فجأة عاد في الآونة الأخيرة موضوع النووي الإيراني إلى التداول. التلميحات والتصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين الإيرانيين في هذا الاتجاه، جاءت بلغة بدت في واشنطن انفتاحاً جديداً على المفاوضات بعد مغادرتها قبل عدة أشهر. وبالتحديد كلام الرئيس إبراهيم رئيسي في نيويورك وما أعقبه من توضيحات في هذا الاتجاه، على لسان وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.
يوم الثلاثاء، بدت ردود الخارجية الأميركية حول هذا الموضوع أقرب إلى التناغم مع الإشارات الإيرانية. وكأنها ليست بعيدة عن أجوائها وبما بدا تمهيداً لعودة محتملة ومرغوبة إلى الطاولة.
وتَعزَّز هذا الاعتقاد بصدور مبادرات ومواقف عن عواصم مهتمة أو مكلّفة بإنضاج الترتيبات المؤدية إلى تحقيق هذا الغرض.
في الإحاطة الصحافية جددت الخارجية الأميركية، الثلاثاء، تأكيدها على تمسّكها "بالخيار الدبلوماسي"، وذلك في معرض ترحيبها المبطن بمبادرة اليابان التي "اقترحت استئناف التفاوض لإحياء اتفاق 2015"، وفق ما ذكره وزير خارجية إيران.
الناطق باسم الخارجية ماثيو ميلر زعم أنه ليس على علم بالمبادرة اليابانية، لكن الإدارة الأميركية في كل حال "تكرر اعتقادها بأنّ الدبلوماسية هي الطريق الأفضل". فقط هي تشترط عودة طهران إلى "التعاون مع وكالة الطاقة الدولية" ورجوع مفتشيها. وإذ تدعو الإدارة إيران إلى "خفض التصعيد" في المنطقة بالإضافة إلى "خطوات أخرى"، إلا أنّ هذه المطالب لا تُعتبر شروطاً مسبقة للتفاوض. كما قلل ميلر من المعلومات التي ذكرت أنّ طهران "قامت بحملة للتأثير على بعض الذين سبق أن كانوا أو أصبحوا من كبار معاوني المبعوث الخاص روبرت مالي".
الخارجية (الأميركية) زعمت أنّ هذه الرواية "تعود إلى ما قبل عقد من الزمن". لكن ميلر اعترف بوجود تحقيق في الموضوع، مع التأكيد أنّ "وضعية مالي- كمبعوث خاص- لم تتغير" رغم وجوده في إجازة منذ عدة أشهر؛ أي أنه جاهز لاستئناف مهمته لو تقرر ذلك.
ويذكر في هذا الصدد أنّ الوزير عبد اللهيان نفسه أشار إلى "أجواء إيجابية أبداها مسؤولون أميركيون سابقون" خلال اتصالاته التي أجراها في نيويورك، حول إمكان تجديد المفاوضات.
بالتزامن، جرى تطور ربطه مراقبون بالتحضيرات لمفاوضات محتملة. الموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بأنّ "داعش لم يعد يشكّل تهديداً للعراق وبالتالي لم تعد هناك حاجة لقوات التحالف الدولي"، أثار توقيته علامة استفهام. ثمة من رأى فيه مطلباً إيرانياً للرجوع إلى المفاوضات.
الخارجية الأميركية في تعليقها على هذا المطلب، قالت إنّ القوات الأميركية في العراق "موجودة بطلب من حكومة بغداد"، مع التذكير ببيان أميركي- عراقي مشترك صدر في أغسطس/ آب الماضي يدعو إلى "التشاور بشأن مستقبل التحالف لتحديد كيفية تطور مهمته"، أي مصيره. وفي إشارة متناغمة مع الموقف العراقي الجديد، قال ميلر إنّ القوات العراقية بكل حال "قد أثبتت تزايد قدراتها في مواجهة هذا الخطر". يعني ذلك أنّ الإدارة الأميركية تتفق مع التقديرات العسكرية العراقية، وبالتالي مع طلب استغناء بغداد عن قوات التحالف وعلى رأسها القوات الأميركية.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن في ردّه على سؤال، إنّ مفاوضات فيينا "ماتت". لكن البيت الأبيض سارع إلى التصحيح من باب تصوير كلمة الرئيس وكأنها كانت زلة لسان. وقد رسا القرار آنذاك على تعليق المفاوضات بانتظار الظرف المناسب.
الإشارات الإيرانية أوحت بأنّ اللحظة صارت جاهزة. ربما عجّلت بها الاصطفافات الجديدة والمتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي يبدو أنّ طهران تحرّكت لاستدراكها من بوابة العودة إلى المفاوضات التي لا ترتاح لها أطراف هذه الاصطفافات. الرئيس رئيسي فتح الباب عبر تصريحاته في نيويورك عندما قال إنّ "العلاقات مع الولايات المتحدة يمكنها أن تتحرك إلى الأمام لو خففت واشنطن العقوبات"، وفي إشارة إلى تلاقي طهران مع الخيار الدبلوماسي الذي تتمسك به إدارة بايدن، قال إنّ "إيران لم تغادر طاولة المفاوضات".
عاد الوزير عبد اللهيان وتعمّد التذكير بمبادرة سلطنة عمان "للعودة إلى المسودة التي انتهت إليها مفاوضات فيينا ولو أنها لم تكن نهائية، لكنها تصلح للبناء عليها". هذا الخطاب استقبلته الخارجية الأميركية بارتياح ضمني. على الأقل لم يرجح التشكيك فيه على فسح المجال لاختباره.
رغبة الإدارة الأميركية بالرجوع إلى الطاولة ثابتة. وهي نقلة متوقعة خاصة بعد المقايضة الأخيرة بين واشنطن وطهران بوساطة قطرية، والتي رأى فيها مراقبون مساهمة في "تذويب بعض الجليد" وبما يسهل الطريق أمام الجهود "ويجعلها سلسة" للرجوع إلى فيينا التي "ما زال هناك ممر ولو ضيق للعبور إليها" حسب آخر تحليلات مركز "مجموعة الأزمات" الذي كان روبرت مالي يرأسه.
الإشارات في هذا الاتجاه متسارعة. ثمة نافذة مفتوحة لغاية نهاية السنة. بعدها قد يتهيب بايدن المضي في الموضوع، خشية توظيفه ضده في انتخابات وضعه مترنح فيها، حتى الآن على الأقل. إلا إذا كانت القصة مناورة للإرباك في المنطقة.