوغان في أنقرة، 4 سبتمبر 2024 (أمين سنصار/الأناضول)
+ الخط -

لم تحدث القمة التي انعقدت بين الرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، في أنقرة، أول من أمس الأربعاء، أي اختراق يذكر، في أي من الملفات السياسية العالقة الكبرى بين البلدين، لا سيما المرتبطة بملف شرق المتوسط وتعيين الحدود البحرية، وأيضاً على مستوى الخلاف بين الطرفين في ليبيا، إذ بقي الوضع كما هو عليه تقريباً في هذين الملفين الأساسيين، مع اتفاق فقط بعد قمة السيسي وأردوغان على استمرار التشاور بين البلدين حولهما، بحسب ما كشفته معلومات توفرت لـ"العربي الجديد" حول نتائج أعمال القمة، التي طغت عليها الجوانب الاقتصادية والتجارية.

تأجيل مسألة الحدود البحرية

ويعتبر عدم التوصل إلى اتفاق بين مصر وتركيا حول تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، تأجيلاً لمسألة حاسمة وأساسية في العلاقة بين البلدين، إذ إن ذلك الاتفاق من شأنه أن يسمح لكل منهما بالحصول على نصيب من ثروات الغاز الطبيعي الموجودة في المنطقة. وفي الملف الليبي، اكتفى الإعلان المشترك الذي صدر بعيد قمة السيسي وأردوغان الأربعاء، بتأكيد "تطلعهما لدعم عملية سياسية بملكية وقيادة ليبية، وبتسهيل من قبل الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية"، من دون التوصل لاتفاق عملي لتنفيذ ذلك.

لم تخرج القمة باتفاق لتنسيق المواقف بشأن غزة وزيادة الضغط على نتنياهو

وأشارت المعلومات إلى أن العديد من الملفات السياسية الأخرى، التي تباحث الرئيسان المصري والتركي حولها، لم تصل إلى نتيجة فعّالة على الأرض، وعلى رأسها ملف الحرب على قطاع غزة، إذ توقع البعض أن تشهد قمة السيسي وأردوغان اتفاقاً على تنسيق المواقف بين القاهرة وأنقرة من أجل اتّباع مسار معين من شأنه أن يضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف الحرب، مثل المسار القانوني الخاص بملاحقة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في المحكمة الجنائية الدولية، أو المسار الآخر الخاص بالدعوى المرفوعة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، ولكن أياً من ذلك لم يتم الاتفاق عليه.

لا نتائج ملموسة في قمة السيسي وأردوغان

واكتفى الإعلان المشترك الذي صدر عن قمة السيسي وأردوغان في أنقرة، بـ"المطالبة بالوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وتدفق المساعدات الإنسانية والطبية دون انقطاع ودون عوائق إلى قطاع غزة، وإلى جميع أنحائه، وفقاً لقرارات مجلس الأمن". كما طالب الطرفان بـ"التضامن القوي في جهود إعادة إعمار غزة، والاستعادة الفورية للسلام في المنطقة لمنع المزيد من التصعيد"، وأعربا عن "استعدادهما لتعزيز مستوى التنسيق والتعاون بين تركيا ومصر لدعم جهود التعامل مع الوضع الإنساني في غزة".

وعلى مستوى القضايا الإقليمية الأخرى ذات الاهتمام المشترك، لم تتوصل قمة السيسي وأردوغان إلى أي نتائج ملموسة، وتمّ الاتفاق على استمرار التشاور بشأنها، مثل الأزمة في منطقة القرن الأفريقي، والحرب في السودان، وقضية سد النهضة. وكان من المتوقع أن تلعب تركيا دوراً في حل أزمة سد النهضة، إذ إنها تتمتع بعلاقات قوية مع إثيوبيا، وهي ثاني أكبر مستثمر هناك بعد الصين، حيث تعمل أكثر من 200 شركة تركية في إثيوبيا، التي تتلقى من أنقرة مساعدات عسكرية، لاسيما مسيّرات "بيرقدار" التي ساعدت حكومتها على حسم الحرب الأهلية الأخيرة لصالحها.

وكان من المتوقع أيضاً بعد قمة السيسي وأردوغان أن يتم الاتفاق على آلية للعمل المشترك في الصومال، بين مصر وتركيا، تحافظ على وحدة الصومال، في مواجهة الخطة الإثيوبية لإنشاء قاعدة بحرية في إقليم أرض الصومال الانفصالي، حيث تحتفظ تركيا بأكبر تواجد عسكري وبعثة مساعدات في مقديشو، وتشارك مصر بقوات وأسلحة لحفظ السلام في الصومال، ولكن لم يتم بلورة موقف ملموس في هذا الإطار. وتضمّن إعلان أنقرة بنداً ينص على اتفاق الطرفين على "أهمية ضمان السلم والأمن والاستقرار في القرن الأفريقي، والحفاظ على علاقات حسن الجوار والصداقة، فضلاً عن الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية لكل دولة"، و"تطلعهما للمزيد من تعزيز التشاور حول المسائل الإقليمية بالإضافة إلى تطوير بناء القدرات في القارة الأفريقية". كما أعرب الطرفان عن "أسفهما وقلقهما إزاء الصراع الجاري في السودان، والذي أدّى إلى تبعات إنسانية مدمرة في أرجاء السودان والمنطقة، وترحيبهما بالمبادرات الخاصة بحل الأزمة سلمياً، ودعمهما الجهود الدبلوماسية المشتركة في هذا السياق".

لم يتم الإعلان بعد القمة عن اتفاق لحصول مصر على مسيّرة بيرقدار

وفي إطار العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، كان من المتوقع أن تشهد زيارة السيسي إلى أنقرة، توقيع اتفاقيات عسكرية أهمها تلك التي تؤدي إلى حصول مصر على مسيّرة "بيرقدار"، والتي تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة للقاهرة، لكنه لم يتم الإعلان عن ذلك. واكتفى البيان المشترك بالإشارة إلى "إعادة تأكيد الطرفين استعدادهما لمواصلة الحوار السياسي والدبلوماسي بين البلدين، وتوسيع نطاق التشاور في المجالات المختلفة مثل العسكرية والأمنية والشؤون القنصلية".

وفي الملفات الأخرى الخاصة بتواجد إعلاميين وصحافيين مصريين محسوبين على المعارضة، على الأراضي التركية، وهي القضية التي طالما شكّلت نقطة خلاف بين البلدين، كشفت المعلومات عن أن الجانب المصري، أصرّ على إدراج بند في الإعلان المشترك، وهو ذلك الذي ينص على أن الطرفين "أعربا عن نيتهما تطوير التعاون في مجالات الإعلام والاتصالات ومكافحة المعلومات المضلّلة".

لا تخلي عن المكتسبات

وفي التعليق على مجمل النتائج والتوصيات التي خرجت من قمة السيسي وأردوغان في أنقرة، وتحديداً بشأن الوضع في ليبيا، رأى السفير المصري السابق لدى تركيا، الدكتور عبد الرحمن صلاح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا شك أن أياً من مصر وتركيا لن تتخلى عن حلفائها الليبيين ولا عن نصيبهم العادل في الثروات الليبية وثقلهم النسبي في تشكيل الحكومة الجديدة، ولن تحتاج مصر لأن تغيّر موقفها الرافض للاتفاقيات التي عقدتها حكومتا فائز السراج وعبد الحميد الدبيبة مع تركيا حول الحدود البحرية أو استغلال تركيا لحقول النفط والغاز الليبية، ولكن يمكن لمصر الوصول لتفاهم مع تركيا يسهّل الوصول إلى حلّ سياسي ليبي ويمكّن الأطراف الليبية من تشكيل حكومة جديدة مع مراعاة المصالح المصرية والتركية والغربية والروسية في الوقت ذاته. ويمكن أيضاً الوصول إلى تفاهمات مصرية تركية حول تعاون شركات البلدين في مشاريع تقام في شرق وغرب ليبيا على قدم المساواة وتأمين المساندة السياسية الليبية لتلك المشاريع وتأمين التمويل الليبي لها".

وبالنسبة إلى شرق المتوسط، اعتبر الدبلوماسي المصري السابق في أنقرة، أنه "يمكن لمصر الاستفادة من علاقات التحالف التي أقامتها في شرق المتوسط مع كل من اليونان وقبرص، من أجل الوصول إلى صياغة عملية تمكّن تركيا من الحصول على نصيب من الغاز في المياه التي تفصل بينها وبين البلدين، دون الدخول في مساجلات قانونية حول اتفاقيات قائمة منذ أكثر من مائة عام، وانتظاراً لحسم النزاع على قبرص التركية التي لا تعترف بها الغالبية العظمى من دول العالم".

 

المساهمون