رغم أن إسرائيل شنت وخاضت عددا كبيرا من الحروب والحملات العسكرية، إلا أنه لم يحدث أن اضطرت إلى القيام بما قامت به في عدوانها العسكري المتواصل على قطاع غزة بهدف وقف التآكل في "مكانتها الدولية" إثر تهاوي خطابها الدعائي، وعدم نجاحها في تبرير الجرائم التي ترتكب في القطاع الذي تحاصره منذ سنوات.
فحسب ما كشفته قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية، الليلة الماضية، فقد استعانت إسرائيل بخدمات الجنرال البريطاني، ريشتارد كيبت، لكي يشارك في المحاولات الهادفة إلى إبراز الجانب "الأخلاقي" في عمليات جيش الاحتلال عبر الزعم أن هذا الجيش يحافظ على قواعد القانون الدولي في الحروب.
ويرى معلق الشؤون الدولية في القناة، موآف فاردي، أن كل المحاولات التي تبذلها إسرائيل على الصعيد الدعائي لشرح وتبرير استهداف البنايات السكنية وتشريد المواطنين الفلسطينيين وما يسفر عن ذلك من قتل باءت بالفشل.
وأضاف فاردي: "الصورة تنتصر، كيف يمكن تبرير أن تقوم طائرة إف 15 بتدمير عمارة سكنية بما فيها من شقق وترك قاطنيها بدون مأوى، لا أحد في العالم يمكنه أن يقتنع بأن الدواعي العملياتية تتطلب ذلك، نحن نتحدث عن حرب تقوم على عدم التناسب بين دولة ومنظمات، وهذا ما يجعل العالم لا يستوعب ما يجري".
وحسب المعلق الإسرائيلي، فإن ما يزيد الأمور تعقيدا أن تل أبيب "تخسر مكانتها الدولية في أعقاب تهاوي خطوطها الدعائية في وقت تفشل في تحقيق مكاسب استراتيجية في الحرب"، مشيرا إلى أنه "كان يمكن التضحية بالمكانة الدولية لو كانت هناك إنجازات تتحقق في الحرب، لكن ليس هذا الواقع".
وحسب القناة، فإنه نظرا لإدراك القيادة الإسرائيلية خطورة إسهام نتائج العمليات العسكرية في العدوان الدائر على غزة في تراجع مكانة إسرائيل الدولية فقد قرر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصيا، الانخراط في جهود دعائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الإنكليزية لمواجهة هذا الخطر.
من ناحيته، أقر المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليؤور حبيات، بأن السلوك الإسرائيلي أسهم في تهاوي الخط الدعائي لتل أبيب.
ففي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، أقر حبيات بأن تعمّد الجيش الإسرائيلي الكذب على المراسلين الأجانب قبل خمسة أيام وإبلاغهم أن إسرائيل شرعت في عملية برية لكي ينشروا الخبر ويتم تضليل عناصر حركة "حماس" ودفعهم للدخول للأنفاق وقصفها بعد ذلك، تسبب بأذى كبير لإسرائيل على الصعيد الدعائي ومس بمصداقيتها.
واعتبر حبيات أيضا أن تدمير برج الجلاء في غزة، الذي يضم مكاتب وسائل إعلام دولية، أسهم كثيرا في المسّ بقدرة إسرائيل على تسويق عملياتها في القطاع.
ولا يخفي القادة السياسيون والعسكريون والنخب المرتبطة بدوائر الحكم في تل أبيب، الشعور بخيبة الأمل الكبيرة في أعقاب تنظيم مظاهرات في عدد كبير من عواصم ومدن العالم تنديدا بالحرب والمسّ بالمدنيين، فضلا عن تنديد عدد من الفنانين والرياضيين والإعلاميين ذائعي الصيت في العالم بالجرائم الإسرائيلية؛ مثل مقدم البرامج جون إليفر، الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وأنها تطبق نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين.
ومما زاد الأمور تعقيدا أن قلة من الصحافيين والكتّاب الإسرائيليين لا تتردد من خلال مقابلاتها مع وسائل الإعلام الأجنبية في مهاجمة السلوك الإسرائيلي، وتحميل تل أبيب المسؤولية عن سقوط الضحايا في العملية.
وقد ذكر الكاتب يوسي غوربيتش، الذي ينتمي إلى مدرسة "ما بعد الصهيونية"، في حسابه على "تويتر" أنه لم يتردد أثناء مقابلة أجرتها معه إذاعة أميركية أمس في دعوة المواطنين الأميركيين إلى الضغط على ممثليهم في الكونغرس لفرض حظر توريد سلاح إلى إسرائيل بسبب جرائمها في قطاع غزة.