استمع إلى الملخص
- رد الاحتلال الإسرائيلي بعنف عبر الغارات الجوية ودعوات الإخلاء، بينما حافظت المقاومة على سياسة "ضبط الميدان" بإطلاق صواريخ متقطع، مما زاد الضغط على مستوطنات الغلاف.
- يرى المحللون أن إطلاق الصواريخ يحمل رسائل سياسية وميدانية، تهدف لإظهار قدرة المقاومة على الاستمرار والضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات في المفاوضات.
غابت بيانات رسمية حول تبني غالبية عمليات إطلاق الصواريخ من غزة
باتت المقاومة تطلق بشكل يومي صواريخ من عدة مناطق
الأخرس: المقاومة الفلسطينية تتعامل وفق حسابات سياسية وميدانية
عادت المقاومة الفلسطينية لإطلاق الصواريخ من مختلف مناطق قطاع غزة، مرة نحو مستوطنات محاذية للقطاع (غلاف غزة)، ومرة باتجاه القدس المحتلة، بعد فترة من التوقف شبه الكامل استمر عدة شهور بالتزامن مع عمليات الاحتلال البرية مناطق متفرقة مثل مدينة رفح جنوبي القطاع، وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شماليّه، والبريج وسطه. ومع غياب إطلاق الصواريخ من غزة كانت عمليات المقاومة خلال تلك الشهور، مكتفية بالمواجهات الميدانية والمعارك، من خلال نصب الكمائن لجنود الاحتلال الإسرائيلي في مناطق التوغل، بالإضافة للاستهداف الميداني بالقذائف والصواريخ الموجهة.
وأُطلقت ثلاثة صواريخ من شمالي قطاع غزة، أمس الاثنين، تجاه مستوطنة سديروت، أصاب أحدها مبنى بشكل مباشر، وفق القناة 13 الإسرائيلية. وكان الجيش الإسرائيلي أعلن في بيان، أمس، إطلاق صفارات الإنذار في مستوطنتي سديروت ونير عام المحاذيتين لقطاع غزة، ولاحقاً ذكر أنه "تم رصد إطلاق 3 قذائف صاروخية عبرت من شمال قطاع غزة"، زاعماً أنه "اعترض صاروخاً واحداً، وسقط صاروخ واحد في مدينة سديروت، وسقط آخر في منطقة مفتوحة".
ومع عودة إطلاق الصواريخ من غزة شهد القطاع للأسبوع الثاني على التوالي، إطلاق رشقات صاروخية محدودة العدد تجاه مستوطنات الغلاف، مقارنة بحجم الرشقات الصاروخية التي نفّذتها الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في الأيام والشهور الأولى من معركة طوفان الأقصى، والتي وصلت فيها الصواريخ إلى وسط فلسطين المحتلة مثل القدس وتل أبيب والخضيرة. وغابت بيانات رسمية حول تبني غالبية عمليات إطلاق الصواريخ من غزة أخيراً، باستثناء إطلاق صواريخ تجاه القدس وتل أبيب تبنتها سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي ضمن سلسلة الرشقات الصاروخية، أواخر الشهر الماضي.
وتعامل الاحتلال بعنف شديد مع إطلاق الصواريخ من غزة سواء عبر الغارات الجوية العنيفة على المناطق التي انطلقت منها الرشقات، أو عبر دعوات الإخلاء الموجهة للسكان في تلك المناطق. في المقابل، تعاملت المقاومة الفلسطينية بنوع من "ضبط الميدان"، إذ اكتفت بإطلاق الصواريخ بين فترة وأخرى، مثل قصف تل أبيب أو أسدود وعسقلان وبئر السبع، وهي المدن الكبرى. غير أن هذه السياسة تبدلت مع دخول الاحتلال مدينة بيت حانون، وإجلاء غالبية الفلسطينيين من مناطق شمالي القطاع وتواصل عمليات النسف والتدمير للبيوت. وباتت المقاومة تطلق بشكل يومي صواريخ من عدة مناطق.
وخلال اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت المقاومة أكثر من خمسة آلاف صاروخ وقذيفة تجاه المدن المحتلة، في أكبر عملية إطلاق صاروخي تتم في تاريخ الأذرع العسكرية. ثم واصلت خلال الأسابيع الأولى للحرب إطلاق عشرات الصواريخ قبل أن تصل لمرحلة من الانخفاض الواضح ميدانياً. علماً أن الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية لا تمتلك خطوط إمداد حيث تعتمد بدرجة أساسية على عمليات التصنيع التي تجريها وحداتها الميدانية، وهي عملية تبدو معقدة وصعبة في ضوء حرب الإبادة والقصف والتهجير التي يمارسها الاحتلال منذ الأسبوع الأول للحرب.
محمد الأخرس: الاحتلال عمل على رفع كلفة إطلاق الصواريخ عبر ابتزاز الحاضنة الشعبية للمقاومة
حسابات سياسية وميدانية
اعتبر الكاتب والباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس، أن "المقاومة الفلسطينية تتعامل وفق حسابات سياسية وميدانية"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها "تثبت من خلال عمليات الإطلاق المتواصل للصواريخ أن لديها قدرة عملياتية على تنفيذها". يظهر ذلك وفق الأخرس، "في الاعتماد على أماكن محددة في عمليات الإطلاق وتحديداً من شمال قطاع غزة، بالإضافة لحفاظها على وتيرة مستمرة منذ عدة أيام"، مضيفاً أن هذا الأمر "يأتي عقب توسيع الاحتلال عملياته العسكرية تجاه منطقة بيت حانون، وإصداره قرارا بإخلاء السكان من تلك المناطق". ولفت الأخرس إلى أن "الاحتلال عمل طوال الشهور الماضية على رفع كلفة إطلاق الصواريخ عبر ابتزاز الحاضنة الشعبية للمقاومة وإصداره قرارات إخلاء ونزوح مستمرة، بعد إطلاق المقاومة للصواريخ"، لذلك فإن الأخيرة "لديها هامش مناورة أوسع حالياً في العودة لتفعيل مقدراتها الصاروخية".
وأشار إلى أن إطلاق الصواريخ من غزة "جاء لرفع كلفة العمليات العسكرية البرية في شمالي القطاع، لمنع الاحتلال من تحويلها لعامل ضغط باتجاه واحد ضد المقاومة"، معتبراً أنه "بذلك تكون المقاومة أدخلت مستوطنات الغلاف في مساحة ضغط في الاتجاه المقابل". وأوضح أن هذا الأمر "له تأثيره على الاحتلال من خلال التأكيد على أن استمرارية الحرب لا يضمن بالضرورة تحسين ظروف المستوطنين في مستوطنات الغلاف، الذين يعمل الاحتلال على مخاطبة مخاوفهم الأمنية المزعومة عبر تسوية وتدمير أكبر قدر ممكن من المناطق الفلسطينية المحاذية للحدود. وبحسب الأخرس فإن "المقاومة تؤكد عبر هذه العمليات أنها مستمرة في المواجهة مع الاحتلال وفق الأدوات المتاحة لديها، وبما يضمن استمرار عمليات الاستنزاف لجيش العدو وجبهته الداخلية في إطار المفاوضات الجارية في الدوحة".
حسام الدجني: رسائل إطلاق الصواريخ من غزة موجهة بدرجة أساسية للجبهة الداخلية الإسرائيلية
رسائل عودة إطلاق الصواريخ من غزة
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، أن عمليات إطلاق الصواريخ من غزة في الفترة الأخيرة "هي بمثابة رسالة سياسية من المقاومة بأن كل ما يقوم به الاحتلال من أعمال، لا يمكن أن يوقف المقاومة". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه العمليات "تحمل في طياتها رسائل ذات أبعاد سياسية، مفادها أن استمرار الإبادة لن يوقف المقاومة بأي شكل من الأشكال، ووفقاً للطرق التي تجدها مناسبة"، مشيراً أن "الرسائل بدرجة أساسية موجهة للجبهة الداخلية الإسرائيلية وجمهور المستوطنين، بفشل عمليات الإبادة الجماعية في ضرب المقاومة الفلسطينية على صعيد العمل الميداني".
ورأى الدجني أن الصواريخ والقذائف التي تطلق هي بمثابة عنصر ضغط على الجيش والجمهور الإسرائيلي، باتجاه ضرورة تقديم إسرائيل تنازلات في ما يعرض من مقترحات للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل". بالإضافة "لرسائل معنوية موجهة للجمهور الداخلي الفلسطيني، ومحاولة لرفع هذه الروح التي تواجه الإبادة".