إشارات أميركية لإعادة موسكو إلى الخيار الدبلوماسي لإنهاء حرب أوكرانيا

21 أكتوبر 2022
وصف بلينكن بوتين بأنه "عقلاني" بيد أنه لم يبدِ "اهتماماً بدبلوماسية جدية" (فرانس برس)
+ الخط -

حرص وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يوم أمس الخميس، على إرسال إشارات إلى موسكو مفادها أن الإدارة ترغب في ترميم جسور العودة إلى طاولة الدبلوماسية لإنهاء حرب أوكرانيا، وأنها مستعدة للمساعدة في هذا المجال وحث كييف على التحرك في هذا الاتجاه.

ففي حديث شامل مع شبكة "أي بي سي"، وصف الوزير الرئيس بوتين بأنه رجل "عقلاني" ولو أن "قراراته أو غاياته غير عقلانية"، وأنه لم يبدِ حتى الآن "اهتمامه بدبلوماسية جدية". ثم سارع بلينكن إلى التذكير بأن هدف الدعم الأميركي لأوكرانيا هو "تمكينها للدخول في مفاوضات من موقع قوي" للخروج من الحرب.

وعند تذكيره بأن فولوديمير زيلينسكي يرفض التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان رده بأن الرئيس الأوكراني يعرف أن "الحرب ستكون نهايتها في وقت ما عبر الدبلوماسية". يعني أن موقف زيلينسكي ليس مشكلة، لأن المفتاح بيد واشنطن التي تتكفل بمعالجة شروطه بحيث لا تتحول إلى عقبة.

كلام بلينكن هذا غائب عن المشهد منذ أشهر. وكأن فيه عودة إلى طرح كيسينجر بضرورة العمل على وقف الحرب قبل استفحالها والعودة إلى الطاولة، مع أخذ بعض مصالح موسكو بعين الاعتبار.

وتأتي أهمية إشارة بلينكن في أنها جاءت في لحظة اشتدت فيها شراسة الحرب وبما يهدد بعواقب وخيمة، أما الأهم من ذلك، فإنها أتت في وقت بدأت تظهر فيه بوادر التململ من كلفة الحرب، وبما أثار المخاوف من تواطؤ التعب منها مع تداعيات برد الشتاء الأوروبي القادم وما ينطوي عليه من مخاطر تراخي الدعم لأوكرانيا.

 قبل ثلاثة أيام، تعهّد رئيس الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كافين ماكارثي بإعادة النظر في الدعم والمساعدات العسكرية الأميركية إلى أوكرانيا لو فاز حزبه بالانتخابات، إذ إنه يلوح ضمنيا بخفضها إن تعذر قطعها.

ومع أن تصريح ماكارثي انتخابي، إلا أنه أثار قلق الإدارة، لأن الرجل في طريقه ليصبح رئيس مجلس النواب بعد الفوز المتوقع لحزبه الجمهوري. وهو موقع يتحكم صاحبه بعملية طرح المشاريع وتمريرها في المجلس أو تجميدها، وبالتالي، القضاء عليها، ومنها المتعلقة بتمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

فضلا عن ذلك، لم يسبق لمسؤول أميركي بهذا المستوى أو غيره أن أعرب صراحة عن مثل هذا التوجه، الذي يضمر تعاطفا مع روسيا أو يصب في الانحياز لها. ومن المعروف أن هناك فريقاً من الجمهوريين، خاصة "الترامبيين"، قد بدأ يتأفف من "الإغداق" على أوكرانيا في وقت تمر فيه أميركا بظروف صعبة، مع أن كلفة تسليح أوكرانيا حتى الآن ما زالت في حدود 15 مليار دولار من أصل 40 ملياراً أقرها الكونغرس قبل عدة أشهر.

ويمهد مكارثي، الذي يخاطب "الترامبيين" اليوم، لتوسيع حجم التأليب ضد الحرب بعد الانتخابات، ولو أن قسما من الجمهوريين يعارضه ويقف إلى جانب الإدارة لدعم الحرب بدافع إغراق روسيا في مستنقعها.

 في المقلب الأوروبي، يتردد منذ مدة أن تزايد "الضيق" من التزامات الحرب ترافق مع تصاعد كلفتها. التهديد الروسي بالنووي ساعد في تعزيز التماسك الغربي، لكن الخشية الآن من أن الشتاء القادم مع شح الطاقة قد يهز هذا التماسك. فالأوروبيون يشعرون بقدر من الغبن على صعيد الطاقة، وثمة معلومات عن تنامي الشعور لديهم بالنفور من الشريك الأميركي الذي تقوم شركاته بمضاعفة تسعيرة صادراتها من الغاز الطبيعي لبعض البلدان الأوروبية.

ومن المعروف أن هذه الشركات رفعت أسعارها على المستهلك الأميركي وراكمت أرباحا هائلة، من دون أن تقوى الإدارة، العاتبة على السعودية بسبب خفض الإنتاج، على حمل هذه الشركات على زيادة الضخ أو خفض الأسعار، على الأقل حسب ما يزعم البيت الأبيض.

كلام بلينكن اليوم كان ملفتاً، إذ إن بين ثناياه رغبة أميركية بالعثور على مخرج، أو التمهيد لذلك، لكن التوقعات تستبعد وجود رغبة روسية مماثلة في الوقت الراهن، إلا إذا كانت واشنطن قد استشعرت هبوب رياح جديدة في موسكو.

المساهمون