كشفت مصادر سياسية في بغداد، أمس الأحد، عن تنفيذ البنك المركزي العراقي سلسلة من الإجراءات الجديدة، في عدد من أقسامه الداخلية، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تضمنت وضع قيود، وفرض حظر على شخصيات وجهات مالية وتجارية، تماشياً مع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والنظام السوري، وكذلك العقوبات المفروضة على شخصيات سياسية وأخرى ضمن "الحشد الشعبي"، كانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت، في السنوات الأخيرة، إدراجهم على لائحة العقوبات. كما شملت أيضاً تغييرات على مستوى الموظفين في البنك. ووفقاً لنائب في البرلمان، طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن البنك المركزي أجرى إصلاحات واسعة في الأشهر الأخيرة، ترتبط بمتطلبات الالتزام بالعقوبات الأميركية المفروضة على جهات خارجية وداخلية مختلفة. وأكد "وضع شركات تحويل مالي أهلية في القائمة السوداء، وكذلك شخصيات تم منعها من المشاركة في أنشطة البنك المركزي، بسبب شبهات التورط في تقديم تسهيلات مالية لأنشطة إيرانية، وأخرى لشخصيات مقربة من نظام بشار الأسد، وجهات عراقية أخرى مدرجة على لائحة العقوبات الأميركية". وأوضح النائب، لـ"العربي الجديد"، أن الإصلاحات الأخيرة للبنك المركزي يمكن أن تحتسب على أنها إحدى أهم الخطوات الإيجابية للحكومة، رغم إقرار مسؤولين في البنك بأنه ما زال هناك الكثير من الملفات التي تحتاج للإصلاح، لكنها ساهمت في الحد من نزيف العملة الصعبة إلى خارج العراق طوال السنوات السابقة، تحت عناوين مختلفة، وغالبيتها من خلال منافذ بيع الدولار اليومي الذي يجريه البنك المركزي والمعروف باسم "مزاد الدولار".
ساهمت الإجراءات في الحد من نزيف العملة الصعبة للخارج
وأكد هذه المعلومات مستشار حكومي في رئاسة الوزراء ببغداد، قائلاً إن "الخطوات الأخيرة للبنك المركزي جاءت على ضوء تعهدات جديدة من قبل الحكومة العراقية لوزارة الخزانة الأميركية، بشأن التزام العراق بالعقوبات المفروضة على النظام الإيراني وكذلك النظام السوري". وأوضح أن الجانب الأميركي قدم للعراق مطلع العام الحالي معلومات، وبالأسماء، عن شخصيات وشركات عدة توضح تورطها في العمل لصالح جهات إيرانية وحتى سورية، من بينها شركات صرافة ومكاتب استيراد وتصدير، وشركات سياحة وسفريات وحوالات مالية ومعارض بيع سيارات. ولفت إلى أن "إشراف (رئيس الحكومة مصطفى) الكاظمي على الإصلاحات الملحّة في البنك المركزي أوقف تكبد العراق شهرياً مبالغ ضخمة من العملة الصعبة، كانت تتسرب للخارج تحت أغطية مختلفة، غالبيتها تحت عنوان الاستيراد". وكشف أن إجراءات رقابية غير مسبوقة تم فرضها على شركات التحويل المالي، والبنوك الأهلية، خاصة الإسلامية، وغالبيتها مملوكة لشخصيات سياسية عراقية، وتمتلك فروعاً في طهران ودمشق وبيروت.
وخلال العامين الماضيين، أدرجت واشنطن العديد من الشخصيات العراقية السياسية والمسلحة على لائحة العقوبات، كان آخرهم قرار وزارة الخزانة الأميركية بوضع رئيس "الحشد الشعبي" في العراق فالح الفياض، ورئيس أركان "الحشد الشعبي" القيادي في مليشيا "كتائب حزب الله" عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك" أو "الخال"، على لائحة العقوبات، في يناير/كانون الثاني الماضي، في خطوة فسّرها مراقبون أنها تؤشر إلى تصعيد أميركي حيال الجماعات المسلحة الموالية لإيران.
من جانبها، اعتبرت الدكتورة سلام سميسم، وهي خبيرة مالية وشغلت سابقا مناصب استشارية في حكومات سابقة، أن "العراق لا يملك أي خيار غير تنفيذ القرارات الأميركية والعقوبات التي تصدر بحق شخصيات سياسية أو غيرها، وكذلك جماعات مسلحة وجهات اقتصادية، لأن القرارات الأميركية تعتبر دولية، وعدم تعاون بغداد مع واشنطن في هذه القرارات، يعني صدور قرارات عقابية بحق العراق، وهو ما لا تستطيع أي حكومة عراقية مواجهته أو تحمّل مسؤولياته". وأوضحت سميسم لـ"العربي الجديد"، أن "العراق بات ضمن الجداول الإلكترونية التي تمنع التسهيلات المالية للجماعات الإرهابية أو النشاطات المشبوهة، ولذلك فإن العمل المالي في البنك المركزي العراقي شديد الحساسية". وتابعت أنه "مع ذلك، هناك بعض الجهات، سياسية وأصحاب الشركات، أو مكاتب التحويلات المالية المدعومة من جهات قوية ومن يملكون مشاريع اقتصادية، تتورط في تمويل أنشطة غير مرغوب بها من الجانب الأميركي، وتحاول الحصول على ما تريده من العملة الصعبة من البنك المركزي". ووفقاً لسميسم، فإن "عمليات غسل الأموال، وتمويل الأنشطة الإرهابية، تجري بتحايل غير عادي على القوانين، سواء العراقية أو غيرها، وعبر استخدام قوانين بديلة، وتمضي في الحصول على الصفقات التي تُهرّب من خلالها ملايين الدولارات. لكن في النهاية لا يمكن للعراق أن يبقى في تغاضٍ مستمر عن عمليات الاحتيال".
باسم الخشّان: إدارة البنك المركزي تحتاج إلى إصلاح جذري
وأكد النائب باسم الخشّان الحاجة إلى ما وصفه "بإصلاح جذري في البنك المركزي لوقف مشاكل تهريب العملة والتعاملات الفاسدة". وأضاف، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "كل الإشكالات المالية، والتعاملات الفاسدة، وتهريب العملة، واستمرار الاختلاس من المال العام، سببها إدارة البنك المركزي الذي يحتاج إلى إصلاح جذري لحل كل المشاكل فيه، وليس تعديلات بسيطة على بعض أقسامه". وأوضح أن "محافظ البنك المركزي الحالي (مصطفى غالب) غير متخصص بالاقتصاد أو بفنون إدارة الأموال، بل هو حاصل على شهادة في القانون، وبالتالي فإن أي خروقات مالية لا تتفق معها القوانين العالمية أو العقوبات الأميركية، تحدث بعلم مسبق من إدارة البنك المركزي، الذي بات يحقق غايات وأهداف الأحزاب المتنفذة، إضافة إلى تحقيق غايات أكبر من ذلك، ولا يُستبعد أن تكون خارجية".
لكن السياسي العراقي ورئيس "مؤسسة المستقبل" في واشنطن، انتفاض قنبر، اعتبر أن مزاد بيع الدولار، الذي ينظمه البنك المركزي، "ما زال يمثل فضيحة عراقية بامتياز"، مؤكداً أن "إيران تحصل على العملة الصعبة من خلال العراق، وعبر هذا المزاد اليومي، إذ يباع يومياً من الدولار ما يفوق حاجة العراق بكثير". وأشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الإجراءات الإصلاحية التي يجري الحديث عنها الآن في البنك المركزي لن تكون مؤثرة، طالما أن هناك مسؤولين نافذين يديرون العملية المالية وطريقة تحويلات الأموال، عبر البنوك الإسلامية وعقود الاستيراد الكاذب". واعتبر أن "الإدارة الأميركية الجديدة لا يبدو أنها تهتم بهذا الملف حالياً، في نهج واضح لإدارة (الرئيس جو) بايدن بالتعامل مع الملف الإيراني".