يحمل التصعيد العسكري في قطاع غزة في طياته طاقة كامنة لاندلاع مواجهة شاملة بين حركة "حماس" وإسرائيل، على الرغم من أن كلاً منهما يرى أن مثل هذه المواجهة لا تخدم بالضرورة مصالحه في الوقت الحالي. فالقيادة السياسية في إسرائيل أمرت جيش الاحتلال بشن سلسلة من الغارات على أهداف متفرقة لحركة "حماس" في القطاع، رداً على مواصلة إرسال الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة، مع إدراكها أن ردة فعل "حماس" المتوقعة قد تقلّص هامش المناورة أمامها وتدفعها لتوسيع عملياتها العسكرية بشكل يفضي إلى انفجار المواجهة الشاملة. ويمارس وزراء ونواب اليمين الإسرائيلي ضغوطاً كبيرة على رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، لتغيير نمط التعاطي العسكري الحالي في مواجهة الطائرات الورقية المشتعلة، ويطالبون بإنهاء هذه الظاهرة من خلال العودة لسياسة التصفيات الجسدية. وعلاوة على ذلك، فإن كبار المعلقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية وقادة المعارضة، إلى جانب المستوطنين الذين يقطنون في منطقة "غلاف غزة"، يحاججون بأن الأضرار الناجمة عن الطائرات الورقية تعكس فشل السياسات التي تتبعها الحكومة الحالية إزاء القطاع. وما زاد الأمور تعقيداً حقيقة أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إسرائيل أخيراً ضد القطاع، التي شملت إغلاق المعابر التجارية وعدم السماح بإدخال المواد والبضائع إلى غزة، باستثناء المواد الأساسية، رداً على إطلاق الطائرات الورقية، لم تؤثر سلباً على وتيرة إرسال هذه الطائرات، ما أفضى إلى تفاقم الأضرار الناجمة عنها.
وعلى الرغم من أن الغارات المكثفة التي ينفذها جيش الاحتلال، التي استهدفت مواقع للمقاومة في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وأدت إلى إصابة 4 أشخاص بجروح في حي التفاح ورفح، وردود فعل المقاومة عليها، عبر قصف مناطق "غلاف غزة" بعدد من الصواريخ، يمكن أن تفضي إلى اندلاع مواجهة شاملة، إلا أن كلاً منهما يعي أن مثل هذه المواجهة ستسهم فقط في تدهور مكانته الاستراتيجية. وتدرك القيادة في تل أبيب أن اندلاع مواجهة شاملة مع "حماس" سيمهد الطريق أمام عودة إسرائيل مجدداً لاحتلال قطاع غزة، مع كل ما ينطوي عليه هذا التطور من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية بالغة الخطورة. فمن أجل حسم المواجهة مع "حماس"، وعملاً بما جاء في تقرير مراقب الدولة، الذي حقق في مسار العدوان على غزة في عام 2014، وأوصى بتصميم الجهد الحربي في أية مواجهة مقبلة ضد القطاع بشكل يفضي إلى تقليص أمدها، فإن جيش الاحتلال سيكون مطالباً ليس فقط باستخدام قواته نيراناً هائلة لحسم المواجهة، بل إنه سيكون مجبراً على بدء المواجهة بعملية برية تفضي إلى إعادة احتلال قطاع غزة بأكمله، أو مدينة غزة على الأقل، ما يعني إسقاط حكم "حماس" بشكل نهائي. ونظراً لعدم وجود جهة ثالثة يمكن أن تتولى زمام الأمور في القطاع بعد إسقاط حكم "حماس"، فإن إسرائيل ستكون أمام خيارين، أحلاهما مر، فإما أن تنسحب مجدداً من القطاع لتسود حالة من الفوضى تفضي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في جنوب إسرائيل، من دون أن يكون في قطاع غزة عنوان سلطوي تتسنّى لتل أبيب جباية أثمان منه، وإما أن تتورط إسرائيل بالبقاء في قطاع غزة طويلاً، ما يعني تحملها الكلفة الاقتصادية لإدارة شؤون غزة، فضلاً عن أن مثل هذا السيناريو سيفضي إلى حدوث مزيد من التآكل في المكانة الدولية لإسرائيل، إلى جانب تبعاته الأمنية والعسكرية، على اعتبار أن قوات الاحتلال ستتحول إلى أهداف مباشرة لعناصر المقاومة.