"إدارة الأمن العام"... أحدث محاولات "تحرير الشام" لاحتواء الغضب

22 مارس 2024
تظاهرة في إدلب ضد سياسات "هيئة تحرير الشام"، 1 مارس الحالي (معاوية أطرش/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "حكومة الإنقاذ"، الذراع الإدارية لـ"هيئة تحرير الشام" في شمال غربي سورية، أعلنت عن تأسيس "إدارة الأمن العام" لاحتواء الغضب الشعبي وتحسين صورتها وسط اتهامات بالتعذيب والقتل تحت التعذيب.
- أبو محمد الجولاني وعد بإجراء "إصلاحات" تشمل إعادة هيكلة الجهاز الأمني والدعوة لانتخابات مجلس الشورى، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والاستياء من هيمنة الجهاز الأمني.
- المرحلة المقبلة ستشهد تخفيف القبضة الأمنية وتحويل العمل الأمني إلى "النمط التركي"، مع خطط لإعادة هيكلة الجناح العسكري وتعيين قادة جدد لتحسين الأوضاع في المنطقة وتخفيف الضرائب على الفعاليات الاقتصادية.

أعلنت ما تسمّى بـ"حكومة الإنقاذ"، الذراع الإدارية لـ"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) في شمال غربي سورية، استحداث إدارة باسم "الأمن العام"، تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية في هذه الحكومة، في خطوة أخرى للهيئة بهدف احتواء الغضب الشعبي المتواصل ضدها، وضد تجاوزات ذراعها الأمنية (جهاز الأمن العام)، والتي وصلت إلى حد القتل تحت التعذيب.

وذكرت هذه الحكومة، في بيان أول من أمس الأربعاء، أن مدير الإدارة الجديدة سيتم تعيينه بقرار من رئيس الحكومة، محمد البشير، بناءً على اقتراح وزير الداخلية، محمد عبد الرحمن، وأن الإدارة المذكورة ستكون "مُلحقة بالنظام الداخلي للوزارة".

 "هيئة تحرير الشام" تحاول احتواء الغضب المحلي

وجاءت الخطوة في ظل غضب شعبي متصاعد من تجاوزات الذراع الأمنية لـ"هيئة تحرير الشام" بحق المدنيين والعسكريين على خلفية ما بات يُعرف بـ"ملف العملاء"، إذ نفّذت هذه الذراع حملة اعتقالات واسعة خلال العام الحالي بحق قياديين وعناصر بتهمة "العمالة" لجهات خارجية، إلا أن التحقيقات أثبتت بطلان التهمة.

ومارس الجهاز الأمني التعذيب بحق المعتقلين، ما أدى إلى الوفاة في المعتقلات المنتشرة في مناطق سيطرة "تحرير الشام" في محافظة إدلب وبعض محيطها في أرياف حماة وحلب واللاذقية.

وكان قائد "تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، وعد خلال اجتماع مع شخصيات وفعاليات شعبية في محافظة إدلب، الأسبوع الماضي، بجملة "إصلاحات" من ضمنها إعادة هيكلة الجهاز الأمني، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الذي تجلى في تظاهرات حاشدة، خلال الأسبوعين الماضيين، طالبت باستبعاد الجولاني عن السلطة في شمال غربي سورية.

كما وعد بـ"الدعوة لانتخابات مجلس الشورى العام في المناطق المحررة، وإعادة النظر في القانون الانتخابي، وتوسيع التمثيل للأهالي والشرائح والفعاليات، وتعزيز الدور الرقابي لمؤسسة الشورى، لتحقيق ضبط وكفاءة ونزاهة المؤسسات التنفيذية العاملة على الأرض".

وكانت "هيئة تحرير الشام" قد أسست "جهاز الأمن العام" في 10 يونيو/ حزيران 2020، وهو وفق ما يعرّف عن نفسه "مؤسسة أمنية منظمة تعمل على ملاحقة العملاء والمجرمين، وتتركز مهامها في حفظ أمن الفرد والمجتمع بمؤسساته وفصائله ودورة حياته اليومية".

لكن هذا الجهاز فرض هيمنة شبه مطلقة على كل جوانب الحياة في شمال غربي سورية، ما تسبب باستياء عام في منطقة يعيش سكانها، وجلهم نازحون، أزمات معيشية وغلاء أسعار في ظل ندرة فرص العمل.

مصادر: المرحلة المقبلة ستشهد تخفيفاً للقبضة الأمنية

وتعليقاً على استحداث "إدارة الأمن العام"، بيّنت مصادر مقربة من "هيئة تحرير الشام"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جهاز المخابرات في الهيئة لن تكون له أي علاقة بالحياة المدنية لا من قريب ولا من بعيد، على ضوء الإصلاحات الجديدة والقرارات التي صدرت عن حكومة الإنقاذ".

وأشارت إلى أن المرحلة المقبلة "ستشهد تخفيفاً للقبضة الأمنية بشكل واضح"، مضيفة أنه "سيكون لجهاز المخابرات دور يخص القضايا الاستراتيجية التي تهم مصلحة الثورة".

ولفتت المصادر إلى أن العمل الأمني في شمال غربي البلاد سيكون "على النمط التركي"، إذ "لن تتدخل الاستخبارات بحياة الناس على الإطلاق، ودورها رقابي فقط"، كاشفة عن أن أبو محمد الجولاني "سيعيد بالفترة المقبلة هيكلة الجناح العسكري في الهيئة"، مشيرة إلى أنه سيتم تعيين قادة جدد في التشكيلات العسكرية.

وأضافت أنه سيتم تحويل الجناح العسكري إلى أربع فرق تؤلف بمجموعها فيلقاً كبيراً، موضحة أنه "سيكون هناك مجلسان في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، الأول مجلس شورى عام، والثاني مجلس استشاري يضم عسكريين وأكاديميين".

صورة غير واضحة لعمل "إدارة الأمن العام"

من جانبه، رأى الباحث في مركز "كاندل" للدراسات، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن استحداث مديرية للأمن العام في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في شمال غربي سورية "خطوة في سياق محاولة تهدئة الاحتجاجات الداخلية في الهيئة، وتخفيف وقع التظاهرات التي تطالب بتفكيك جهاز الأمن العام".

وتابع: "لكن الخطوة حتى الآن لم تظهر ملامحها في التأثير على بنية الأمن العام، وما إذا ستكون التبعية لوزارة الداخلية هي تبعية إدارية أم تبعية نفوذ وسيطرة".

وأشار إلى أنه لم تتضح الصورة كاملة بعد لجهة "ما إذا كان سيتم تأسيس جهاز أمني مختلف في المرحلة القادمة يكون على رأسه نفس الأشخاص الذين كانوا يديرون جهاز الأمن العام، أم هناك مراجعة عميقة للعقيدة الأمنية لدى تحرير الشام ستنعكس على البنية والأداء بحيث يتم تعزيز الاحترافية الأمنية على حساب العنف". واعتبر أن "كل هذه الأسئلة ضرورية للحكم على الخطوة".

ورأى الباحث بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن استحداث المديرية في محافظة إدلب "هو جزء من خطة عامة لجعل أغلب فروع وتخصصات الأمن العام تحت لواء وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ"، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تنفيذ "إجراءات العمل الحقوقي المعروفة".

أبو عدنان: سيبقى قسم من جهاز الأمن العام "ليتحول لنواة جهاز مخابراتي خارجي"

وأوضح أنه سيبقى قسم من جهاز الأمن العام "ليتحول لنواة جهاز مخابراتي خارجي"، معرباً عن اعتقاده أن استحداث المديرية "خطوة لامتصاص غضب المدنيين والعسكريين"، مضيفاً أن "إنهاء القبضة الأمنية في شمال غربي سورية مطلب للعسكريين في الهيئة، فضلاً عن كونه أحد مطالب المدنيين".

وتوقّع أن تخفف "هيئة تحرير الشام" من قبضتها الأمنية، "لكن بشكل نسبي وليس كلياً"، مضيفاً أن الهيئة ترى أن "المنطقة بحالة حرب لذا لا يمكن رفع القبضة الأمنية بشكل كامل"، معتبراً أن الأوضاع في شمال غربي سورية "تتجه نحو الأفضل على صعيد الحريات".

وتابع: "الفترة المقبلة ستشهد تخفيفاً للضرائب التي تفرضها الهيئة على الفعاليات الاقتصادية". يشار إلى أن "هيئة تحرير الشام" سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، فصيل متشدد كان يتبع لتنظيم "القاعدة"، لكن زعيمها، أبو محمد الجولاني، أعلن في يوليو/تموز 2016 فك الارتباط بالتنظيم تحت ضغوط شعبية.

وطيلة سنوات الصراع في سورية، كانت "تحرير الشام" لاعباً عسكرياً مهماً في مجريات هذا الصراع في أغلب الجغرافية السورية، لكنها في الوقت نفسه، كانت ذريعة جاهزة للنظام وداعميه، روسيا وإيران، لوأد الثورة السورية تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".
 

المساهمون