ليس خافياً على كل متابع للصراع العربي الإسرائيلي، أن إسرائيل وضعت في صلب استراتيجيتها ومنذ تأسيسها، على أرض فلسطين، العمل على تقسيم المنطقة العربية، وخصوصا سورية ولبنان لدويلات طائفية مستغلة التنوع الفسيفسائي الطائفي القائم في هذه الدول، وذلك لإضفاء الشرعية على وجودها كدولة يهودية من جهة، ولإشغال العرب بصراعات طائفية فيما بينهم من جهة أخرى.
كانت فرنسا أول من حاول اغراء الدروز بإقامة كيان خاص بهم، وكانت أولى محاولاتها على يد نابليون بونابرت، الذي عرض على الدروز إقامة كيان خاص بهم فيما لو تعاونوا معه في احتلال عكَّا، في مارس/ آذار من عام 1799، فقد توجَّه للأَمير بشير الشَّهابي الثَّاني، وطلب منه الدَّعم المعنوي والعسكري في محاربة الجزَّار واحتلال عكَّا، ولكن بشيرًا، بعد أَن تشاور في الأَمر مع زُعماء الدَّروز في اجتماع عقد في ضريح الأَمير السيِّد عبدالله التَّنوخي ببلدة عبَيْه بلبنان، رفض طلبه وفضَّل أَن يكون مُحايدًا في هذا الصراع.
كانت فرنسا أول من حاول اغراء الدروز بإقامة كيان خاص بهم، وكانت أولى محاولاتها على يد نابليون بونابرت، الذي عرض على الدروز إقامة كيان خاص بهم فيما لو تعاونوا معه في احتلال عكَّا
المحاولة الثانية كانت بعد معركة ميسلون في يوليو/ تموز من عام 1920 واحتلال فرنسا لسورية. حيث قامت فرنسا بتقسيم سورية لدويلات طائفية من ضمنها دويلة الدروز وذلك في 1 مايو/أيار 1921 ، ولكن سرعان ما انتفض الدروز ضد التقسيم، فقامت الثورة الأولى لسلطان باشا الأطرش عام 1922 ضد الفرنسيين، ومن ثم قامت الثورة السورية الكبرى عام 1925 حيث تم إنزال علم الدويلة الطائفية ورفع العلم السوري معلنين رفضهم للتقسيم، وهكذا فشل المشروع الفرنسي بتقسيم سورية، وقاد سلطان باشا الأطرش نضال كل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية ضد المستعمر الفرنسي لإنجاز استقلال الدولة السورية.
السياسة الإسرائيلية تجاه الدروز
أورد يوآف أوركاد في دراسة له حول " الأقلية العربية في إسرائيل والخدمة الإلزامية في الجيش" اقتباساً مهماً من بروتوكول الجلسة التي عقدت بتاريخ 10/10/1952 لقيادة الجيش الإسرائيلي، حيث جاء في معرض نقاش قيادة الجيش حول فوائد فرض الخدمة الإلزامية على الدروز في إسرائيل ما يلي: "قادة الجيش يأملون أن تكون العلاقات الوطيدة بين دولة إسرائيل والدروز مدخلاً لتمكين الجيش الإسرائيلي من أجل العمل بين دروز سورية بهدف تقويض وزعزعة النظام في سورية، وقد تم أيضاً طرح فكرة أن تقدم إسرائيل للدروز وعداً بإقامة حكم ذاتي لهم في منطقة جبل الشيخ ضمن اطار دولة إسرائيل".
بعد هزيمة يونيو /حزيران 1967، واحتلال الجولان، بدأت إسرائيل بشكل حثيث بمحاولة تطبيق هذه السياسة وترجمتها على أرض الواقع، مستغلة الوضع العربي المتردي بعد الحرب، خصوصاً بعد نجاحها بطرد غالبية سكان الجولان من بيوتهم، مما مهد الطريق أمام طرح فكرة الدويلة الدرزية والتي طرحت مباشرة بعد الاحتلال. حيث وردت تفاصيل المشروع الإسرائيلي لإقامة دولة درزية في العديد من المصادر العربية والإسرائيلية ومن أهمها كتاب محمد خالد قطمة، قصة الدولتين المارونية والدرزية، كتاب غالب أبو مصلح، الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي، صالح زهر الدين، تاريخ المسلمين الموحدين الدروز وذكر أيضا عند بعض المختصين الإسرائيليين بالشؤون السورية واللبنانية، مثل موشيه معوز وآيال زيسر، وشمعون أفيفي وتطرقوا للمراسلات بين إيغال ألون وليفي أشكول، رئيس الوزراء إبان حرب يونيو/حزيران 1967، حول مشروع قيام كيان خاص بالدروز، على خلفية احتلال الجولان.
طرحت فكرة تقديم إسرائيل للدروز وعداً بإقامة حكم ذاتي لهم في منطقة جبل الشيخ ضمن اطار دولة إسرائيل
وقد ورد تفصيل هذا المشروع في المصادر السابقة كما يلي: إيغال ألون، صاحب المخطط تردد في أواخر عام 1967مدفوعا من أجهزة الأمن الإسرائيلية، إلى الجولان، ليجري لقاءات مع قيادات المنطقة، وكان كلامهم) أي الإسرائيليين واضحاَ وحاسما (إما القبول بالمخطط وإما الترحيل). فاختارت قيادة الجولان التظاهر بالقبول لكي تمنع الترحيل. ولكنهم أصروا ضمنا على إفشال هذا المخطط. اختير عضو البرلمان السوري السابق كمال كنج أبو صالح (كان عضواً في أول برلمان سوري بعد الاستقلال) لخبرته السياسية للقيام بهذه المهمة الصعبة.
اقترح كمال كنج على الإسرائيليين اسم كمال أبو لطيف لثقته الكاملة بوطنيته، ليشكل صلة وصل بينه وبين وقيادات الدروز في سورية ولبنان. ثم سافر إلى إيطاليا برفقة أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية ويدعى "يعقوب"(اسم مستعار وعرف عن نفسه أنه عقيد في الأمن الإسرائيلي)، ومن هناك استدعى كمال أبو لطيف، وهو لبناني الجنسية وضابط سابق في الجيش السوري، فاستقبله منفرداً بعد أن أقنع يعقوب أنه سيمهد له الطريق لقبول المخطط. أخبر كمال كنج كمال أبو لطيف بالتفاصيل، التي كان قد عرفها من يعقوب، واتفقا معا على إفشال هذا المخطط الخطير، ووضع الجانب العربي بتفاصيله، ولكنهما تظاهرا أمام يعقوب بقبوله لاستكمال باقي التفاصيل حول هذه المؤامرة. وبالفعل عاد كمال أبو لطيف، بعد أن استطاعا هو وكمال كنج أخذ تفاصيل مهمة عن المخطط، إلى لبنان، وأطلع كمال جنبلاط وشوكت شقير (رئيس أركان الجيش السوري سابقاَ) على التفاصيل، وبدوره قام كمال جنبلاط بإخبار الرئيس جمال عبد الناصر. وسافر كمال أبو لطيف إلى دمشق ليطلع عبد الكريم الجندي، رئيس شعبة المخابرات آنذاك على المخطط، الذي كانت تفاصيله كما يلي:
تشن إسرائيل هجوما على جنوب سورية لتصل إلى جبل الدروز، وبالمقابل تشن هجوماً من جنوب لبنان لتصل الى جبال الشوف بحجة التواجد الفلسطيني، ثم يعلن عن قيام دولة درزية تمتد جغرافياً من جنوب سورية مروراً بالجولان وصولاً الى جبال الشوف وتكون عاصمتها السويداء في سورية، تعترف بها إسرائيل وأميركا. وقد رصد لهذه الغاية مبلغ أولي وقدره 30 مليون دولاراً. تقوم إسرائيل لاحقاً بنقل دروز الجليل والكرمل إلى الجولان الذي أخلي من سكانه. وهكذا تتخلص إسرائيل من الدروز داخل حدود ال 48 وتسيطر على قراهم، وبالمقابل يتشكل حزام درزي مدعوم من إسرائيل يشكل حاجزاً بينها وبين الجانب العربي.
أبلغ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر السلطات العراقية والأردنية بالمعلومات التي توفرت لديه، ثم أُعلن عن قيام الجبهة الشرقية من الدول العربية الثلاث: سورية، العراق والأردن، وأنيطت قيادتها بضابط مصري كبير، وعززت المواجهة في مواقع المحاور التي وردت على لسان يعقوب بقوات عسكرية من دول الجبهة.
هنا أدركت القيادة الإسرائيل انفضاح مخططها، فتم استدعاء كمال كنج للتحقيق فأنكر. بدأت بمراقبته، حيث كان قد استدعي إلى سورية أكثر من مرة، لوضعهم بباقي التفاصيل الملحة. وفي آخر زيارة كان ينوي أن يقوم بها إلى دمشق، برفقة أحد رجال الكومندوس السوري، الذي وصل إلى بيته سراً لمرافقته، تم تطويق بيته وألقي القبض عليه وعلى رجل الكومندوس في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1970، وحوكم أمام محكمة عسكرية في القنيطرة، وحكم عليه بالسجن لمدة 208 سنوات. أما كمال أبو لطيف فقد تم اغتياله عام 1985 في بلدته عيحا من قبل الإسرائيليين.
إحياء المشروع من جديد
مع بداية الثورة في سورية، أي بعد آذار/مارس من عام 2011، لوحظ ازدياد النشاط العسكري الإسرائيلي بحجة حماية أمنها في منطقة الجولان، خصوصاً بعد أن تفاقمت الأوضاع على الساحة السورية، وتحولت الثورة مع الزمن الى حرب دامية بين الأطراف المتصارعة وبُدئ لاحقاً الحديث من قبل النظام عما عرف بمشروع "سورية المفيدة"، وفُتح بذلك الباب لطرح موضوع التقسيم.
دراسة (2016): ضعف قوات النظام السوري وفقدان سيطرته على الجولان يمكن أن تغير موقف الدروز حيال إسرائيل وتحولهم الى مرشحين طبيعيين أكثر من الأكراد للتعاون معها
صدرت عام 2016 دراسة عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب أجراها كل من الباحثين: أودي ديكل ونير بومس وأوفير فينتر، تحت عنوان: "على صناع القرار الإسرائيليين التعاون مع لاعبين إيجابيين في المعارضة السورية" دعا الباحثون صناع القرار في إسرائيل إلى استبدال سياسة الوقوف جانبا بإقامة علاقات مع " لاعبين إيجابيين" من بين التنظيمات الفاعلة في سورية، واعتبرت الدراسة أن الأقليات والطوائف في سورية، الأكراد والدروز والمسيحيين والإسماعيليين، هم جزء من "اللاعبين الإيجابيين"، الذين بإمكان إسرائيل التعامل معهم.
أما فيما يتعلق بالدروز في سورية، فقد اعتبرت الدراسة أن هناك ثلاثة عوامل يمكن أن تغير موقف الدروز حيال إسرائيل وتحولهم الى مرشحين طبيعيين، أكثر من الأكراد، للتعاون معها:
العامل الأول، هو ضعف قوات النظام السوري والتخوف من سقوط الأسد. هذا الأمر سيؤدي، وفقا للدراسة، إلى تعالي أصوات بين الدروز تدعو إلى إعادة النظر في الحلف مع النظام.
العامل الثاني، هو قرب عدد من القرى الدرزية في سورية من هضبة الجولان المحتلة. الأمر الذي شجع على فتح قنوات اتصال بين الجانبين من أجل الاستعداد لاحتمال أن يفقد نظام الأسد سيطرته في الجولان (غير المحتل).
العامل الثالث، هو محاولة تدخل الدروز في إسرائيل في شؤون الدروز في سورية، من خلال جمع المساعدات المالية والعينية لهم.
وفي تصريح لافت لقائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، أمير إيشل، خلال لقاء مع شخصيات درزية في الجليل في أيلول/سبتمبر من عام 2014، صرح بأن "حلف إسرائيل مع الدروز لا ينتهي عند حدود الدولة"، وأوضح وزير الدفاع السابق موشيه يعلون خلال لقاء مع صحافيين، في حزيران/يونيو من عام 2015، أن إسرائيل تشترط مواصلة تقديم العلاج الطبي والمساعدات الإنسانية لقوى المعارضة السورية، وفي مقدمتها "الجيش السوري الحر"، بأن تمتنع التنظيمات الجهادية عن الاقتراب إلى الشريط الحدودي في الجولان ومهاجمة قرى درزية سورية.
من هنا نستطيع أن نستنتج، أن هذا المشروع ما زال قائماً في أذهان القيادة الإسرائيلية وينتظر التوقيت المناسب لإعادة احيائه. ولكن أعتقد جازماً، أن الدروز في سورية ولبنان، وهم الأكثرية الساحقة للدروز في المنطقة العربية، لن يسمحوا لهذا المشروع بأن يمر، فهم يعتبرون أنفسهم مؤسسين لدولتي سورية ولبنان ولذلك لن يساهموا في تقسيمهما ولن يتنكروا لدماء شهدائهم، فالدروز في سورية على سبيل المثال وضعوا وفقاً لكتاب جميل علواني، نضال شعب وسجل خلود، 2339 شهيداً ابان الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش أي ما نسبته 56.4 % من مجموع شهداء سورية ابان الثورة والذي بلغ 4145 شهيداً مع أنهم لا يشكلون أكثر من 3% من سكان سورية.