إدلب السورية تحت وطأة التهديد الروسي وفيروس كورونا

19 سبتمبر 2021
كثّف النظام هجماته على إدلب في الأسابيع الأخيرة (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -

لا يكاد يغيب ملف الشمال الغربي من سورية عن واجهة المشهد حتى يعود بتطورات أكثر سخونة عسكرياً وسياسياً، بعد أن بات الملف الأكثر حضوراً حالياً، على أثر تطورات الجنوب السوري. وتشير الوقائع إلى أن الجانب الروسي وضع حسم مسألة إدلب في أولوياته السورية خلال هذا العام. ويبدو أن عودة القصف الجوي الروسي إلى هذه المنطقة، فضلاً عن استقدام تعزيزات عسكرية من قبل قوات النظام، استدعت قلق أنقرة التي تراقب عن كثب تطورات الموقف على حدودها الجنوبية. ومن الواضح أن الإلحاح الروسي على تطبيق بنود اتفاق موسكو المبرم في العاصمة الروسية في 5 مارس/آذار 2020، سبب رئيسي للقمة المرتقبة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين في سوتشي الروسية خلال شهر سبتمبر/أيلول الحالي.

نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول تركي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن "النقطة الرئيسية على جدول الأعمال هي سورية وبالتحديد إدلب"، مشيراً إلى أن "الشروط المنصوص عليها في اتفاق إدلب لم تنفذ بالكامل". ونقلت الوكالة عن مسؤول تركي آخر قوله: "لا ينبغي أن يكون هناك أي عدم استقرار جديد في سورية".

من جهتها قالت مصادر تركية لـ"العربي الجديد" إن القمة ستكون ثلاثية لقادة الدول الضامنة،  أي أردوغان وبوتين إلى جانب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، موضحة أن الموعد المبدئي لها سيكون في 29 سبتمبر الحالي. وأشارت المصادر نفسها إلى أن الخلافات التركية الروسية حول سورية لا تزال موجودة، وسببها طلب موسكو تغيير بعض التموضعات لقوى المعارضة السورية والقواعد التركية، كما أن التباينات ترتبط بتفاهمات بين تركيا وأميركا شرق الفرات لا تزال بنودها سرّية. 
كذلك توقفت المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد" عند صعوبة معرفة التوافقات الأميركية والروسية بشأن سورية في اجتماعات جنيف بين الطرفين، مشيرة إلى أنه قد تكون هناك خطط مستقبلية لموسكو بناء على ما يتم التوصل إليه، كما لم تستبعد حدوث تبدل في المواقف خصوصاً إذا أبدت واشنطن جدية بموضوع الانسحاب من شرق الفرات.


يعتقد بوتين وأردوغان أنهما قادران على التفاهم مجدداً حول إدلب

ويؤكد اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي والروسي حرصهما على استمرار تفاهمات "موسكو"، وأنه بالإمكان التفاهم مجدداً حول إدلب، كي لا تنزلق المنطقة إلى أتون صراع جديد، لا يريده الروس ولا الأتراك، الذين يخشون من موجات هجرة جديدة في حال تقدم قوات النظام والمليشيات الإيرانية في عمق محافظة إدلب.

ويبدو المشهد متشابك الخطوط في المنطقة، حيث تنتشر تنظيمات متشددة أبرزها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وهي الطرف الأقوى في المعادلة العسكرية، فضلاً عن وجود مجموعات أكثر تطرفاً ورفضاً لأي تفاهمات روسية تركية يمكن أن تغيّر معادلات الصراع وتشكل خطوة لتحييدها عنه.

وتحتفظ "الجبهة الوطنية للتحرير" (تجمّع لفصائل المعارضة في شمال غرب سورية) بحضور قوي، تحديداً على خطوط التماس مع قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي، الذي يبدو أنه بات الهدف الأول لهذه القوات في الفترة المقبلة. وللجيش التركي العشرات من النقاط والقواعد في عموم الشمال الغربي من سورية، تضمّ آلاف الجنود الذين ربما لن يبقوا متفرجين في حال تقدمت قوات النظام من دون تفاهمات بين أنقرة وموسكو.

حول هذه التطورات وعودة الاهتمام إلى إدلب، يرى الباحث بالشأن التركي طه عودة أوغلو أن الزيارة المرتقبة للرئيس أردوغان إلى روسيا، تأتي في ظل تصعيد غير مسبوق من قبل الروس والنظام في إدلب خلال الأسبوعين الماضيين". ويضيف في حديثٍ مع "ألعربي الجديد"، أن الزيارة غير المعلنة مسبقاً تُظهر زيادة القلق التركي من تفجر الأوضاع على الحدود التركية السورية، وتغيير موازين القوى في ظل ضبابية الموقف الأميركي حيال الملف السوري.


ويشير عودة أوغلو إلى أن "أنقرة تريد رسم خريطة تفاهمات جديدة مع الروس، خصوصاً بعد زيادة الهجمات الروسية على إدلب خلال الأسابيع الأخيرة وأيضاً بعد مقتل ثلاثة جنود أتراك خلال عملية تمشيط السبت الماضي"، مضيفاً: تخشى أنقرة تأثيرات هذه الأحداث على الوضع الداخلي في ظل مواصلة المعارضة التركية انتقاداتها للحكومة. كما أن أنقرة لا تريد أن تكون التوترات التركية الروسية على ساحة إدلب ذريعة للنظام، الذي يرى أن الخيار العسكري السبيل الوحيد لحل مشكلة المنطقة.

وقبيل القمة المنتظرة بين أردوغان وبوتين، يواصل الطيران الروسي قصف بلدات وقرى في عمق محافظة إدلب. في بلدة الكندة، بريف إدلب الغربي، قُتل وأصيب مدنيون، أمس السبت، بغارة جوية روسية. وقصفت الطائرات الحربية الروسية بالصواريخ بلدة البارة في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.

ويعبر الباحث في مركز "الحوار السوري" محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد" عن اعتقاده أن قمة سوتشي "ستكون مجالاً لتجديد التفاهمات حول إدلب بعد التصعيد الروسي الحالي". ويرى أن هذا التصعيد "يهدف إلى الضغط على الجانب التركي في العديد من الملفات الإقليمية"، مضيفاً: "تتخوف روسيا من امتداد التنسيق الأميركي التركي في أفغانستان إلى سورية، ومنطقة شرقي الفرات تحديداً، حيث يجري الحديث عن إمكانية تنسيق الولايات المتحدة لانسحابها المحتمل من سورية مع تركيا.


تخشى روسيا من تمدّد التفاهم الأميركي التركي من أفغانستان إلى سورية

ويرى سالم أن المباحثات التركية الروسية في سوتشي "قد تتطرق إلى الأوضاع في ريف إدلب الجنوبي في ظل مطالبة روسية بانسحاب تركي وفصائل معارضة مرتبطة بأنقرة إلى شمال الطريق الدولي، وفتح المعابر مع النظام السوري". لكن سالم يستبعد انسحاب الفصائل "لأنهم يعلمون أن الانسحاب منها عملياً يعني سقوط ما يتبعها، كمدن أريحا وإدلب مركز المحافظة".

ونصّ اتفاق "موسكو" على استعادة الحركة على الطريق الدولي "أم 4" (أوتوستراد حلب ـ اللاذقية)، إلا أن رفضاً شعبياً لأي دور روسي في إدلب، حال دون ذلك. ويبدو أن الروس جادون هذه المرة في دفع فصائل المعارضة السورية عدة كيلومترات شمالي الطريق للسيطرة عليها، كما حدث مع الطريق الدولي "أم 5" (أوتوستراد حلب ـ دمشق)، في الربع الأول من العام الماضي، حين شنّت قوات النظام عملية عسكرية واسعة النطاق تحت غطاء ناري روسي.

لكن الوضع في الشمال الغربي من سورية لا يقتصر على الشقّ الميداني، ولم يعد القصف الجوي والمدفعي الصاروخي الهاجس والتهديد الأكبر لحياة أكثر من 4 ملايين مدني، مع تفشي فيروس كورونا وإصابته ألاف السكان. ودقّ فريق "منسقو الاستجابة"، الذي يضم ناشطين في الحقل الإنساني ناقوس الخطر منذ أيام، جراء تفشي الفيروس في بلدات وقرى المحافظة وفي المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية. وسجل الفريق أكثر من 28561 إصابة منذ مطلع شهر أغسطس/آب الماضي وحتى يوم الثلاثاء الماضي، وكشف أن المناطق التي سجلت أعلى نسبة إصابات هي: منطقة حارم 10656 إصابة، منطقة إدلب 5392 إصابة، ومنطقة عفرين 4870 إصابة. وأشار إلى وجود 425 إصابة في القطاع الصحي، و3335 إصابة في المخيمات. وبلغت أعداد الوفيات 151 وفاة خلال الفترة المذكورة.
ويلفت مدير الفريق محمد حلاج، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن إجمالي عدد الذين أصيبوا بالفيروس منذ بدء تفشيه في شمال غرب سورية، وحتى يوم الأربعاء الماضي، بلغ 57406، مشيراً إلى أن عدد الوفيات بلغ 890، في مقابل 29630 شفاء بين المرضى. ويقول: كلّ المعطيات حول تفشي وباء كورونا، تشير بوضوحٍ إلى أننا دخلنا مرحلة الخطر الشديد أو بالحد الأدنى، نحن على أبواب هذه المرحلة.

المساهمون